ما بعد أحداث بيروت... الحل في طهران وواشنطن

ما بعد أحداث بيروت... الحل في طهران وواشنطن


21/10/2021

بالرغم من الأبعاد الداخلية لما شهدته بيروت من تصعيد، إثر رفع الثنائي الشيعي "حركة أمل وحزب الله" مستوى الاحتجاج على استدعاء قاضي التحقيق "البيطار" شخصيات محسوبة على حركة أمل وحزب الله، واعتبارهما هذا الاستدعاء استهدافاً لهما، إلا أنّ طهران وواشنطن هما الحاضرتان الغائبتان في هذا المشهد، رغم كثرة تفاصيله الداخلية، بما فيها الروايتان حول إطلاق النار على محتجين شيعة على إجراءات القاضي "بيطار"، واتهام "القوات اللبنانية" بنصب كمين، في الوقت الذي تنفي فيه القوات تلك الاتهامات.

اقرأ أيضاً: حزب الله يهدّد بإشعال لبنان: لدينا 100 ألف مقاتل

مقاربات أمل وحزب الله الرافضة لإجراءات القاضي بيطار، بما فيها المطالبة باستدعاء جميع المشتبه فيهم للتحقيق، عززت الشبهات لدى اللبنانيين والمتابعين بدور ما لحزب الله في المسؤولية عن تفجير مرفأ بيروت، وهو ما تم اعتباره من قبل كثير من اللبنانيين تدخلاً في القضاء وفرض إرادة الحزب على الدولة اللبنانية، لا سيّما أنّ أحداث بيروت جاءت خلال مسيرة لقواعد الثنائي "الشيعي" اقتربت من مناطق "مسيحية" تخللها هتافات استفزازية، وجاءت في أعقاب تحدي حزب الله للحكومة اللبنانية باستيراد نفط إيراني "خارج أطر الحكومة"، وخطابات تحريضية لزعيم الحزب "حسن نصر الله" مصحوبة بمفردات التخوين والتهديد لمعارضي الحزب، الذين يتهمونه برهن لبنان للاستراتيجية الإيرانية.

 

أحداث بيروت لا تعدو عن كونها رسائل مشفرة متبادلة بين طهران من جهة وبين واشنطن وحلفائها، عبر وكلاء، من جهة ثانية

 

القوات اللبنانية التي تُعد الخصم الأبرز لحزب الله، ورغم نفيها لمسؤولية عناصرها لعمليات إطلاق النار على قواعد أمل وحزب الله، وبناء رواية أنّ الأهالي هم من بادروا للرد على إطلاق النار عليهم من قواعد أمل والحزب، إلا أنّ إطلاق النار من منطقة معروفة بأنها "مسيحية" أرسل رسالة إلى حزب الله بأنه ليس الوحيد في لبنان، ولن يأخذ الدولة رهينة لأجنداته الإيرانية.

اقرأ أيضاً: "الخميس الأسود": هل يشهد لبنان مقايضة بين تحقيقات المرفأ والطيونة؟

ما بعد أحداث بيروت، رغم دعوات الفرقاء اللبنانيين وأطراف إقليمية ودولية فاعلة بالملف اللبناني للتهدئة، إلا أنها لا تعدو أنّ تكون محطة في المشهد اللبناني، يخشى أن تؤسس لتطورات لاحقة تذهب بلبنان "لا قدّر الله" إلى مزيد من الفوضى، في ظل جملة معطيات من بينها:

أوّلاً: أنها تذكر بسياقات الحرب الأهلية اللبنانية، لا سيّما أنّ القوات اللبنانية كانت أحد أبرز الفاعلين فيها، والتي كان من بين مخرجاتها الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ودخول الجيش السوري إلى لبنان، ولاحقاً إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وربما عززت صور أطفال المدارس المرعوبين والخوف وتبادل إطلاق النار في الأحداث الأخيرة، والضحايا من المدنيين، عززت مخاوف اللبنانيين من العودة إلى أجواء تلك الحرب، التي تشكل قاسماً مشتركاً لدى الخصوم اللبنانيين بالتلويح بها للخصوم والتحذير منها للقواعد، وهو ما أبرزته خطابات نصر الله وجعجع.

اقرأ أيضاً: في ظل احتكام حزب الله إلى السلاح... هل ينعش اللبنانيون ثورتهم؟

ثانياً: ربما نجح حزب الله اليوم في حرف الأنظار عن تحقيقات القاضي "بيطار" مرحلياً، بإثارة قضية الشهداء ومن أطلق الرصاصة الأولى والدخول في دوامة التحقيقات بهذه القضية، بما يحرج القوى الأمنية اللبنانية والجيش، إلا أنّ هذا النجاح سيبقى محدوداً في ظل قناعات لبنانية واسعة بأهمية استمرار تحقيقات القاضي بيطار، لا سيّما أنّ هناك شكوكاً بنوايا لدى الحزب لمقايضة تحقيقات الرصاصة الأولى بتحقيقات بيطار، وبالتزامن فإنّ طروحات تتعزز بالمطالبة بتحقيق دولي في قضية "تفجيرات مرفأ بيروت"، وهو ما يرفضه ويخشاه حزب الله، رغم الشكوك العميقة بإمكانية أن ينتج عن التحقيق الدولي أيّ نتائج تُذكر.

اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون في لبنان: البقاء فقر والرحيل مخاطرة!

ثالثاً: ظهر التيار الوطني الحر "الرئيس عون وجبران باسيل" بموقف ضعيف، بعد تعاطيه مع أحداث بيروت، وفقاً لمرجعياته، وأبرزها تحالفه مع حزب الله، وفي الوقت نفسه تتعرض مناطق مسيحية للتهديد من قبل حليفه، وعدم قدرته على تجاوز ذلك، بالتزامن مع تطلع "جبران باسيل" للترشح لرئاسة الجمهورية وقطع الطريق على "سمير جعجع" أو أي منافس مسيحي، وإرسال رسائل إلى أمريكا وفرنسا برفضه لسيطرة إيران على لبنان، وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل هذا التحالف، الذي يرجح تمسك التيار الحر به، ممّا يعني احتمالات تقديم تنازلات منه لحزب الله وحركة أمل، فيما ظهر جعجع بوصفه الندّ الذي يمثل كل خصوم حزب الله وأمل.

 

الحكومة اللبنانية التي تشكّلت بظروف صعبة وتوافقات هشة بين قوى لبنانية عكست توازنات إقليمية ودولية، جاءت أحداث بيروت لتظهر ضعفها

 

رابعاً: الحكومة اللبنانية التي تشكّلت بظروف صعبة وتوافقات هشة بين قوى لبنانية عكست توازنات إقليمية ودولية، جاءت أحداث بيروت لتظهر ضعفها، وأنها مجرد شاهد ليس له سلطة حقيقية على الدولة اللبنانية، في ظل حكومات الميليشيات والطوائف.

في الخلاصة، فإنّ أحداث بيروت لا تعدو عن كونها رسائل مشفرة متبادلة بين طهران من جهة، وبين واشنطن وحلفائها، عبر وكلاء، من جهة ثانية، وسيبقى قرار التصعيد فيها أو تخفيضها خاضعاً لتطورات الصراع الإيراني مع الغرب، رغم ما أفرزته تلك الأحداث من إعادة إنتاج الأسئلة لدى اللبنانيين حول مشروعية امتلاك الأسلحة واستخدامها، ونذر الحرب الأهلية، في وقت يعاني فيه اللبنانيون بطوائفهم وميليشياتهم من انخفاض عملتهم الوطنية، فيما يتزايد نقص الخدمات الأساسية، وتتوسع جيوب الفقر والجوع.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية