ماذا وراء الإفراج عن قيادات من النظام الليبي السابق؟

ماذا وراء الإفراج عن قيادات من النظام الليبي السابق؟


11/09/2021

لا يقيم أيّ من المتابعين للشأن الليبي وزناً للتصريحات الرسمية التي تصف الإفراج عن نجل الرئيس الليبي السابق، الساعدي القذافي، وعدد من رموز نظامه، بأنّه إخلاء سبيل بعد عقد من التحقيقات أثبتت براءتهم، ويعلم المتابع أنّ الإفراج عن معظم المعتقلين في مدينة مصراتة جاء ضمن تحركات الرجل القوى في المدينة والغرب، والوزير السابق، فتحي باشاغا.

ويسعى باشاغا إلى ضمان وجوده في السلطة الجديدة التي ستتشكل في ليبيا بعد موعد الانتخابات في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، سواء أجريت الانتخابات أم تأجلت، ففي كلتا الحالتين سيحدث فراغ دستوري في السلطة؛ فالثقة الممنوحة لحكومة عبد الحميد الدبيبة ستنتهي، وتتحول إلى حكومة تصريف أعمال.

رجال النظام القديم

أعلنت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة الإطلاق سراح الساعدي القذافي، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، مساء الأحد الماضي، في الخامس من الشهر الجاري، وفي اليوم التالي تم الإعلان عن إطلاق سراح سبعة من قيادات النظام السابق، من بينهم اللواء ناجي حرير القذافي، الذي كان مسؤولاً عن تأمين الرئيس القذافي وكبار المسؤولين، والسكرتير الخاص للقذافي، العقيد أحمد رمضان، وخمسة آخرين، وكان الساعدي محتجزاً في طرابلس منذ سلمته النيجر عام 2014، بعد أنّ فرّ إليها عقب مقتل والده في 2011، وقالت وزارة العدل الليبية والمجلس الرئاسي أنّ المُطلق سراحهم ممن قضوا فترة العقوبة أو لم يكن عليهم أحكام قضائية، وما زال العشرات من قيادات النظام السابق محتجزين في عدد من المدن الليبية، وعلى رأسهم سيف الإسلام القذافي، ومدير المخابرات الليبية السابق، اللواء عبد الله السنوسي.

فتحي باشاغا

ويقول المحلل السياسي الليبي، محمد عامر؛ إنّ خروج المسجونين أمر جيد لأسرهم ولفتة إنسانية كريمة، ولكن السياق الليبي لا يحتمل التفكير بهذه النظرة، وعلينا البحث عن سبب الإفراج عن قيادات النظام السابق في هذا التوقيت، الذي يستبق الانتخابات بفترة قصيرة، ولا شك أنّ ذلك سيقوي شوكة أنصار الراحل العقيد معمر القذافي، ويجمع شتاتهم، ولم يعد ينقصهم إلا خطاب سياسي بقيادة سيف الإسلام القذافي.

وتابع عامر لـ"حفريات"؛ الانتخابات اقتربت والتحالفات تتغير، وستندمج فرق كانت متصارعة بشكل غير متوقع، والجميع يتفق على أنّ الإخوان باتوا خارج المشهد، ولهذا يسعون بقوة لعرقلة الانتخابات.

لدى باشاغا علاقات قوية بالسفير الأمريكي في ليبيا

ومن جانبه يرى المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي؛ أنّ فتحي باشاغا كان له دور كبير في الإفراج عن قيادات النظام السابق، ويريد من ذلك أنّ يظهر أمام المجتمع الدولي أنّه استطاع المصالحة مع أنصار النظام القديم، ويجهز نفسه للمرحلة القادمة، على أنّه الرجل القوي في المنطقة الغربية، سواء لخيار الانتخابات، أو كرئيس للحكومة المقرر تشكيلها إنّ لم تجرى الانتخابات.

وكانت السلطات الليبية أعلنت أنّ الساعدي القذافي غادر إلى تركيا بعد الإفراج عنه، وهو ما أثار كثير من التساؤلات حول الهدف من ذلك، ويشكك الورفلي في حديثه لـ"حفريات" في هذا الخبر، ويقول؛ لم نرّ إلا صورة واحدة للساعدي منذ الإفراج عنه، على عكس المفرج عنهم الآخرين الذين ملأت صورهم الإعلام، ولا أحد يعلم هدف زيارته لتركيا، وهل طوعية أم جبرية.

إستراتيجية باشاغا

وكان باشا ترشح لمنصب رئاسة الوزراء في القائمة الثالثة أمام ملتقى الحوار السياسي الليبي، في مطلع شباط (فبراير) الماضي، وضمت إلى جانبه رئيس البرلمان، عقيلة صالح رئيساً للمجلس الرئاسي، ونائبيه؛ عبد المجيد سيف النصر، واللواء أسامة الجويلي، وكان من المرجح بقوة فوز هذه القائمة التي ضمت رموز من برقة ومصراتة والزنتان وفزان، ورغم ذلك فازت القائمة الرابعة، التي ضمت محمد المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، ونائبيه موسى الكوني وعبد الله اللافي، وعلى رأس الحكومة عبد الحميد الدبيبة من مصراتة.

الساعدي القذافي

وأقام باشاغا علاقات قوية مع واشنطن، خصوصاً في ملف تفكيك ودمج الميليشيات، ونجح في وضع خطة لتمييز العناصر التي ستندمج في القوى الأمنية، وتوقفت هذه الخطة برحيله عن وزارة الداخلية، وإلى جانب واشنطن نجح الرجل في بناء علاقات قوية مع مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين في المشهد الليبي، سواء مصر وفرنسا وتركيا.

يتوقع أنّ تخفق البعثة الأممية في عقد الانتخابات في ليبيا، في ظل الإخفاق الكبير في الاتفاق على القاعدة الدستورية في اجتماعات ملتقى الحوار السياسي

وتحدثت مصادر ليبية عدّة عن تعاقد باشاغا مع شركتي علاقات عامة في إدارة الانتخابات وبناء النفوذ في واشنطن، ضمن إستراتيجيته الجديدة متعددة الأبعاد لبناء النفوذ في الداخل والخارج، ويقول المحلل السياسي محمد عامر؛ يعمل باشاغا على بناء تحالفات جديدة، لأنّ نفوذه العسكري مقتصر على مدينة مصراته، ولديه خلافات مع ميليشيات في طرابلس منذ أنّ كان وزيراً للداخلية، ومن المحتمل أنّ دوره في الإفراج عن قيادات النظام السابق المنحدرين من وسط وجنوب ليبيا له علاقة ببناء هذه التحالفات.

ويبقى أمام باشاغا توطيد علاقته بالقائد العام للقوات المسلحة الليبية، المشير خليفة حفتر، وتيار الكرامة واسع الانتشار، وحول ذلك يقول هيثم الورفلي؛ هناك أخبار تحدثت عن محاولة باشاغا لقاء المشير أكثر من مرة، ولكن الأخير رفض، ولا أظن أنّه مثل هذا اللقاء ممكن، لأنّ باشاغا لا يحمل صفة رسمية في الدولة، وهدف باشاغا من اللقاء بالمشير هو مزيد من التسويق نفسه، بأنّه لا مشكلة لديه مع المشير حفتر وتيار الكرامة.

باشاغا والإخوان

وتطرق بعض المحللين الليبيين إلى استخدام ورقة النظام القديم من عدّة أطراف في الساحة الليبية، من بينهم الإخوان المسلمين والدبيبة إلى جانب فتحي باشاغا، ويتفوق الأخير بقدرته على العمل مع سيف الإسلام القذافي، على عكس الإخوان الذين لن يقبلوا بتاتاً بالعمل معه؛ فباشاغا سيقبل بمنصب رئاسة الوزراء، وهو الممكن حال أُجريت الانتخابات وفق رؤية مجلس النواب الليبي، والتي تنصّ على أنّ يكون رئيس الجمهورية ونائبه ورئاسة الوزراء موزعة على المناطق الليبية الثلاث؛ برقة وطرابلس وفزان، وهو ما يضمن لباشاغا فرصة حال ترشح المشير حفتر أو سيف الإسلام القذافي للرئاسة، فالرجلان من حصة برقة، ولا حظوظ لباشاغا في الترشح لمنصب الرئاسة.

المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي

ولم يعد الإخوان موضع رهان في ليبيا، وحتى تركيا يمكن الاتفاق معها بعيداً عنهم، فلديها تحالفات في الغرب الليبي وخصوصاً مدينة مصراتة، إلى جانب أنّ التحالف مع الإخوان لن يكون في مصلحة باشاغا.

ويقول محمد عامر؛ علاقة باشاغا بالإخوان غير واضحة، وكانوا حلفاء في الأعوام السابقة، وعمل معهم وكأنّه عضو في الحركة دون انتماء لهم، لأنّ مصلحته وقتها اقتضت ذلك، ولكن مؤخراً ابتعد عنهم، ويحاول التقرب إلى الجيش الوطني، الذي كان عدوه سابقاً، لأنّه يقرأ السياق الإقليمي الذي يشهد انتهاء حقبة الإخوان، خصوصاً بعد ما حدث في تونس.

وفي سياق متصل، من المتوقع أنّ تخفق البعثة الأممية في الدفع نحو عقد الانتخابات في ليبيا، في ظل الإخفاق الكبير في الاتفاق على القاعدة الدستورية في اجتماعات ملتقى الحوار السياسي، وحال لم تجرّ الانتخابات في موعدها سيكون على البعثة الأممية التخلي عن الملتقى السياسي والبحث عن بدائل.

المحلل السياسي محمد عامر لـ"حفريات": الجميع يتفق على أنّ الإخوان باتوا خارج المشهد، ولهذا ابتعد عنهم باشاغا وراح يتقرب إلى الجيش الوطني

ويقول هيثم الورفلي؛ الخطة باء للبعثة الأممية هي إعادة تشكيل لجنة ال 75، وهناك بوادر حول ذلك من خلال اجتماعات تعقد في لوزان في سويسرا، بدعوة من مركز الحوار الإنساني، بهدف تشكيل جسم سياسي يختار حكومة مؤقتة جديدة، لأنّ الثقة الممنوحة لحكومة الدبيبة تنتهي في 24  كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وتصبح بعدها حكومة تصريف أعمال فقط، واستباقاً كذلك لانقسام السلطة التنفيذية مرة أخرى بين الشرق والغرب.

وبحسب الاتفاق السياسي في لجنة الحوار السياسي الليبي، والذي نتج عنه تشكيل السلطة الانتقالية، ستعقد الانتخابات العامة في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ولكن الإخفاق داخل الملتقى في الاتفاق على القاعدة الدستورية التي ستجرى الانتخابات وفقاً لها، أدى إلى تنامي الشكوك حول الالتزام بهذا الموعد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية