ما علاقة إقالة مدير المخابرات الصومالي بمقتل ضابطة في الجهاز؟

ما علاقة إقالة مدير المخابرات الصومالي بمقتل ضابطة في الجهاز؟


07/09/2021

جاء قرار القائم بأعمال رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، بإقالة مدير المخابرات، فهد ياسين حاج ضاهر، الذي يعدّ الرجل الأقوى في البلاد، بمثابة ضربة قوية لنفوذ الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، في الحياة السياسية، وإدانة صريحة لياسين بالمسؤولية عن اختطاف وقتل ضابطة المخابرات، إكرام تهليل فارح.

وجاء قرار الإقالة على خلفية مماطلة ياسين في تقديم تقرير إلى روبلي حول مصير فارح، خصوصاً بعد نفي حركة الشباب، المصنفة إرهابية، ضلوعها في مقتل الضابطة، ووصفها للجرّ باسمها بأنّه يأتي ضمن الصراعات الداخلية في جهاز المخابرات.

اختفاء إكرام فارح

في 26 من حزيران (يونيو) الماضي، خرجت الضابطة بقسم الأمن السيبراني في وكالة المخابرات الوطنية الصومالية "نيسا"، إكرام تهليل فارح، من منزلها في العاصمة مقديشو، لتستقل سيارة كانت تنتظرها، ولم تعد بعدها إلى المنزل، واتّهمت والدتها، السيدة قالي محمد غوهاد، المخابرات بخطفها وتصفيتها، وقالت لموقع "هيران أونلاين" الإخباري؛ حاولت عرض قضيتي على الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس المخابرات لكن دون جدوى، وتابعت: "لقد تحدثت مع فهد ياسين بعد فترة وجيزة من اختفائها، وأكّد لي أنني سأتلقى تحديثاً بشأن مكان ابنتي في غضون يومين، وكان ذلك قبل أكثر من شهر ونصف الشهر".

إكرام فارح

وذكرت السيدة غوهاد؛ أنّ شركة "Hormuud Telecom" الرائدة في تقديم خدمات الهاتف والإنترنت في الصومال، رفضت إعطاء أسرتها معلومات مهمة لتسليط الضوء على ما حدث لإكرام، قائلة: "رفضت الشركة إعطاءنا آخر رقم اتصل بابنتي، وهذا إساءة استخدام للسلطة".

وكانت السيدة غوهاد تحدثت إلى الشعب الصومالي، عبر مقطع فيديو، نهاية الشهر الماضي، وطالبت بتدخل القائم بأعمال رئيس الوزراء للكشف عن مصير ابنتها، التي تعتقد أنّها ما تزال على قيد الحياة.

أثارت قضية اختفاء عشرات الجنود الصوماليين في إريتريا غضباً شعبياً كبيراً في البلاد، وعملت المخابرات على التستر على القضية عبر تعويض أهالي المفقودين

ويقول الصحفي الصومالي، عبد الفتاح موسى؛ عملت إكرام في المخابرات منذ عام 2017، إلا أنّها رحلت إلى بريطانيا مع مطلع العام 2019، وفي بداية عام 2020 تم استدعاؤها لمهمة رسمية من قبل مسؤول كبير في جهاز المخابرات، كانت، بحسب مصادر مطلعة، الإشراف على القوات التي تم إرسالها إلى إريتريا من أجل قتال جبهة تحرير تجراي، والإشراف على سرية المهمة.

وأضاف موسى، في حديثه لـ "حفريات"؛ بعد فترة قصيرة بدأت إكرام فارح تتعرض لمضايقات من قبل مسؤول كبير في جهاز المخابرات، حتى أنّها تحدثت إلى أمها عن هذا الموضوع، وبعد فترة قصيرة تم استدعاء إكرام إلى مقر المخابرات بسيارة تتبع الجهاز ولم يعلم أحد شيئاً عنها بعد ذلك.

هل قتلت المخابرات إكرام؟

وتطرق القائم بأعمال رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، للمرة الأولى، إلى قضية إكرام تهليل فارح، في الرابع من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري، بعد صمت رسمي لمدة تزيد عن شهرين، ووصف التقرير الذي أصدرته وكالة المخابرات والأمن القومي بشأنها؛ أنّه "غير مقنع"، وأقرّ بأنّ التعامل غير اللائق مع قضية إكرام قد أثر في قلوب الشعب الصومالي وخلق حالة من الاستياء أدت إلى اختطاف مواطنين أبرياء.

ومنح روبلي مهلة 48 ساعة لرئيس المخابرات فهد ياسين للكشف عن مصير الضابطة، خصوصاً بعد نفي حركة الشباب علاقتها باختفائها، وذلك في ردّ الحركة على بيان المخابرات الذي صدر قبل حديث روبلي بيومين.

والدة إكرام وشقيقتها وشيخ عشيرتها والقائم بأعمال رئيس الوزراء

ويقول الباحث في العلوم السياسية الصومالي، نور الدين روبو، بحسب شهادة والدتها: إنّ "فهد ياسين اتصل بابنتها في وقت متأخر من الليل، وإكرام طمأنت والدتها بأنّ كلّ شيء طبيعي وهذا طبيعة العمل، وركبت سيارة وقفت عند باب بيتها، ومنذ ذاك وهي مفقودة، والوالدة صرحت بأنّ المخابرات حاولت تعويضها بكلّ ما تريد، كتعويض عن قتل الشباب (بحسب رواية المخابرات) لابنتها في مهمة سرّية أُرسلت إليها، لكنّ الوالدة رفضت ولم تقتنع برواية نيسا".

وأضاف الصحفي موسى؛ أنّ ردّ حركة الشباب، النافي لأيّة علاقة لها باختفاء إكرام لم يقتصر على ذلك، بل تحدثت عن رفضهم لصفقة من فهد ياسين تضمّنت تسليم إكرام إليهم.

اقرأ أيضاً: مشهد الجهادية الصومالية.. قراءة في الأيديولوجيا والأنماط الفاعلة الرئيسة

ومن جانبها، أوضحت الحركة في بيان رداً على المخابرات؛ أنّها تستهدف ضباط وعناصر وكالة المخابرات الصومالية وتتبنى المسؤولية عن قتلهم، ولا علاقة لها بخطف إكرام تهليل أو قتلها، ولا يوجد ما يحملها على أن تفعل ذلك وتخفيه، ووصفت ما حدث بأنّه "تصفيات داخل جهاز المخابرات والأمن القومي الصومالي".

ويرى الباحث نور الدين روبو، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "مصادر مقربة من مكتب فرماجو نشرت أخباراً عن عمالة إكرام لحركة الشباب، لتشويه صورتها وتقليل الزخم الشعبي حول القضية، رغم أنّ ذلك لا يبرر ولا يكشف عن كيفية مقتلها".

 وأشار إلى أنّ؛ "اتّهام حركة الشباب بقتلها يعيد إلى الأذهان قصصاً عديدة عن استخدام أطراف سياسية ورجال أعمال لاسم حركة الشباب في تصفية خصومهم، للهروب من العدالة".

الصحفي عبد الفتاح موسى

وتابع روبو: "نفي الحركة أقرب إلى الحقيقة من رواية نيسا، لعدة أسباب؛ حركة الشباب تتفاخر بقتل كبار الساسة والضباط، وتنشر ذلك بشكل عاجل في صفحاتها، ولا توجد مصلحة لها في إخفاء جرائمها لعدة أشهر؛ فهي لا تخشى أحداً. ثانياً: الحركة، بلا شكّ، تدرك النفق السياسي المظلم الذي دخلته البلاد، ونفيها يزيد النفق أكثر ظلاماً، ويضعف صورة الحكومة، وهي تستغل أيّة فرصة مثل هذه لضرب ثقة الشعب بالحكومة الفاقدة للثقة أساساً.

الصحفي عبد الفتاح موسى لـ "حفريات": اتّهام حركة الشباب بقتل إكرام يعيد إلى الأذهان قصصاً عديدة عن استخدام أطراف سياسية ورجال أعمال لاسم حركة الشباب في تصفية خصومهم.

وكانت قضية اختفاء عشرات الجنود الصوماليين في إريتريا قد أثارت غضباً شعبياً كبيراً في البلاد، وعملت المخابرات على التستر على القضية، عبر تعويض أهالي المفقودين بآلاف الدولارات، وجاء التقرير الأممي بتورط الحكومة الصومالية في القتال جنباً إلى جنب إريتريا وإثيوبيا ضدّ جبهة تحرير تيجراي ليعيد فتح القضية، والسؤال عن مصير مئات الجنود الذين أُرسلوا للتدريب في إريتريا، إلى جانب عمليات التجنيد التي تمت خارج إطار القانون، والتي وصلت إلى حدّ خطف مواطنين والزجّ بهم في معسكرات إريتريا.

وذكر الصحفي عبد الفتاح موسى؛ أنّه مع تجدّد الغضب الشعبي حول هذه القضية باتت إكرام تمثّل تهديداً للمخابرات والرئيس السابق فرماجو، ولهذا من المرجح أنّه جرى تصفيتها وإلصاق التهمة بحركة الشباب.

أزمة سياسية وقبلية

ورداً على الجريمة، أعلنت قبيلة الضابطة إكرام خطف عشرات المواطنين ممن ينتمون إلى قبيلة فهد ياسين في مدينة بلدوين، وهددت بقتلهم إذا لم يكشف ياسين عن مصير ابنتهم.

ومن جانب آخر، أخذت الأزمة بعداً سياسياً، بعد قرار القائم بأعمال رئيس الوزراء، القاضي بإقالة فهد ياسين من رئاسة الوكالة، وتعيين اللواء بشير محمد جامع، رئيساً بالوكالة، وجاء قرار الإقالة بسبب تعنت ياسين عن الكشف عن مصير إكرام، ومحاولة تخطي روبلي عبر دعوة الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، إلى عقد اجتماع مجلس الأمن القومي، لمناقشة القضية.

نفت حركة الشباب صلتها بمقتل الضابطة إكرام

ورفض فرماجو قرار إقالة ياسين، وأعلن استمراره في منصبه، ما أدّى إلى تجدد أزمة الصراع بين فرماجو وروبلي حول إدارة البلاد، وينصّ الدستور على أن تؤول السلطة إلى رئيس الوزراء، ويصبح قائماً بالأعمال حال انتهاء المدد الدستورية للسلطات التنفيذية والتشريعية المنتخبة، لحين إجراء الانتخابات.

وأعلن اتحاد مرشحي الرئاسة والأحزاب السياسية المعارضة دعمهم لروبلي في قرار إقالة فهد ياسين، والذي اتّهمته المعارضة والولايات مراراً بالتدخل السلبي في الحياة السياسية لصالح فرماجو، وطالبوا مراراً بإقالته.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يثق الصوماليون بنزاهة الانتخابات؟

ويثير تحوّل موقف روبلي من الصمت تجاه قضية إكرام إلى الحديث وإقالة فهد ياسين كثيراً من الغموض، وحول سرّ التحوّل الكبير، يرى الباحث روبو؛ أنّ توجهات روبلي تقع في منطقة رمادية؛ فالرجل وصل إلى المنصب عن طريق فهد ياسين نفسه؛ لأنّ من عادة أيّ رئيس صومالي وضع شخصيات ضعيفة من قبائل كبيرة في المناصب العليا للتأكد من السيطرة عليهم، لكنّ روبلي اصطدم بتطلعات ساسة قبيلته "تحالف المرشحين للرئاسة"، ومدى ثقلهم في الشارع الصومالي، خاصة مقديشو، وربما قرر الرهان عليهم والاعتماد عليهم في حال اصطدم مع المكتب الرئاسي وفهد ياسين، وهذا يفسّر قراره الأخير وبيان تحالف المرشحين عن تأييدهم له.

وأشار الباحث روبو إلى مخاوف حول ردّة فعل فرماجو، التي قد تصل، بحسب توقعه، إلى محاولة إقالة روبلي عبر مجلس الشعب المنتهية ولايته، لكن من غير المرجح أن يلجأ فرماجو إلى ذلك، للرفض الشديد الذي سيواجه مسعاه من القوى المحلية والولايات والمجتمع الدولي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية