ماهي دلالات تخصيص مصر نصف مليار دولار لإعادة الإعمار في غزة؟

ماهي دلالات تخصيص مصر نصف مليار دولار لإعادة الإعمار في غزة؟


22/05/2021

في قمة ثلاثية جمعته بكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والملك الأردني، عبدالله الثاني، أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن تخصيص 500 مليون دولار أميركي لإعادة الإعمار في غزة، وذلك كمبادرة تجمع الحكومة المصرية والشركات الخاصة المنوطة بأعمال البناء والتشييد.

وعبر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، عن شكره وتقديره للقرار المصري، مثمناً ما أسماه بـ”الالتزام المصري القومي تجاه القضية الفلسطينية”. وهو ما تكرر أكثر من مرة خلال الأيام الماضية حيث الإشادة بدور القاهرة فيما يتعلق بتطورات الأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة.

القمة التي عقدت على هامش زيارة السيسي لباريس، ناقشت بلورة تحرك دولي مشترك بين الدول الثلاث تجاه ما يحدث في فلسطين المحتلة، وهو ما جاءت البيانات الرسمية بأنه يأتي في سياق التنسيق المستمر بينهم على مختلف الأصعدة الدولية والإقليمية.

على المستوى الثنائي، فالخلفية المباشرة لهذا التطور اللافت تتمثل في سلسلة من المبادرات المصرية لإنجاز هدنة إنسانية في قطاع غزة، ومن ثم الوصول لتهدئة تتكلل باتفاق لوقف إطلاق النار مثلما هو المعتاد، والتي قابلتها إسرائيل برفض وصفه محللون إسرائيليون “شخصنه بلهجة غير معتادة” بينها وبين مصر؛ حيث كان رد الفعل المصري على رفض مبادرة الهدنة الإنسانية الأسبوع الماضي سحب الوفد المصري من تل أبيب وتجميد التعاون معها في عدد من الملفات التي لم يعلن عن ماهيتها وتفاصيلها حتى كتابة هذه السطور، ناهيك عن تصدر المؤسسات الرسمية المصرية كالوزرات والهيئات المنوطة لجهود الإغاثة الطبية والإعاشة، وليس كالعادة الاعتماد على المبادرات وقوافل الإغاثة الشعبية غير الرسمية.

على المستوى الإقليمي والدولي، يأتي القرار المصري وكواليس إخراجه على هامش مؤتمر باريس، وفي متن القمة الثلاثية، كطفرة في الموقف المصري المعتاد من أي تصعيد من جانب الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في قطاع غزة؛ حيث أنه للمرة الأولى يتم تفعيل ورقة إعادة الإعمار كتوجه سياسي وليس تكتيك طارئ، واحتمالية أن يكون ذلك عبر حوامل إقليمية ودولية لن تقتصر على القاهرة فقط، وهو سقف لم تبلغه تحركات القاهرة في سوابق الحروب الأخيرة على غزة.

دلالات

الدلالات الأولية التي يمكن استنتاجها من هذا القرار هو أن هناك رسائل تريد القاهرة إرسالها لمختلف الأطراف المعنية إقليميا ودولياً بالتصعيد في غزة وفلسطين المحتلة ككل، أحداها أن تمادي تل أبيب في التعنت فيما يتعلق بوقف حربها الجارية يرفع احتمالات تمدد أثارها خارج غزة، وبشكل سيشكل عقبة في تنفيذ تموضعات واشنطن الجديدة في المنطقة.

وكان السيسي قد حذر من حدوث السابق في أكثر من مناسبة أهمها ربط أمن الملاحة في البحر الأحمر بملف سد النهضة، والذي تختلف مقاربات وأولويات “شركاء” القاهرة تجاهه بشكل يقفز على المخاطر التي تهدد محددات الامن القومي المصري، وتأثير تجاهل هذه المحددات على أمن المنطقة كلها.

أيضاً على مستوى متغيرات العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، فإن هذا القرار يشي بأن هناك توجه مصري لمجابهة تصدير أزمات الأخيرة للأولى وأن يكون ثمن التصعيد الإسرائيلي في غزة على حساب القاهرة، مثلما حدث في 2008.

كذلك يمكن اعتبار القرار المصري ضمن حزمة إجراءات تهدف لكبح محاولات إسرائيل المستمرة في التخلص من أعباء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتصدير هذه الأعباء لكل من مصر والأردن، وهو ما تطابق بالفعل مع توجه نتنياهو باستثمار وتوظيف التطبيع مع الدول العربية، كمهرب من مشاكل الداخل الإسرائيلي وأزمة الطبقة السياسية هناك وحتى كاستثمار انتخابي، على حساب كل من القاهرة وعمان.

وعلى مستوى تكتيكي عاجل، فإن ردود فعل القاهرة على التعنت الإسرائيلي تتدرج وفق وتيرة تصاعد الأحداث، ومن ثم فإن الخطوة المصرية الأخيرة يمكن اعتبارها رداً على إعلان جيش الاحتلال عن نية استهداف البنية التحتية للقطاع المحاصر، وهو ما حدث بالفعل عبر استهداف تجمعات سكنية ومباني مدنية من ضمنها مقرات الإغاثة الطبية من مستشفيات وما شابه، وهو ما توازى مع تسريبات حول محاذير وجهتها القاهرة لتل أبيب حال استهداف سيارات الإسعاف والطواقم الطبية تحت أي ذريعة.

وعلى نفس المنوال وكمتغير استراتيجي، فإن ثمة رسائل حول متغيرات الدور المصري فيما يتعلق بقطاع غزة، وأنه لن يُحصر فقط في الجانب الإغاثي والإنساني، ولكن سيمتد إلى ممارسة دور يتخطى فكرة الوساطة المعتادة بين المقاومة والاحتلال، بدايته فقط التلويح بمسألة إعادة الإعمار كحامل لأهداف سياسية طويلة الأمد، وتعظيم هذه الورقة المستجدة بشكل متعدد المستويات، سواء كمتغير في إدارة العلاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل، أو فيما يتعلق بإدارة العلاقات في الإقليم، وما يتصل بهذا من متغيرات متعلقة بالأولويات الأميركية في المنطقة.

يمتد السابق إلى متغيرات جيوستراتيجية متعلقة بملف الغاز وخطوط الطاقة وكذلك الملاحة، حيث خصوصية وحيثية استخراج غاز غزة دون بنية تحتية حدها الأدنى ميناء ومنشآت تنقيب وإسالة تفضل القاهرة أن يكون لها دور في انشاءها وإدارتها دون غيرها من باب التحوط وانطلاقاً من محددات أمنها القومي.

عن "مركز الإنذار المبكر"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية