ما هي أسباب الصراع القبلي في شرق السودان؟

ما هي أسباب الصراع القبلي في شرق السودان؟


18/07/2021

تمتد جذور مشكلة الصراع القبلي في شرق السودان إلى عقود مضت، منذ عهد نظام الإنقاذ البائد، وتتلخص في صراع بين قبائل البني عامر والحباب من جهة، وقبائل الهدندوة أو عموم البجا وقبائل النوبة من ناحية أخرى، وذلك بسبب الصراع حول الحقوق التاريخية في الإدارة والموارد.

وزاد من تأزيم الصراع سياسات النظام البائد قصيرة النظر، التي نقلت أزمة القوميات المسلمة في إريتريا إلى شرق السودان، عبر سياسة التجنيس للاجئين الإريترين من قبائل البني عامر، من أجل خلق كتلة سكانية موالية له في الشرق، الذي يدعم منافسيه من الاتحاديين وغيرهم، لكن جاءت هذه السياسات على حساب الاستقرار والسلم الاجتماعي في الشرق.

تجدد العنف القبلي

واندلعت موجة العنف القبلي الأخيرة في مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر، منذ منتصف حزيران (يونيو) الماضي، وتعرض حي دار النعيم، الذي تسكنه قبيلة البني عامر إلى أعمال عنف واسعة من قبل عصابات مجهولة الانتماء، وترددت شهادات عن تواطؤ اللجنة الأمنية في البحر الأحمر مع هذه العصابات، التي هاجمت مساكن البني عامر والحباب ونقلت الصراع إلى عمليات اعتداء في وسائل النقل العام على أسس إثنية.

اشتباكات بورتسودان

ورداً على ذلك، قام شباب من البني عامر بإلقاء عبوة متفجرة في نادي الأمير في حي سلبونا الذي تسكنه غالبية من قبائل النوبة، وهاجم آخرون عدداً من المارة، لترتفع حصيلة العنف إلى خمسة قتلى وعدد من المصابين، وقالت الأجهزة الأمنية أنّها أبطلت قنبلة أخرى.

وأعلن وزير الداخلية، عز الدين الشيخ اعتماد خطة أمنية جديدة بالولاية لضمان الاستقرار، وفتح تحقيقات حول التفجيرات التي شهدتها المدينة، وكذلك تحريك تسعة بلاغات من أصل 58 بلاغاً مؤجلاً في قضايا الصراع القبلي ببورتسودان منذ 2019.

ترى قبائل النوبة والبجا أنّ معظم البني عامر ليسوا من السكان الأصليين لمناطق الشرق، وأنّهم من المهاجرين خلال العقود الماضية من إريتريا

وليست موجة العنف القبلي هذه هي الأولى من نوعها، فقد شهدت ولايات الشرق الثلاث؛ البحر الأحمر وكسلا والقضارف، موجات واسعة من العنف القبلي بين البني عامر والنوبة، والبني عامر والهدندوة، وراح ضحيتها المئات بين قتيل ومصاب، عدا عن إحراق عشرات المساكن والمتاجر، في موجات متجددة في مدينة بورتسودان تحديداً بين البني عامر والنوبة منذ عام 2019.

أسباب الصراع

توجد ثلاث قوى قبلية أساسية في شرق السودان، وهي قبائل؛ الهدندوة أو عموم قبائل البجا، والبني عامر والحباب، والنوبة، إلى جانب قبائل أخرى بعيدة عن الصراع، ولكل مكوّن قبلي رؤيته للصراع. وبجانب ذلك هناك تفسيرات عامة من قبيل اتّهام فلول النظام البائد بالتسبب في العنف، واتّهام الأطراف القبلية بالعمل مع هذه الفلول، وسواء صدق هذا الاتّهام أم كذب فلا يلغي الأسباب الحقيقية التي تجعل الوضع قابلاً للانفجار مع أبسط خلاف على مستوى الأفراد بين المكوّنات الاجتماعية.

مدير الكيان الاجتماعي الموحد للبجا بولاية نهر النيل، طاهر حسين أدروب

وتصطف البني عامر والحباب في مواجهة قبائل البجا والنوبة، وترى قبائل النوبة والبجا أنّ معظم البني عامر ليسوا من السكان الأصليين لمناطق الشرق، وأنّهم من المهاجرين خلال العقود الماضية من إريتريا، هرباً من الاضطهاد على يد الحكم الإمبراطوري والشيوعي ثم اضطهاد أسياس أفورقي ضدّ القوميات المسلمة.

وبحسب روايتهم؛ جرى تجنيس مئات الآلاف من البني عامر في عهد نظام الإنقاذ البائد، من أجل تكوين حاضنة سياسية لمواجهة شعبية المعارضة خصوصاً الاتحاديين في مناطق الشرق.

ويقول مدير الكيان الاجتماعي الموحد للبجا بولاية نهر النيل، طاهر حسين أدروب؛ بدأت أزمة الصراع بين البجا والبني عامر بسبب التدخل الإريتري المستمر في الشرق باسم البنى عامر، الذين جرى تجنيس عشرات الآلاف منهم، ما تسبب في أزمة هوية في الشرق، ولهذا يعتبر مطلب مراجعة الهوية من أهم مطالب مؤتمر سنكات الذي عقدته قبائل البجا.

اقرأ أيضاً: السعودية تنجح في تذليل صعوبات المصالحة بشرق السودان... ماذا فعلت؟

وأضاف أدروب في حديثه لـ"حفريات"؛ كان التعايش ممكناً، لكن إدعاء البني عامر الحقّ في الإدارة، وحديثهم عن مملكة البني عامر التي تمتد من الخياري إلى شلاتين، تسبب في صراع هوية بين الجميع.

ويرد الناشط الحقوقي من كسلا، عبد الله أحمد في حديثه لـ"حفريات"؛ بأنّ هناك خطاب كراهية يُروج له ضدّ البني عامر، يشكك في هويتهم ووطنيتهم، ويدعو إلى سحب الجنسية منهم، وهو ما تسبب في حالة احتقان وكراهية متبادلة، واشتباكات متعددة بين البني عامر وخصومهم.

وأدى عدم تحقق المواطنة بمعناها الشامل في سودان ما بعد الاستقلال إلى مشاكل هوياتية في مختلف البلاد، ولم تنجح السلطة في التحوّل بالبلاد نحو المواطنة، وبالتالي حافظت التكوينات الاجتماعية التقليدية على وجودها، والذي تزداد أهميته في وقت الأزمات، خصوصاً بعد إسقاط نظام البشير السابق، ولذلك تحتفظ القبيلة بأهمية كبيرة في شرق البلاد، نظراً لأنّ السلطة غير محايدة في نظر الأطراف المتصارعة، وعاجزة عن إحداث تغير اجتماعي يربط المواطن بمؤسساتها مباشرة، وليس عبر وسيط اجتماعي تقليدي وهو الإدارات الأهلية والقبائل.

زعيم الهدندوة، الناظر ترك

ويقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان قسم السيد؛ من الواضح أن الإشكال الذي أصبح عليه  السياسي في شرق السودان عامة؛ وبالأخص القوى السياسية التي تلعب أدوارها هناك، بدا مغرياً لكثيرين في المركز ممن يسيرون الدولة من التنظيمات السياسية المتحالفة فى قوى الحرية والتغيير( قحت)، لا سيما المكون العسكري، للاستثمار في تناقضات تلك القوى السياسية، وهي تناقضات واضحة مع الأسف، وتعبر عن قصور سياسيي شرق السودان عن القدرة على رؤية مصالحهم السياسية من خلال زوايا متعددة، يتعزز بها مفهوم الشبكة حيال وعي تلك المصالح، بدلاً من الأوهام الأحادية في ادعاء تمثيل كل أهل شرق السودان كما حدث فى مفاوضات جوبا للسلام.

اقرأ أيضاً: لمصلحة مَن إشعال نيران الصراع القبليّ في شرق السودان؟

وأضاف السيد لـ"حفريات": يعبر عن الأحادية السائدة ما نراه من الخطاب السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا، الرافض منذ البداية المفاوضات باعتبار أنّ من قاموا بالتفاوض وقتها يمثلون أقلية عرقية محددة وهي قبيلة البنى عامر؛ الخصم اللدود لقبيلة الهدندوة أكبر القبائل فى شرق السودان.

أزمة مسار الشرق

وتسبب مسار الشرق ضمن اتفاق جوبا في اشتعال الصراع بين المكونات القبلية بسبب رفض قبائل البجا والنوبة من مثّل قضايا الشرق ضمن الجبهة الثورية التي وقعت اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة، ويعتبر المسار أحد المسارات الخمسة على المستوى الإقليمي، وهي؛ الحكم المركزي، ودارفور والشمال، والشرق، ومنطقتا النيل الأزرق وجنوب كردفان.

ويمثّل مسارَ الشرق في الاتفاق كل من؛ الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، وحزب مؤتمر البجا المعارض، وعدّة تكوينات سياسية صغيرة.

وكانت الحكومة جمدت مسار الشرق في كانون الثاني (يناير) الماضي، بعد المعارضة الكبيرة من القوى السياسية والأهلية في ولايات الشرق لهذا المسار، الذي لا يمثّل القوى السياسية الفاعلة على الأرض، لكنّه تصدر باسم الشرق تحت غطاء الجبهة الثورية التي سعت إلى نيل أكبر جزء من كعكة المحاصصة، رغم أنّ معظم المكونات السياسية المنضوية تحت الجبهة لا تملك حاضنة شعبية كبيرة، وتعاني من انقسامات وضعف بنيوي وفكري.

اقرأ أيضاً: هل أضرّ التسييس بالقبائل في شرق السودان؟

وبناء على ما سبق؛ يقع كثير من المعلقين في السودان في خطأ فهم ما يحدث في الشرق، نتيجة سيطرة الرؤية الأحادية التي خلفتها الثورة في الأذهان، التي تطرفت في وصم كل القوى الاجتماعية التي ارتبطت بعلاقات ولو بسيطة مع النظام السابق، غافلين عن أنّه كان يمثّل السلطة الشرعية في البلاد، وأنّ من الطبيعي أنّ تتفاعل القبائل مع هذا النظام بحثاً عن تأمين مصالحها.

الناشط الحقوقي عبد الله أحمد لـ"حفريات": عدم تحقق المواطنة في سودان ما بعد الاستقلال أدى إلى مشاكل هوياتية، ولم تنجح السلطة في التحوّل بالبلاد نحو المواطنة

ولذلك يجب تنحية النظام البائد عند تناول الأزمة؛ فإذا كان الناشطون في الخرطوم يكيلون الاتّهام ليل نهار لزعيم الهدندوة، وأشد المعارضين لمسار الشرق لمجرد أنّه كان عضواً في برلمان النظام السابق، فعلى الجانب الآخر شارك معظم قيادات الجبهة الثورية في الحكم مع النظام السابق أيضاً.

ولا تقتصر اتّهامات تدخل النظام السابق على الهدندوة، فالبني عامر مُتهمون من خصومهم بأنّهم كانوا يد النظام للبطش بالنوبة والبجا لمعارضتهم للبشير، ودعمهم للمعارضة، بينما تتهم البني عامر القوى الأمنية من الجيش بالتحيز لصالح النوبة كوّن كثير من منتسبي الجيش من مناطق النوبة في شمال البلاد.

ولا يبدو في الأفق بوادر لحلّ الأزمة بين البني عامر من جهة والنوبة والهدندوة وبقية البجا من الجهة الاخرى؛ إذ صار مطلب مراجعة الهوية على رأس شروط مطالب البجا، وهو ما يعني تهديداً وجودياً للبني عامر، وتغري ضعف السلطة المركزية جميع الفرقاء بالتصعيد من خطابهم، إلى حدّ تهديد الناظر ترك من الهدندوة بالاستقلال بشرق السودان.

إلى جانب ذلك تعاني السلطة المركزية نفسها من التجاذبات داخلها بين المكوّن المدني والعسكري، وداخل كل مكون هناك تجاذبات واسعة خصوصاً المدنيين، ويبقى فرض الأمن وإنفاذ القانون والتنمية المدخل الوحيد لتفكيك الزعامات التقليدية أو إضعافها على أمل دفعها للعمل جميعاً تحت مظلة السلطة التي تعبر عن الوطن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية