ما مخاطر التدخل العسكري التركي في ليبيا على الأمن القومي المصري؟

مصر وتركيا

ما مخاطر التدخل العسكري التركي في ليبيا على الأمن القومي المصري؟


06/01/2020

الخلافات السياسية العميقة والجوهرية بين تركيا ومصر ما لبثت أن ألقت بظلالها على المشهد الليبي، على خلفية ما حدث في 30 حزيران (يونيو) 2013 بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، حلفاء أردوغان، وهو ما انسحب على قوى الإسلام السياسي في ليبيا التي تتصدر المشهد منذ ثورة 17 شباط (فبراير) 2011، وتأتي مساعي أردوغان الجديدة للتواجد في الأراضي الليبية عسكرياً على غرار ما جرى في السيناريو السوري، وهو ما يمثل تهديداً صريحاً واستهدافاً لمصر التي ترغب تركيا في التواجد على حدودها الغربية وأمام المياه الإقليمية ورغبة في الاقتراب من حقول الغاز المملوكة لها في المتوسط، ليضيف هذا التهديد الاستراتيجي الكبير لمصر تداعيات خطيرة في المنطقة قد لا تقف عند هذا الحد.

إصرار على الفوضى
للأزمة الليبية تأثيرها الكبير على مصر، والتدخل العسكري التركي في ليبيا يعقد المشهد؛ حيث يزداد دعم الميليشيات الإرهابية، ولأنّ ليبيا على مرمى بصر، وغالبية العناصر التي ظهرت بصماتها في عمليات إرهابية كثيرة وفي مناطق متفرقة في مصر جاءت من الحدود الغربية،  يتضح هنا فهم أو التقدير الصحيح لطبيعة الحالة الليبية وتأثيرها استراتيجياً على مصر.

الخلافات السياسية العميقة والجوهرية بين تركيا ومصر تلقي بظلالها على المشهد الليبي

وفي هذا السياق، كتب العقيد في رئاسة الجمهورية والمسؤول عن الملف الإعلامي خلال الأعوام الخمسة الماضية، أحمد شعبان على صفحته قائلاً: تحقق أنقرة مجموعة من الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية حال تمكّنها من السيطرة على ليبيا.. سيمكنها ذلك من تكوين قاعدة ارتكاز لمقاتلين إسلاميين متطرفين يمكنها استخدامهم لإعادة إحياء مشروع الإسلام السياسي مُنتهي الصلاحية، وتكون هذه القاعدة منطلقاً لتهديد دول الجوار الليبي ولا سيما مصر للضغط عليها وفرض أمر واقع عليها، كما ستُحقق سيطرتها على خامس احتياطي نفطي في العالم (تقدر الاحتياطيات الليبيبة بـ٧٤ مليار برميل من خام النفط عالي الجودة)، إضافة إلى تعزيز قدرتها الاستراتيجية على تهديد منتدى غاز شرق المتوسط وتحقيق سيطرة جيواستراتيجية.

اقرأ أيضاً: هل باتت ليبيا حلم أردوغان الأخير؟
ويضيف: وفي حال نجاحها في السيطرة على ليبيا، ستكتسب قوة مضافة لموقفها التفاوضي في الملفين؛ العراقي والسوري، أمام القوى الدولية والإقليمية، وقطعاً يحاول أردوغان تحقيق انتصار سياسي يُعزز من موقفه الداخلي في ضوء ارتباك سياسي تركي داخلي يُهدد مشروعه بالكامل، مُستخدماً لخطاب سياسي أيديولوجي قائم على مفهوم استعادة المجد العثماني الزائل.

صناعة جيوب إرهابية
يرى خبراء آخرون، ومنهم الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مصطفى كمال، أنّ صناعة جيوب للعناصر الإرهابية هي من أهم المخاطر الاستراتيجية من وجود قوات تركية في طرابلس، موضحاً في حديثه لـ "حفريات": يحمل التواجد العسكري التركي تهديداً إرهابياً، من خلال السماح بفتح الأجواء والمياه الإقليمية أمام الجيش التركي، بمباركة حكومة الميليشيات المسيطرة على العاصمة "طرابلس"، الأمر الذي يسهل على أردوغان نقل الميليشيات المسلحة سواء من داعش أو القاعدة أو الإخوان، من سوريا إلى ليبيا، وهي الرغبة التي تتملكه منذ أعوام بهدف خلق وطن بديل لهذه العناصر التي رفضت دولهم تسلّمهم أو عودتهم.

الوجود التركي يدعم ميليشيات طرابلس وكبريات الجماعات الإسلاموية المسلحة النشطة في الصحراء الكبرى ودول الساحل الأفريقي

ويتابع كمال أنّ الهدف الأساسي للأتراك من ذلك هو "خلخلة الأمن القومي المصري وعدم السماح بعودة القاهرة إلى خلق توازن إقليمي بعدما اعتادت أنقرة على اللعب منفردة في منطقة الشرق الأوسط من خلال مشروعها بتمكين الإسلاميين في كافة دول الشرق الأوسط لتوسيع نفوذها وتحقيق مصالحها".
ويؤكد ما ذكره كمال ما كشفته وسائل إعلام عربية من إرسال تركيا مرتزقة من سوريا إلى ليبيا في إطار خطة أردوغان لدعم حكومة فايز السراج، وكان منها دعوات القيادي فهيم عيسى لجنود مرتزقة بالاتجاه إلى ليبيا مدة 3 شهور نظير 3000 دولار شهرياً.

اقرأ أيضاً: كيف تمطَّى "الإخوان" في ليبيا؟
هذا ويدعم الوجود التركي في هذا التوقيت الميليشيات بطرابلس، وكبريات الجماعات الإسلاموية المسلحة النشطة في الصحراء الكبرى، ودول الساحل الأفريقي التي انصهرت في حركة جديدة حملت اسم "جماعة أنصار الإسلام والمسلمين"، وهو ما سيؤدي إلى عودة "داعش" و"القاعدة" بشكل أكثر توحداً وتوحشاً، والانتشار في الصحاري، وأماكن تطل على البحار، تخضع لها عناصر مصرية، وتلتجأ إلى وادي العلاقي للهروب للداخل المصري، والواحات، وسيوة، والفرافرة، وغيرها من الطرق الصحراوية الوعرة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يعلن بدء العدوان على ليبيا
وهذا ما يشير إلى إعادة تشكّل هذه التنظيمات بأشكال جديدة، وكلها في المجال الحيوي المصري، خاصة بعد حالة الاستبدال التي تتم الآن بين "داعش" و"القاعدة"؛ أي عودة القاعدة، خاصة في منطقة  الصحراء الليبية الجنوبية، وأهم مدنها الكفرة في الجنوب الشرقي وسبها وغات في الجنوب الغربي، وهي من أخطر المناطق التي تسيطر عليها مجموعات قبلية مسلحة صغيرة، والجماعات المسلحة العابرة للحدود مثل؛ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي...


من جانبه، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، أحمد القويسني، في تصريح لـ "المصري اليوم" إنّ "تركيا تكثّف دعمها العسكري للميليشيات التي تسيطر على طرابلس، ما سيكون له أثر كبير على أمن مصر واستقرارها وشمال أفريقيا ككل، وإنها أرسلت في 18 أيار (مايو) الماضي شحنة كبيرة من المعدات العسكرية إلى الميليشيات المسلحة التي تسيطر على طرابلس وتحارب الجيش الوطني الليبي، كما يشتبه في تسهيلها حركة الجهاديين الأجانب من سوريا والعراق إلى ليبيا لتحويل الدولة الواقعة في شمال إفريقيا إلى قاعدة لهجمات المتشددين في أفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط".

اقرأ أيضاً: التدخل التركي في ليبيا.. أبرز التطورات والتصريحات
وفي هذا السياق يرى العقيد أحمد شعبان وفق ما كتبه في صفحته بـ "الفيسبوك"، أنّ دعم هذه التنظيمات من أهم المؤثرات على الأمن القومي المصري، حيث ترتبط الأوضاع الأمنية والسياسية الليبية ارتباطاً مباشراً بالحدود الغربية، وذلك للتماس الحدودي بين البلدين (١٢٠٠ كم)، وللتهديد المباشر للأمن الداخلي المصري حال تكوين جيوب وقواعد ارتكاز لعناصر إرهابية إسلامية على الحدود بين البلدين، مشيراً إلا أنّ المطلوب الآن هو "حالة من الاصطفاف الوطني تًدلل على قوة وتماسك الأمة المصرية تجاه هذه الهجمة العثمانية البغيضة".

ملف الطاقة أولاً
الخطر الاستراتيجي الأهم في الوجود التركي بليبيا هو ملف الطاقة، وفق جنى جبور من معهد العلوم السياسية في باريس والمتخصصة في السياسة الخارجية التركية، التي أكدت في تصريح صحافي نشرته صحيفة "اليوم السابع" المصرية، أنّ الأمر بمثابة "لعبة رابح-رابح: حكومة الوفاق الوطني تحوز على الدعم السياسي والعسكري التركي، وفي المقابل تساعد تركيا على تحقيق أهدافها في ملف الطاقة".

تركيا تريد تحييد نفوذ مصر وتقويض أمنها من خلال دعم حركة الإخوان والسيطرة على الحدود الغربية

وتتابع جبور أنّ أنقرة ترغب في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في ليبيا، خاصة في قطاع البناء؛ إذ ستكون مهددة في حال انتصار قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، "لذا فإنّ المسألة برمّتها لا تعدو سوى كونها مقامرة من أجل الغاز والنفط؛ حيث سعت تركيا إلى التحول إلى مركز عالمي لنقل الطاقة، خاصة في روسيا وكازاخستان لنقلها إلى أوروبا عبر مشروع "السيل التركي"، إلا أنّ مصر مع اكتشاف حقل ظهر وترسيم حدودها البحرية جعلها تنتصر في المعركة، لتصبح مركزاً للغاز المسال في الشرق الأوسط، وهو ما نقل الأمور من الحرب الكلامية، إلى التصعيد العسكري المتبادل، ليقف الإخوان كعادتهم في النهاية مع حليفهم أردوغان ضد وطنهم الأم!
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي المصري، نبيل عامر، أنّ موقف تركيا في هذه القضية مخالف للقانون الدولي "حيث بدأت في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، بالقرب من الشمال من قبرص، بعدما أثبت المسح أنّ مياهها ليست غنية بالغاز، وهذا ما أقلق اليونان ومصر، بعد اقتراب أنقرة من المياه الإقليمية المصرية الغنية بالغاز، ليس فقط لأن هذا اختراق واضح لاتفاقية ترسيم الحدود، ولا لأن هناك اتفاقاً مشتركاً بين الثلاث دول، ولكن لأن الأمر برمّته يتعلق بالسيادة، وبالسيطرة على تجارة ونقل الغاز في العالم".

اقرأ أيضاً: ماذا يعني إشعال الحرب في ليبيا؟
ويضيف عامر لـ "حفريات": أنّ من شأن التدخل في ليبيا أن يمثّل أيضاً مكسباً لأردوغان على الصعيد السياسي "عبر حشد قاعدته الانتخابية حوله في وقت تشهد تركيا صعوبات اقتصادية تضعف قاعدته الشعبية".

الخيارات المصرية
من جانب آخر، يرى اللواء المتقاعد والخبير في الشأن العسكري، سمير راغب، في تصريح لـ "حفريات"، أنّ قلق القاهرة الحالي يأتي في سياق "معركة إقليمية ودولية تريد تحييد النفوذ المصري، ومحاصرته، وتقويض أمن المصريين من خلال دعم حركة الإخوان، والسيطرة على الحدود الغربية وإشعال النار فيها".
ويذهب راغب إلى أنّ مصر تراهن على الحل السياسي للأزمة الليبية "حيث ترى أنّه من خلال الدعم الدولي يمكن عزل تركيا من ناحية، وتوفير غطاءٍ سياسي للتعاطي مع الأزمة الليبية من ناحية أخرى"، مبيناً أنّ القاهرة في هذا الإطار كثفت بالفعل في الآونة الأخيرة من اتصالاتها دول العالم، "يضاف إلى ذلك ترتيبات مصرية لعقد قمة رباعية في القاهرة تضم مصر وفرنسا وقبرص واليونان. كذلك عقدت وزارة الخارجية عدة اجتماعات مع عدد من سفراء الدول الأجنبية لبحث التطورات الليبية خاصة بعد موافقة البرلمان التركي على إرسال جنود أتراك إلى ليبيا".

إذا نجحت تركيا في السيطرة على ليبيا ستحسن موقفها التفاوضي في الملفين العراقي والسوري

أما الباحث بمركز الأهرام مصطفى كمال فيرى أنّ "التدخل التركي يريد تغيير طبيعة الموازين على الأرض، على الأقل، في الغرب الليبي، في حالة وفر أردوغان دعماً كافياً لحكومة الوفاق بما فيها دعم جوي، والحل أمام مصر هو دعم الجيش الوطني الليبي الذي وسّع من دائرة عملياته ومركزها الشرق جنوباً نحو فزان وشرقاً نحو العاصمة، وهي مسافات شاسعة تصعب معها خطوط الأمام دون دعم. لذا فالقتال الحالي على تخوم العاصمة يتمثل في مناوشات على ثلاثة محاور قتالية هي محور الغرب (طرابلس الزاوية-الزواية مدينة منقسمة على نفسها، وطريق طرابلس-صبراتة)، ومحور الجنوب الشرقي (طريق طرابلس-بني وليد وطرابلس ترهونة)، ومحور الجنوب (طريق طرابلس-غريان).
ويضيف كامل لـ"حفريات" أنّ "طرابلس بها عدد من الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق وقوات الأمن التي يسيّرها فتحي باشآغا، المعروف بموالاته لأردوغان، وهي جيدة التجهيز، ويتوقع أن تستميت في الدفاع عن المدينة بوجود الدعم التركي، لذا سيتحول القتال من بيت إلى بيت، وهي ما يعني زيادة الكلفة البشرية وتعريض طرابلس المعروفة بأحيائها الضيقة للدمار".

من خلال الدعم الدولي يمكن عزل تركيا من ناحية وتوفير غطاءٍ سياسي للتعاطي مع الأزمة

من جانبه، يصف الكاتب الصحافي، حامد المحلاوي، ما تقدم عليه تركيا بأنّه لا يختلف عما فعلته إسرائيل: "كلاهما يريدان الاحتلال فإسرائيل تحتل الجولان والضفة الغربية وأردوغان احتل شمال سوريا، وكلاهما له نفس الأطماع.. فإسرائيل هدفها الاستراتيجي إقامة وطن قومي يمتد من النيل إلى الفرات وأردوغان الآن يحلم بدولة الخلافة الإسلامية التي تضم العالم الإسلامي تحت قيادته، وكلاهما يستخدم البلطجة في التعامل مع الجيران ولا يقيم للقوانين والأعراف الدولية أي وزن.. كلاهما يتحدث كثيراً عن الديمقراطية والحريات وله أطماع في مناطق التنقيب عن الغاز شرقي المتوسط بادعاءات باطلة في مسألة ترسيم الحدود البحرية بشكل استفزازي خطير للجيران، كلاهما يتحدث عن الأمن وهما يدعمان الجماعات الإرهابية".
ويرى المحلاوي في حديثه لـ "حفريات" أنّ "صورة إرسال قوات تركية في ليبيا لا تنفصل عن صناعة جيوب وقواعد ارتكاز لعناصر إرهابية، وعن المشهد الإقليمي المتقاطع والذي تتصارع فيه القوى العُظمى في العراق وسوريا واليمن ولبنان والسودان والجزائر لفرض سطوتها وتحقيق مصالحها باستغلال الحالة الثورية الممتدة منذ العام ٢٠١١ وتنامي العنف والإرهاب بشكل غير مسبوق".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية