ما سرّ تصاعد الإسلاموية العنيفة في بنغلاديش؟

ما سرّ تصاعد الإسلاموية العنيفة في بنغلاديش؟


21/04/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

تعرّضت بنغلاديش، التي شَهِدت تصاعداً في النّشاط الإسلامويّ، خلال الأشهر السّتّة الماضية، لاندلاع أعمال عنف مؤخّراً، لقد انخرط نشطاء حركة حفظ الإسلام الإسلامويّة المتشدّدة في حالة هياج استهدفت مباني حكوميّة وقطارات ومعابد هندوسيّة ووسائل إعلام، وقُتل أكثر من عشرة أشخاص، وأصيب العشرات في أعمال العنف والاشتباكات مع الشّرطة.

كانت الزّيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهنديّ، ناريندرا مودي، إلى دكا هي الدّافع المباشر لأعمال العنف؛ فقد أثارت معاملة حكومته للمسلمين في الهند غضب العديد من البنغاليين. ومع ذلك، فإنّ جذور العنف تكمن في بنغلاديش وتعود إلى عدّة عقود.

يعدّ اعتقال المئات من القادة الإسلامويّين وأتباعهم في الأشهر الأخيرة انتكاسةً لنشاطهم، لكنّ ذلك يمكن أن يثير التّعاطف معهم بين الجماهير المسلمة

ولدت البلاد من صراع بين القوى العلمانيّة والدّينيّة، وبينما شَهِد الاستقلال، عام 1971، انتصار القوميّة العلمانيّة، فإنّ القوى الدّينيّة لم تُهزم قطّ، في الواقع، تمّ إحياء المنظّمة الإسلامويّة الرّائدة في بنغلاديش، الجماعة الإسلاميّة، التي تمّ حظرها بعد الاستقلال بفترة وجيزة لتعاونها مع باكستان ودورها في قتل الآلاف من البنغلاديشيّين العلمانيّين، في أواخر عام 1975.

وفي العقود التي تلت ذلك، اكتسبت القوى الإسلامويّة قوّة بفضل الرّعاية التي تلقّتها من الأنظمة المدنيّة والعسكريّة.

"الحفاظت"

إذا كانت الجماعة الإسلاميّة في العقود السّابقة هي الحزب الإسلامويّ الرّائد في بنغلاديش، فإنّ "الحفاظت"، وهي مظلّة تجمع علماء مسلمين، تهيمن على الفضاء الإسلامويّ المتشدّد منذ 2013.

تمّ تشكيل "الحفاظت"، عام 2010، لمعارضة إجراءات حكومة حزب "رابطة عوامي" التي هَدِفت إلى استعادة الشّخصيّة العلمانيّة لبنغلاديش، وفي عام 2013، عندما احتشد البنغاليون العلمانيّون والملحدون للمطالبة بإعدام قادة الجماعة المدانين بارتكاب جرائم حرب خلال حرب التّحرير، عام 1971، شنّت "الحفاظت" حركات مضادّة، وأصدرت ميثاقاً من 13 مطلباً، من بينها: عقوبة الإعدام للمجدّفين، والتّعليم الإسلاميّ الإلزاميّ، وحظر الاختلاط بين الرّجال والنّساء، وأعقب ذلك حشدها الآلاف من طلّاب المدارس الدّينيّة من أجل "حصار" دكا.

إذا كانت الجماعة الإسلاميّة هي الحزب الإسلامويّ الرّائد في بنغلاديش، فإنّ "الحفاظت"، وهي مظلّة تجمع علماء مسلمين، تهيمن على الفضاء الإسلامويّ المتشدّد منذ 2013

وزعزعت قوّة الشّارع والعنف، اللذان أظهرتهما "الحفاظت"، عام 2013، حزب رابطة عوامي الحاكم، ولأنّه حزب علمانيّ، من حيث المبدأ، قاد نضال بنغلاديش من أجل الاستقلال، كانت "رابطة عوامي" هدفاً للأصوليّين الدّينيّين لعقود.

رأى الحزب في "الحفاظت" حليفاً إسلامويّاً مفيداً سيمكّنه ليس فقط من مواجهة منافسه الرّئيس، الحزب الوطني البنغلاديشيّ، المتحالف مع الجماعة الإسلاميّة، لكن أيضاً من توسيع دعمه بين الجماهير المسلمة، وهكذا، بدأ في مغازلة زعماء "الحفاظت"، واستجاب لبعض مطالبهم، وردّت "الحفاظت" بالتخفيف من حدّة عدوانها.

عنف الأشهر الماضية

ومع ذلك، فقد استأنفت تأكيد أجندتها الإسلامويّة بعنف خلال الأشهر الستة الماضية؛ ففي تشرين الأوّل (أكتوبر) 2020، تدفّق نشطاء المنظّمة إلى الشوارع للاحتجاج على دفاع الرّئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، عن الرّسوم الكاريكاتوريّة للنبيّ محمّد، وطالبوا بنغلاديش بقطع العلاقات مع فرنسا، وبعد أسابيع قليلة، استنكر زعيمها الجديد، جُنيد بابوناغاري، إقامة التّماثيل "لأنّها تتعارض مع الشّريعة"، وقام نشطاء بتشويه تمثال الأب المؤسّس لبنغلاديش، وأوّل رئيس لها، شيخ مجيب الرّحمن، بعد فترة وجيزة من ذلك.

هناك سببان وراء نشاط "الحفاظت" المتصاعد والعنيف في الأشهر الأخيرة؛ أحدها أنّه بعد وفاة زعيمها المؤسّس، أحمد شافي، سيطرت مجموعة أكثر تطرّفاً داخل "الحفاظت"، ويهيمن على مجلس قيادة المنظّمة قادة مقربون من تحالف الحزب الوطنيّ البنغاليّ والجماعة الإسلاميّة، ومن المعروف أنّ بابوناغاري والأمين العام الجديد "للحفاظت"، مولانا نور حسين قاسمي، "كانا قريبين من الحزب الوطنيّ البنغاليّ في الماضي".

الذكرى الخمسون للاستقلال

إلى جانب ذلك، تحتفل بنغلاديش بالذّكرى الخمسين لاستقلالها، ويعتبر انتصار العلمانية في حرب التّحرير، عام 1971، موضوعاً مهمّاً لإحياء الحكومة للأحداث، ويبدو أنّ هذه الأمور قد دفعت الإسلامويّين إلى اتّخاذ إجراءات ضدّ حكومة رابطة عوامي والعلمانيّن البنغلاديشيّين، وأفادت الأنباء بأنّ نشطاء الجماعة الإسلامويّة وجماعة شبير يتعاونون في أنشطة "الحفاظت".

اقرأ أيضاً: ما هي أهداف تركيا من التمدد السياسي في بنغلاديش؟

بعد سنوات من التّعامل اللّطيف مع "الحفاظت"، بدأت الحكومة في قمع المنظّمة، تمّ توجيه اتّهامات بالتّحريض على الفتنة ضدّ بابوناغاري وزعماء آخرين، بعد تشويه تمثال مجيب الرّحمن، والآن يمكن أن يواجه العديد منهم المحاكمة بتهمة القتل المزعوم لشافي، كما أعيد فتح القضايا المرفوعة ضدّ نشطاء "الحفاظت"، بتهمة العنف، عام 2013 وما بعده، والتي تمّ وضعها على نار هادئة، كجزء من استمالة حكومة "رابطة عوامي" للإسلامويّين.

يعدّ اعتقال المئات من القادة الإسلامويّين وأتباعهم في الأشهر الأخيرة انتكاسةً لنشاطهم، لكنّ ذلك يمكن أن يثير التّعاطف معهم بين الجماهير المسلمة، كما يمكن أن يؤدّي إلى تلاقي المنظّمات الإسلامويّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سودها راماشاندران، "ذي دبلومات"، 15 نيسان (أبريل) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية