ماكرون والانتخابات التشريعية لعام 2022.. هل جنت على نفسها براقش؟

ماكرون والانتخابات التشريعية لعام 2022.. هل جنت على نفسها براقش؟


24/05/2022

لم يكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستفيق من فرحة الانتصار بولاية ثانية، محطّماً عدداً من الأرقام القياسية، أهمّها أنّه أصبح أصغر رئيس في الجمهورية الخامسة، وكذلك كسر عقد الولاية الثانية، التي توقفت منذ عقدين في فرنسا مع الرئيس جاك شيراك، حتى وجد نفسه وحزبه وجهاً لوجه أمّام تحدّيات الانتخابات التشريعية للجمعية الوطنية الفرنسية، وهي تحدّيات تختلف عن تحديات الانتخابات الرئاسية التي ربحها بسهولة.

ويمكن القول إنّ الانتخابات التشريعية للعام 2022، بالنسبة إلى ماكرون، لن تكون كمثلها التي أجريت في العام 2017، والتي فازت بها حركته "إلى الأمام"، بأغلبية ساحقة، لتحسم (350) مقعداً، من أصل (577)، في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، في حين مُني الحزبان التقليديان، الاشتراكي والجمهوري المحافظ، بهزيمة كبيرة، وفازت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان لأول مرّة بمقعد في البرلمان.

واليوم أصبح اليمين المتطرف أكثر قوة وأكثر شعبية، ومن المنتظر أن يكون خصماً قوياً للرئيس ماكرون، خاصّة مع الاتفاق على تكوين تحالف انتخابي للتيار اليساري، وهو ما سوف يزيد من إضعاف الرئيس، وتشتت الأصوات الانتخابية.

أصبح اليمين المتطرف أكثر قوة وشعبية، ومن المنتظر أن يكون خصماً قوياً لماكرون، خاصّة مع الاتفاق على تكوين تحالف انتخابي للتيار اليساري، وهو ما سيزيد من إضعاف الرئيس وتشتت الأصوات الانتخابية

لقد تحمّست مجموعة من الأحزاب اليسارية لدعوة جان لوك ميلنشون الناخبين إلى انتخابه رئيساً للوزراء، ومنح اليسار غالبية في الجمعية الوطنية لعرقلة إصلاحات الوسط، حيث صرّح فابيان روسيل زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي لراديو فرانس إنتر قائلاً: إنّه "لا يمكن لأحد من اليسار أن يفوز بمفرده". مشيراً إلى أنّ التحالف الجديد بحاجة إلى أن يُبنى على "الأمل الهائل بين الجمهور الفرنسي، وبين العمال، وبين الشباب الذين يطالبوننا بأن نتحد".

ويرى مراقبون أنّ الرئيس الفرنسي ماكرون قد يقضي على آمال حركته بالبقاء أغلبية في البرلمان، خاصّة إذا ما دخل الانتخابات التشريعية منفرداً دون تحالفات، كما أنّ إقدامه على تغيير اسم حركته في هذا التوقيت يُعدّ انتحاراً انتخابياً، وهو قرار لا داعي له، خاصّة أنّ التسمية الجديدة لحركته "النهضة"، هي تسمية فضفاضة، وفضلاً عن ذلك، فإنّ الناخبين الفرنسيين قد ترسخ في مخيلتهم الاسم القديم، ومن الصعب عليهم استساغة الاسم الجديد.

إنّ ما فعله إيمانويل ماكرون قبيل الانتخابات التشريعية ربما يُذكّرنا بالمثل العربي "جنت على نفسها براقش"، الذي يُضرب لمن عمل عملاً أضرّ به نفسه، أو أهله، فهو يجد نفسه دوماً معزولاً في قصر الإليزيه، ضمن ما يُعرف بمصطلح "المساكنة السياسية"، وهي عدم انتماء رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، إلى الحزب أو التيار السياسي نفسه، وهذا يحدث حينما يكون الرئيس صاحب الأقلية في الجمعية الوطنية.

الفرنسيون ليس لديهم ذكريات طيبة مع هذه التجربة، التي عاشوها (3) مرات خلال الجمهورية الخامسة؛ الأولى في عهد الرئيس ميتران، مع جاك شيراك، من العام 1986 إلى غاية العام 1988، ثم بين ميتران وإدوار بلادور، من العام 1993 إلى غاية العام 1995، ثمّ بين جاك شيراك، ورئيس الحكومة الاشتراكية ليونال جوسبان، من العام 1997 إلى غاية العام 2002، ولهذا سوف يكون للانتخابات التشريعية في 2022 بُعد آخر، فهي تأتي تحت عنوان "نكون أو لا نكون"، وهو الشعار الذي يرفعه الرئيس ماكرون وحركته، والذي يبدو أنّه بعيد المنال والتحقيق، وفق المعطيات الحالية، التي ترجّح فوز اليسار بالأغلبية في هذه الانتخابات المرتقبة.

تغيير ماكرون اسم حركته في هذا التوقيت يُعدّ انتحاراً انتخابياً، وهو قرار لا داعي له، خاصّة أنّ التسمية الجديدة لحركته "النهضة" هي تسمية فضفاضة

إنّ المتتبّع للمشهد السياسي في فرنسا، والعالم بخبايا الأمور هناك، قبل أيام من الانتخابات التشريعية، يدرك أنّ هذه الانتخابات لن تكون كالانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي كانت بنكهة أوروبية، حيث إنّ الأحزاب الفرنسية أعادت الوهج المعتاد للحياة السياسية في مثل هذه المناسبات، فالفرنسيون يعتبرون أنّ الانتخابات التشريعية هي التي تعنيهم في تفاصيل حياتهم اليومية، وهم ليسوا مستعدّين لمنح أصواتهم إلّا لمن يؤمّن لهم الرفاهة الاجتماعية، ويحقّق مطالبهم.

وعليه، يمكن القول إنّ الرئيس الفرنسي يدخل وحركته بتسميتها الجديدة إلى السباق الانتخابي التشريعي بأرجل مرتعشة، بعد أن حشد اليسار الفرنسي كلّ فصائله، في مواجهة ما يعتبرونه خطر تجميع كلّ السلطات بيد ماكرون، على غرار الدورة السابقة، وهو ما أثّر كثيراً على سير الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بحسب ملاحظين.

ويسعى اليسار الفرنسي هذه المرّة إلى اقتسام الحكم مع إيمانويل ماكرون، وقصّ جناحيه في الجمعية الوطنية، ويبدو أنّه نجح في ذلك، وتشير آخر استطلاعات الآراء إلى أنّ 49% من الفرنسيين لا يرغبون في هيمنة الرئيس ماكرون وحركته على الجمعية الوطنية، وعلى رئاسة الوزراء، ويحبذون أن يكون اليسار هو المتوّج بالفوز في الانتخابات التشريعية. وتؤكد كذلك أنّ الاتحاد اليساري سوف يفوز بأغلبية المقاعد منذ الدورة الأولى، التي سوف تجرى يوم 12 حزيران (يونيو) القادم، دون انتظار الموعد الثاني يوم 19 من الشهر نفسه.

مواضيع ذات صلة:

ماكرون.. وتحدي "الإسلامافوبيا"

فرنسا والخليج.. مرحلة ما بعد فوز "ماكرون"

منظمة العفو الدولية تطالب ماكرون بهذا الأمر.. فهل يستجيب؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية