"مجموعة البجع": كيف خلق أردوغان دولة داخل الدولة؟

"مجموعة البجع": كيف خلق أردوغان دولة داخل الدولة؟


19/03/2020

ترجمة: محمد الدخاخني


تلك كانت واحدة من اللحظات التي أظهرت مجدداً السلطة اللامحدودة، كما يبدو، للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. في رحلة العودة من زيارة رسمية إلى أذربيجان قبل أسبوعين، انتقد أحد المراسلين الموالين للحكومة والذي كان من المرافقين للرئيس أن تلفزيون "أودا" لم توجه له اتهامات بعد. وجادل أنّ الموقع الأخباري التابع للتلفزيون كان من المحرضين الرئيسين في "محاولة الانقلاب" - في إشارة إلى احتجاجات غيزي بارك عام 2013 ضد الحكومة ، وأنّ تلفزيون أودا وصف الدولة وشرطتها بـ "القاتلة".

اقرأ أيضاً: أردوغان يتخبط وسط تناقضات سياسته الخارجية

وجه أردوغان الشكر للصحافي على تقييمه وقال إنه سيهتم بالأمر. وقال: "الكرة الآن في ساحة العدالة". وبعد أسبوع، شرع القضاء التركي في تحقيقات مع موظفي تلفزيون أودا. وألقت الشرطة القبض على رئيس التحرير، باريس بهليفان، ورئيس قطاع الأخبار، باريس ترك أوغلو، والمحررة هوليا كيلينج. وحُجِب موقع التلفزيون. وبحسب تقارير، يواجه الصحافيون المعتقلون ما يصل إلى تسعة أعوام في السجن.

اعتبر أردوغان احتجاجات غيزي بارك عام 2013 تحدياً لحكومته

هذا، وقد اتهمت وسيلة الإعلام المذكورة بنشر تقارير حول ضابط مخابرات تركي مات في الحرب في ليبيا، و"كشفت معلومات ووثائق تتعلق بأنشطة استخباراتية". هذه المعلومات، مع ذلك، سبق أن نشرها عضو في حزب الخير المعارض في مؤتمر صحافي في البرلمان. وكانت المحكمة الدستورية قد قضت في قرار تاريخي، في عام 2016، بأن المعلومات لا تخضع للسرية إذا كانت معروفة للجمهور من قبل.

شكوك متواصلة لأعوام

بالنسبة إلى العديد من المراقبين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، كانت هذه الخطوة السريعة دليلاً آخر على أنّ مجموعة سرّية قريبة من أردوغان قد اخترقت القضاء. وتزايدت الشكوك على مدار أعوام من أنّ فصيلاً يعرف باسم "مجموعة البجع" يكتسب نفوذاً متزايداً في تركيا ويعمل بشكل فعال باعتباره دولة داخل الدولة. ويشير الاسم إلى رواية الإثارة القانونية "قضية البجع" التي كتبها جون غريشام ونُشِرت عام 1992، وتحولت فيما بعد إلى فيلم هوليوودي تجاري من بطولة دينزل واشنطن وجوليا روبرتس.

إيريز: تحاول مجموعة البجع تشويه سمعة المعارضين السياسيين على شبكات التواصل الاجتماعي ونشر المعلومات المضللة

أليجان أولوداغ، الصحافي في "جمهوريات" التركية اليومية المعارضة، ليس لديه أدنى شك في أنّ الجماعة موجودة. وكما أوضح، فإنّ بحثه أظهر أنّ "مجموعة البجع" زادت قوتها خلال الاعتقالات والرقابة المحيطة بتلفزيون أودا. يقول: "لقد رحب الصحافيون العاملون لصالح "مجموعة البجع" علناً بالاعتقالات ودعموها، وكان تلفزيون أودا منذ أعوام يتحدث عن عملية إعادة هيكلة نظام العدالة التركي التي بدأتها المجموعة".

ويضيف أولوداغ أنه يفترض أنّ شبكة من أعضاء "مجموعة البجع" قد اخترقت القضاء، متابعاً أنّ محامي أردوغان أخبروه شخصياً بذلك.

فتح الله غولن

تذكير بحركة غولن

إلى جانب 44 من زملائه المحامين، احتج نقيب المحامين في إسطنبول، محمد دوراك أوغلو، على اعتقال صحافيي تلفزيون أودا ووقع على إعلان مشترك ضد التدخل السياسي. لكن المحامي كان حَذِراً بشأن النفوذ المزعوم لـ "مجموعة البجع"، قائلاً إنّه لا يمكنه تأكيد وجودها. وأضاف أنّه من الواضح أنّ هناك نوعاً من الصراع على السلطة بين مجموعات مختلفة داخل السلطة القضائية، والأعمى فقط من لا يرى ذلك، لكنه امتنع عن ذكر أسماء.

اقرأ أيضاً: هل يعاقب الغرب أردوغان؟

لقد قاد وجود مثل هذه المجموعة إلى عقد مقارنات مع النفوذ الذي كانت تمتلكه حركة غولن في الماضي. وكانت هذه الجماعة الدينية، بقيادة فتح الله غولن، قريبة جداً من الحكومة والقضاء التركيين، لا سيما الرئيس. اليوم، ينظر إلى غولن وأردوغان على أنّهما ندّين ساخطين مُرين، وتدرج تركيا الحركة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. يقول دوراك أوغلو: "كان هناك احتجاج على ذلك حينها"، مضيفاً أنّه من الضروري أن نشير مجدداً إلى الخطر نفسه الآن.

روابط حزبية وبحثية

يقول أليجان أولوداغ إنّ "مجموعة" البجع هي جناح عن الحزب الإسلامي المحافظ الحاكم، حزب العدالة والتنمية، والذي يقوده في الغالب صهر أردوغان، وزير المالية بيرات البيرق. ويضيف أنّ المجموعة تمهد الطريق لخليفة أردوغان وهي مؤثرة بشكل خاص داخل القضاء في البلاد.

نقيب المحامين: هناك نوع من الصراع على السلطة بين مجموعات مختلفة داخل السلطة القضائية لكنه امتنع عن ذكر أسماء

وكان فيرات إيريز، الصحافي والعضو السابق في "مركز أبحاث البوسفور العالمي" ومقره إسطنبول - والذي يعتبر أداة الدعاية للحكومة التركية -، ينتمي إلى "مجموعة البجع" فيما سبق. ويقول إنّ المجموعة اجتمعت بانتظام مع الرئيس التركي. ويضيف إيريز أنّ المقر الفاخر للمجموعة، وهو عبارة عن قصر عثماني على مضيق البوسفور، ورواتب الموظفين، كلها تمول من مستشفى خاص يديره الرجل المقرب من أردوغان وطبيبه الشخصي ووزير الصحة، فاهرتين كوجا.

ويقول إيريز إنّ "مجموعة البجع" هي جيش أردوغان المُتصيد، مقدماً نظرة ثاقبة على استراتيجيتها الإعلامية الغادرة: تحاول المجموعة تشويه سمعة المعارضين السياسيين على شبكات التواصل الاجتماعي ونشر المعلومات المضللة.

اقرأ أيضاً: أردوغان المُقامر باللاجئين

ما مدى تأثير "مجموعة البجع"؟ هل هي جيش مُتصيد تابع لأردوغان أم عدالة ظل يقودها أردوغان - أم كليهما؟ لقد انتشرت شائعات كثيرة حول المجموعة. لكن هناك شيء واحد واضح: هذه التكهنات علامة على انعدام الثقة العميق لدى أجزاء كبيرة من السكان تجاه الدولة التركية وصانعي القرار فيها.


هوليا شينك ودانيال بيلوت، دويتشه فيله

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://www.dw.com/en/turkeys-pelican-group-a-state-within-a-state/a-52798624



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية