ليبيا: خطوة للأمام أم حلقة مفرغة؟

ليبيا: خطوة للأمام أم حلقة مفرغة؟


24/05/2022

أحمد يوسف أحمد

أنهت لجنةُ المسار الدستوري الليبي المكونة من ممثلين عن مجلسي النواب والأعلى للدولة الجولةَ الثانية من اجتماعاتها بالقاهرة، وكانت قد عقدت جولتها الأولى الشهرَ الماضي وتنوي عقدَ جولة ثالثة الشهرَ القادم، والهدف الرئيسي لهذه اللجنة هو التوافق على قاعدة دستورية تجري بموجبها الانتخابات الرئاسية والتشريعية الليبية التي كان يُفترض إجراؤها في ديسمبر الماضي ولم تتم، إشارةً إلى وجود صعوبات حقيقية تُشكك في إمكان إجرائها بنزاهة أولاً وضمان الالتزام بنتائجها ثانياً. ووضع هذا التأجيلُ ليبيا على بداية توتر جديد بعد سلسلة من التطورات الإيجابية كوقف إطلاق النار، ونجاح منتدى الحوار الأممي في انتخاب مجلس رئاسي ورئيس حكومة جديدين، والاتفاق على موعد للانتخابات التي مثل تأجيلُها نكسةً لهذا المسار، حيث اعتبر مجلس النواب أن فشل حكومة الدبيبة في إجرائها يُنهي شرعية هذه الحكومة، ومن ثم كلَّف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة. ورغم أن هذا التكليف مثَّل خطوةً للأمام كأول مؤشر إلى الأمل في تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، باعتبار أن باشاغا ينتمي للغرب وحظي ترشيحه بالإضافة إلى مجيئه من مجلس النواب على تأييد الجيش الوطني في الشرق. غير أن رفض الدبيبة الامتثالَ لقرار مجلس النواب وإصراره على عدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، أعاد الأمورَ إلى نقطة الصفر، بمعنى عودة ازدواجية السلطة التنفيذية. وعندما حاول باشاغا مؤخراً دخول طرابلس، لممارسة مهام منصبه، انسحب بعد ساعات تجنباً لإراقة الدماء بعد اعتراض ميليشيا مسلحة مؤيدة للدبيبة. وهكذا بدا أن الصراع في ليبيا يعود إلى الوضع السابق على خريطة الطريق التي توصل لها منتدى الحوار الليبي برعاية أممية، وعليه فقد تمثلت أهمية اجتماعات لجنة المسار الدستوري في أن نجاحها في التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات يعيد الأمل في إجرائها والخروج من النفق المظلم الذي دخلته ليبيا منذ عام 2011.
وثمة تصريحات إيجابية حول حصيلة أعمال اللجنة في اجتماعاتها الأخيرة التي وصفتها ستيفاني ويليامز، المستشارة الأممية الخاصة بليبيا، بأن روح التعاون والسعي إلى توافق في الآراء بشأن إطار دستوري شامل لإجراء الانتخابات قد سادتها. كما أفاد بيان للجنة عقب انتهاء اجتماعاتها بأن الجانبين توافقَا على 140 مادة من 195 يحتويها مشروع الدستور، وأنها ستستكمل بقيةَ المواد في اجتماعات الجولة الثالثة التي يُفترض أن تُعقد الشهرَ القادم.
والواقع أن المرء لا يملك سوى التفاؤل شديد الحذر بهذه التطورات: أما التفاؤل فلأن التوافق الذي تم حتى الآن ليس بالهين، خاصة وأنه يتم بين طرفين مختلفين في وجهات نظرهما. وأما الحذر الشديد فلأن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين، وقد سبق التأكيد والإلحاح على أن مستقبل التسوية السياسية للصراع سيبقى رهناً بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة وحل مشكلة المليشيات المسلحة بإدماج عناصرها الصالحة في المؤسسات العسكرية والأمنية واستبعاد غير الصالح منها، فطالما بقيت ليبيا رهينة بأيدي مَن يملكون السلاح لا يمكن الاطمئنان لأي اتفاق سياسي مهما بلغت درجة التوافق حوله، إذ تشير دروسُ الخبرة الماضية إلى أن أطرافاً بعينها تستفيد من استمرار الصراع، ولن تسمح طالما استطاعت ذلك بإنجاز أي تقدم على طريق الحل السياسي إن تعارض مع مصالحها. ومن المؤكد أن الانتخابات الشعبية الحرة لن تنتهي بنتيجة مرضية لقوى بعينها سوف تعرقل أي خطوة جادة لإجرائها ما استطاعت لذلك سبيلا، ولهذا فإن النهج المتكامل لحل الصراع ينبغي ألا يركز فقط على الحوارات السياسية، وإنما يجب أن يمتد لتوفير الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات وضمان نزاهتها والالتزام بنتائجها، وفي القلب من هذه الظروف حل معضلة الوجود العسكري الأجنبي وفوضى الميليشيات.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية