ما الذي اختلف في أجندة واشنطن حيال سوريا؟

ما الذي اختلف في أجندة واشنطن حيال سوريا؟


22/11/2021

في ظل التنافس الإقليمي المحتدم بين روسيا والولايات المتحدة بسوريا، تبرز توجهات لافتة ومثيرة لواشنطن في الأزمة السورية، مؤخراً، والممتدة لنحو عقد، لا سيما أنّ إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منذ وصولها للحكم، لا تبدو مشغولة بإحداث تغييرات جمّة وجذرية في إستراتيجيتها باتجاه الملف السوري المأزوم، أو مراجعة سياساتها التي انحصرت في تطبيق عقوبات قانون "قيصر" على النظام في دمشق، وكذا الاحتفاظ بالتواجد العسكري في شمال شرق سوريا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي.

أهداف بايدن من وجوده بسوريا

وبخلاف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي كان يضع على قمة أولوياته إخراج إيران وميليشياتها من سوريا، فإنّ هناك خمسة أهداف لبايدن، ليس من بينها الهدف الأخير، بحسب المعلومات التي انفردت بها جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية"؛ إذ أشارت إلى اجتماع مغلق بين مسؤولين أمريكيين في واشنطن، خلص إلى صيغة تامة نهائية للأهداف والأولويات الأمريكية في سوريا، والتي تم بحثها ومناقشتها، منذ مطلع العام.

اقرأ أيضاً: سوريا والعمق العربي.. مقاربات أولية

وتشمل هذه الأهداف: "أولاً، البقاء في شمال شرقي سوريا واستمرار هزيمة داعش. ثانياً، المساعدات الإنسانية عبر الحدود. ثالثاً، الحفاظ على وقف إطلاق النار. رابعاً، دعم المحاسبة وحقوق الإنسان والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل. خامساً، دفع عملية السلام وفق القرار 2254".

 الدكتور عمرو الديب، أستاذ في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، ومدير مركز خبراء رياليست الروسي: نرى الرئيس بايدن متردداً في التورط شخصياً في الصراع السوري

وتشير المعلومات الصحفية إلى أنّ المهم في هذه الأولويات هو "الأمور غير الموجودة التي حذفت من قائمة ترامب؛ إذ إنّ بايدن لم يعين، حتى الآن، مبعوثاً للملف السوري من الطراز السياسي، كما كان الحال مع السفير جيمس جيفري وأسلافه، فبقي الملف ممسوكاً من قبل مسؤول الشرق الأوسط بريت ماكغورك، مع إبعاد دور وزارتي الدفاع والخارجية، وسط تساؤلات عما إذا كانت الأمور ستتغير بعد تسلم باربارا ليف منصبها الرسمي الرفيع في الخارجية".

تهدف واشنطن إلى تحقيق وجود أمريكي بشمال شرقي سوريا إلى أجل غير مسمى، لجهة مواجهة النفوذ الايراني، ومنع طهران من إقامة ممرها البري الذي يربطها بلبنان والعراق

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح الدكتور عمرو الديب، أستاذ في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، ومدير مركز خبراء رياليست الروسي، أنّ الولايات المتحدة، خلال سنوات الصراع والحرب بسوريا، تبدو مترددة في أن يكون لها سياسة محددة بشأن سوريا، لافتاً إلى صعوبة تحديد الأولويات الأمريكية الراهنة أو المستقبلية داخل الأراضي السورية، وذلك على خلفية ضبابية الموقف الأمريكي الحقيقي لما يحدث في الشرق الأوسط، بشكل عام، وفي سوريا، بشكل خاص.

اقرأ أيضاً: هل ارتكبت أمريكا جرائم حرب في سوريا؟

فمن ناحية، لا يمكن لواشنطن التخلي عن دعواتها للانتقال السياسي في دمشق، بعيداً عن الحكم الاستبدادي المتمثل في استمرار بشار الاسد رئيساً لسوريا، حسبما يوضح الديب، ومن ناحية أخرى، ترى واشنطن أنّ القبول بـ"الأسد" كرئيس شرعي يتعارض وكل التطورات في سوريا منذ عام 2011.

ويردف: "نرى الرئيس بايدن متردداً في التورط شخصياً في الصراع السوري، ولذلك؛ نلاحظ، فقط، النشاط الذي يقوم به وزير الخارجية الأمريكي، والذي عمد إلى أن يكون التدخل الأمريكي في سوريا قائماً على الأمور الإنسانية فقط، وفي هذا الصدد؛ اتخذ بلينكن خطوتين مهمتين للغاية، تتمثل الأولى في أنّه أعاد إحياء مجموعة سوريا الدولية، التي اجتمعت على هامش اجتماع وزاري في روما للتحالف الدولي ضد داعش، وشدد الاجتماع على القضية الإنسانية في سوريا، بدلاً من الخوض في ما تعتبره الولايات المتحدة مناقشة غير مثمرة لتنفيذ القرار 2254، وثانياً، عملت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي على إصدار القرار رقم 2585، والذي أمّن المساعدات الإنسانية لشمال سوريا عبر معبر باب الهوى من تركيا".

ويختتم: "بلا شك تشعر الولايات المتحدة بالقلق البالغ من تحرك دول عربية باتجاه تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، وهي الخطوة المرشحة للتزايد من قبل عدة دول أخرى بالمنطقة بعدما قامت بها الإمارات؛ فهذه التحركات والخطوات إنّما تؤكد على هزيمة وجهة النظر الأمريكية بخصوص سقوط بشار الاسد، ولكن لا ننسى أنّ موقف واشنطن والاتحاد الاوربي يعد الأهم فيما يتعلق بمسائل إعادة الإعمار، أو رفع العقوبات، أو توقيع عقوبات جديدة، حتى مع الدول والشركات التي ستتعامل مع الحكومة السورية".

المحلل السياسي د. عمر الديب لـ"حفريات": تشعر الولايات المتحدة بالقلق البالغ من تحرك دول عربية باتجاه تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، وهي الخطوة المرشحة للتزايد من دول أخرى

وقبل أيام، أكدت واشنطن، عبر سفارتها في دمشق، على بقاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، بغية مواصلة هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، وغردت عبر حسابها الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أنّ "داعش يشكل تهديداً مباشراً للشعب السوري، ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة". وتابعت: "ستحافظ الولايات المتحدة على وجودها العسكري في سوريا، لضمان القضاء على التهديد من المجموعة الإرهابية".

بايدن لا ينوي تكرار سيناريو أفغانستان بسوريا

ووفق الباحث والمحلل الأمريكي، مايكل هول، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، فإنّه عندما أعلنت واشنطن انسحابها من أفغانستان، قوبلت هذه اللحظة بمزيج من الترحيب والشجب باعتبارها نقطة تحول من شأنها أن تبشر بسلسلة من الانسحابات العسكرية الأمريكية في الوقت الذي تعيد فيه واشنطن توجيه إستراتيجيتها الكبرى.

كما لفت الباحث والمحلل الأمريكي، إلى أنّه بعد شهرين من مغادرة آخر جندي أمريكي العاصمة الأفغانية كابول، تقدم الإدارة الأمريكية ضمانات بأنّه لن يكون هناك انسحاب أمريكي مماثل من سوريا؛ حيث يشارك الأمريكيون في "حرب لا هوادة فيها" أخرى، معتبراً أنّ "هذه الوعود بالبقاء في سورية تمثل خطأ إستراتيجياً، والتزاماً بمهمة غير مستدامة ليس لها هدف نهائي محدد بوضوح يمكن تحقيقه". ويردف: "إن الدفاع عن الأكراد يبدو أحد العوامل الرئيسية على الأقل وراء قرار الإدارة الأمريكية بتمديد نشر ما يقرب من 900 جندي أمريكي متمركزين في سورية".

اقرأ أيضاً: خطوات الإمارات نحو سوريا لم تأت من فراغ

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، قام الجنرال فرانك ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأمريكية التي تتابع العمليات العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بزيارة سرية وغير معلنة للمنطقة، حيث التقى مظلوم عبدي، قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وذلك بهدف التأكيد على مواصلة الدعم الأمريكي.

وفي سياق الجهود لإخراج سوريا من عزلتها، يرى الباحث المصري في العلوم السياسية فاروق أبو ضيف، أنّه مع تضاؤل شهية واشنطن بخصوص فرض عزلة على سوريا، بما في ذلك من خلال الوسائل العسكرية، بدأت بعض الدول العربية في إخراج سوريا من عزلتها الدبلوماسية، لافتاً في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ "دول الخليج العربي، خلال الأشهر الأخيرة، قد سعت إلى تعميق مشاركتها مع الحكومة السورية، وإن كانت بدرجات متفاوتة".

ويمكن تلخيص الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا بعدة أهداف تتمثل في "وجود أمريكي بشمال شرقي سوريا إلى أجل غير مسمى، لجهة مواجهة النفوذ الايراني، ومنع طهران من إقامة ممرها البري الذي يربط بين إيران ولبنان والعراق، فضلاً عن منع ظهور تنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة، مرة أخرى، والوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية تنهي حكم عائلة الأسد". يقول أبو ضيف.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية