مستقبل السوريين في تركيا.. من يُغذي مشاعر الكراهية والعنصرية؟

مستقبل السوريين في تركيا.. من يُغذي مشاعر الكراهية والعنصرية؟


10/01/2022

بين الدعوة إلى ترحليهم، والتأكيد على بقائهم، يتصدّر السوريون حديث المشهد الداخلي التركي، في تطورات ليست جديدة، لكنّها تأخذ منحى تصاعدياً، ولافتاً أيضاً، من حيث التوقيت والغايات.

فبعض القادة السياسيين الأتراك يستخدمونهم وسيلة لحصد أصوات الناخبين، وهذا كان جليّاً في تصريحات زعيم أكبر أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري، كمال كلشدار أوغلو، قبل أيام خلال فعالية جماهيرية، فقد تعهّد فيه بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، في إطار خطة قال إنّها جاهزة تتيح إعادتهم خلال عامين فقط.

معارضون للنظام التركي يحاولون حصد أصوات الناخبين بالحديث عن ترحيل السوريين وإعادتهم إلى بلادهم

وأضاف أوغلو أنّه في حال وصوله إلى كرسي الرئاسة: "سيصلح علاقة بلاده مع النظام السوري، وسيعيد السوريين إلى بلادهم بالطبل والزمر"، وفق ما نقلت عنه صحيفة "زمان" التركية.

بالمقابل يستخدم نظام العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان ملف اللاجئين السوريين وسيلة لابتزاز القارة الأوروبية، فتارة يهدّد القارة العجوز بموجات هجرة جديدة من تركيا، وتارة أخرى يطلب المساعدات والمعونات المالية بحجّة أنّه يتحمّل تكاليف وجود اللاجئين على أراضيه.

انتهاكات من النظام والمواطنين

وفي ظلّ السياسات التركية تلك، يدفع اللاجئون الثمن من خلال الانتهاكات التي يتعرضون لها يومياً على يد النظام والمواطنين الأتراك، الذي يحمّلون السوريين مسؤولية الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار والأوضاع المعيشية الصعبة.

السوريون، خاصة الشباب منهم، يعيشون أوضاعاً صعبة في تركيا، في ظلّ التهديدات اليومية والبطالة والفقر، وهذا يضعهم بين فكّي الكماشة؛ فإمّا الرجوع إلى بلادهم ليُسجنوا ويُسحلوا ويُقتلوا على يد النظام بتهم تتعلق بالمعارضة أو بالهرب من الخدمة العسكرية أو الجاسوسية أو الإرهاب، وإمّا البقاء في تركيا بمستقبل أسود غير واضح المعالم.

فتركيا التي رحّبت باللاجئين السوريين، خاصّة بعد توقيع اتفاقية حولهم مع الاتحاد الأوروبي في آذار (مارس) 2016، لم تضع خططاً قادرة على تأمين مستقبل هؤلاء، لاسيّما في ظلّ عدم تعلم نصف الشباب السوريين الفارين من الحرب المروعة في بلادهم.

وأظهرت السلطات في أنقرة مؤخراً خوفاً وقلقاً من أنّ السوريين بدؤوا بالفعل في الاستقرار في البلاد، في ظلّ استمرار الحرب في سوريا، وهو خوف غير مبرّر، وفقاً لمراقبين.

يعيش في تركيا، بحسب إحصاءات شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الصادرة عن جمعية اللاجئين، (3.7) مليون سوري، وأكثر من (2.6) مليون منهم تقلّ أعمارهم عن (30) عاماً، وأكثر من مليون منهم دون سنّ الـ10، وقد جاؤوا إلى الحياة بعد اندلاع الصراع لأول مرّة بعد الاحتجاجات الواسعة النطاق ضد الرئيس بشار الأسد، فما مستقبل هؤلاء الشباب والأطفال في تركيا؟

مستقبل أسود

ترى الصحافية المقيمة في إسطنبول ألكسندرا دي كرامر أنّ المستقبل الذي ينتظر الشباب السوريين هو "مستقبل أسود".

وتؤكد دي كرامر أنّ تركيا لا تستطيع ضمان مستقبل مشرق لشبابها، ناهيك عن شباب اللاجئين، إنّ عقلية الإصلاحات قصيرة المدى التي تبنّتها الحكومة تترك إرثاً من الديون الكبيرة والمؤسسات المعطلة، كما هو واضح من تعاملها مع الأزمة الاقتصادية الحالية.

اقرأ أيضاً: غضب بين السوريين في تركيا بعد ترحيل 7 نشطاء بسبب "الموز"... ما القصة؟

وبالفعل، يغادر الشباب الأتراك من البلاد بأعداد كبيرة، ففي عام 2019 هاجر (330) ألف تركي إلى الخارج، وكان نصفهم تحت سن (30) عاماً، وأولئك الذين بقوا يواجهون ثالث أعلى معدل بطالة في (32) دولة أوروبية، وفقاً لإحصائيات شهر آب (أغسطس) الماضي.

وقدّر برنامج بطالة الشباب في تركيا أنّ أكثر من (11) مليون شخص، تتراوح أعمارهم ما بين (15و34) عاماً كانوا عاطلين عن العمل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، وفي الربع الثالث من عام 2021، بلغ المعدل الرسمي للبطالة بين الشباب 22%. 

ولهذا السبب قال 76% من الشباب إنّهم يريدون مغادرة تركيا من أجل مستقبل أفضل، وذلك وفقاً لاستطلاع أجرته شركة ماك كونسلتنسي في عام 2020.

وينتظر الشباب السوريون الذين استطاعوا الهروب من الحرب مصيراً مماثلاً، لكنّهم يعانون من صدمة نفسية كونهم جزءاً من مجموعة من اللاجئين، وبناء عليه؛ لا يمكنهم الحصول على الضروريات الإنسانية الأساسية مثل السكن والتعليم والأمن المالي.

كلام السلطات المرحّب باللاجئين لم يطابق أفعالها، فقد فشلت حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان في توفير سياسة موحدة للاجئين السوريين، وكان ذلك جليّاً قبل شهرين، حيث فشل برنامج التطعيم في البلاد في ضمّ شريحة اللاجئين السوريين.

نظام العدالة والتنمية الحاكم برئاسة أردوغان يستخدم ملف اللاجئين السوريين وسيلة لابتزاز القارة الأوروبية

ومثّل توفير التعليم مشكلة أساسية، وقد ساعد في حدة المعضلة الاتفاق الذي تمّ إبرامه في عام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، حين تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم (6) مليارات يورو، والتي تم إنفاق (2.4) مليار يورو منها على التعليم والإسكان، ولكن كل ذلك لا يلبّي حاجة اللاجئين.

وأمرت وزارة التعليم بإجراء تغييرات منهجية لتوفير إطار تعليمي أكثر شمولية، لكنّ الحجم الهائل للمهمّة يجعل تنفيذها معقداً للغاية.

وقالت دي كرامر: إنّه "بادئ ذي بدء، لا يسمح نظام التعليم المركزي في تركيا للمدارس، كل واحدة على حدة، بتكييف التعليم مع احتياجات الطلاب السوريين، وثانياً لا يوجد عدد كافٍ من المعلمين المؤهلين لتدريس منهج دراسي باللغتين التركية والعربية"، وفق ما نقلت صحيفة العرب اللندنية.

وأكدت مبادرة إصلاح التعليم أنّ نصف الأطفال السوريين المسجلين فقط يذهبون إلى المدارس، وقد تم تسجيل 26% فقط في المدارس، من بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين (14 و17) عاماً.

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّ أكثر من 70% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر، ومن المرجح أنّ هؤلاء الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة يساعدون أسرهم من خلال العمل، وتُعدّ معظم تلك الأعمال تقريباً أنشطة غير قانونية.

احتقان اقتصادي يصعّد المشاعر المعادية

وأدّى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى احتقان اقتصادي في جميع أنحاء البلاد، ومهّد الطريق لظهور مشاعر معادية للسوريين، وزادت الأحزاب السياسية من نبرة العداء من خلال مناهضة وجود اللاجئين.

وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ذهب (3) سوريين تتراوح أعمارهم بين (17 و21) عاماً للعمل في إزمير، وتعرّضوا للحرق حتى الموت أثناء نومهم، وقالت جماعات تركية لحقوق الإنسان إنّ ذلك الهجوم قائم على كراهية الأجانب، وفي صيف 2020 تعرّض (6) أطفال في مدينة هاتاي لهجوم عنصري، وضُربوا بشدة لدرجة أنّهم احتاجوا إلى العلاج في المستشفى، وهناك حادثة أخرى في عام 2019، حين أقدم طفل سوري يبلغ من العمر (9) أعوام من مدينة قوجهالي على شنق نفسه؛ بسبب التمييز العنصري ضده في الفصل الدراسي.

اقرأ أيضاً: تركيا تواصل استغلال السوريين وانتهاك حرياتهم... ماذا فعلت؟

ووجدت منصة حماية الأطفال وحقوقهم أنّ أكثر من نصف الآباء الأتراك الذين تمّت مقابلتهم لم يوافقوا على أن يكون لأطفالهم أصدقاء سوريون، ولا توجد حملات رأي عام للمساعدة في تغيير ذلك الرأي.

ومن المقلق للأتراك أنّ عدد الشباب السوريين ينمو بسرعة، فقد قدّر تقرير صدر في عام 2019 من المؤسسة السياسية الألمانية كونراد أديناور شتيفتونغ أنّ ما يقرب من (500) طفل سوري يولدون في تركيا كلّ يوم، ولا تمنح سوريا ولا تركيا الجنسية لهؤلاء الأطفال حديثي الولادة؛ الأمر الذي يحرمهم من الحصول على بطاقات الهوية الوطنية، وهم بلا شك أكبر ضحايا الوضع الراهن.

وهناك العديد من التحديات التي تواجهها تركيا عندما يتعلق الأمر باللاجئين السوريين الذين تستضيفهم، لكنّ فئة الشباب من اللاجئين السوريين هم الذين يحتاجون إلى أكبر قدر من الاهتمام في هذه المرحلة.

وسلّطت بعض المواقع الإلكترونية، منها موقع العنب الأسود، الضوء على دور وسائل الإعلام في تصعيد الحالة العنصرية، وبحثت سبل التوصل إلى حلول تفضي إلى ردم الهوّة المجتمعية بين مكوّنين اجتماعيين يعيشان بشكل متوازٍ ضمن بلد واحد.

سلطات أنقرة أظهرت مؤخراً خوفاً وقلقاً من أنّ السوريين بدؤوا بالفعل في الاستقرار في البلاد

ويمكن إرجاع أسباب الفجوة بين المجتمعين السوري والتركي إلى أمرين: أوّلهما خطاب الكراهية والعنصرية الذي صدر من بعض الشخصيات السياسية، وهو الخطاب الذي يجد طريقاً سهلاً إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، والثاني غياب سلطة القانون التي تمثلها الحكومة التركية، بحسب ما قاله الناشط في مجال حقوق اللاجئين طه الغازي.

هذان الأمران ولّدا خلال الأعوام السابقة حالة مجتمعية سبّبت انغلاق السوريين كمجتمع لاجئ على أنفسهم؛ ممّا أدّى إلى انعزالهم، وصعوبة تأقلمهم واندماجهم مع المجتمع التركي، إضافة إلى مجموعة من العوامل، أبرزها: اللغة، ومعلومات منقوصة عن السوريين، والتدهور الاقتصادي، وإحجام الأتراك عن الاندماج، والخطاب السياسي، وغياب استراتيجيات الدمج المجتمعي.

جناية الإعلام

هذا، وتعمل بعض وسائل الإعلام التركية المعارضة بانحياز واضح توجهه العوامل والقضايا السياسية في البلاد؛ ممّا أدّى إلى تعزيز خطاب الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا منذ أعوام عدة.

وقد يكون انحياز وسائل الإعلام التركية في القضايا التي تخص السوريين أحد أهم أسباب تعزيز الفجوة بين المجتمعين السوري والتركي في تركيا، في ظلّ ابتعاد وسائل الإعلام السورية عن دورها في ردم هذه الفجوة عبر تسليطها الضوء على زوايا إيجابية موجودة لدى السوريين، قادرة على التأثير في وجهة نظر بعض الأتراك تجاههم.

وفي تقرير لمنصة "جميعنا لاجئون" (Hepimiz Göçmeniz) المناهضة للعنصرية تجاه اللاجئين في تركيا، أشار إلى "التمييز" الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام التركية ضد السوريين.

وشرح التقرير سلوك تلك الوسائل بعنونة خبر عام يتضمّن مواضيع مختلفة بـ"الداخلية التركية توضح أعداد السوريين في تركيا".

وأضاف التقرير أنّ الخبر ذاته تبدأ مقدمته بإعلان وزارة الداخلية فعلاً عن عدد السوريين، ليشرح في الفقرة التي تليها قضية "الإرهاب"، وتفاصيل حول انتشار فيروس "كورونا المستجد" في البلاد.

واعتبرت منصة "جميعنا لاجئون" أنّ محتوى الخبر السابق سيعطي صورة عن "أهم المشكلات التي يريد المجتمع التركي التخلص منها، وفي مقدّمتها اللاجئون السوريون".

الكاتب والصحفي التركي جلال ديمير اعتبر الفجوة بين المجتمعين السوري والتركي على الأراضي التركية موجودة لأسباب كثيرة، موضحاً أنّ ما تعرضه وسائل الإعلام هو "انعكاس لتفكير الناس في الواقع، فهم من يغذي المواد الإعلامية"، على حدّ قوله.

وسائل الإعلام التركية الموالية للنظام التركي والمعارضة له مسؤولة عن نشر ثقافة العنصرية تجاه اللاجين السوريين

وأرجع ديمير، في حديث صحفي، سبب المبالغة في نقل بعض وسائل الإعلام التركية لأشخاص أتراك تظهر في خطابهم عنصرية مقصودة ضد السوريين إلى "المبالغة من أجل جذب الناس".

وأشار ديمير إلى أنّ لكلٍّ من وسائل الإعلام التركية، سواء الموالية للحزب الحاكم أو المعارضة له، منبراً تتوجه عبره لجمهورها، مؤكداً أنّ تغطياتها الإخبارية وبرامجها تنطلق من أفكار القائمين عليها.

وأضاف الصحفي جلال ديمير أنّ مختلف وسائل الإعلام التركية أو السورية لا يتشابه محتواها أو أفكارها أو حتى جمهورها، لافتاً إلى أنّ معظم تغطياتها تفرضه الظروف والسياسات التابعة لها "مهما حاول القائمون على هذه الوسائل اتباع الحيادية".

ووثق "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" الدوافع التي أدّت إلى تصاعد خطاب الكراهية من قبل الأتراك تجاه اللاجئين السوريين.

وأصدر المركز تقريراً في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2020، يتحدث فيه عن تباين المرحلة الأولى التي جاء فيها اللاجئون السوريون إلى تركيا في بداية موجات النزوح مع المرحلة التي تلتها.

وعزا التقرير عدم استمرار الترحيب الشعبي والحكومي التركي باللاجئين السوريين، كما كان في بداية موجات النزوح، إلى الوضع الاقتصادي والاختلافات الثقافية الاجتماعية، والمنافسة على سوق العمل، خاصة لذوي المستوى المعيشي المنخفض، وهي نتيجة طبيعية قد تحصل في أيّ مكان تجاه اللاجئين في العالم.

وقد وصلت نسبة الرفض التركي للاجئين السوريين إلى 67% عام 2019، بعدما كانت نحو 57% عام 2016، بحسب استطلاع أجراه مركز الدراسات التركي في جامعة "قادر هاس".

الصحفي السوري نضال معلوف أكد تقصير وسائل الإعلام السورية الموجودة في تركيا في لعب دورها المهم بمساعدة اللاجئين السوريين على الاندماج مع الأتراك، وتوجيه خطابها للشارع التركي بمواضيع قد تعزز الاندماج بين المجتمعين.

اقرأ أيضاً: تقرير: مشاعر الأتراك المعادية للاجئين السوريين في تصاعد

وأرجع معلوف أسباب هذا التقصير إلى غياب التمويل كعامل أساسي من جهة، وإلى غياب المؤسسة الحقيقية بسبب غياب الدولة من جهة أخرى.

يحاول العديد من السوريين الذين يقيمون في تركيا، كل بحسب استطاعته وموقعه، العمل على توضيح الصورة التي قد تدعم فكرة الاندماج ككل، إحساساً منهم بالمسؤولية في دورهم الذي ربما يؤثر في تغيير وجهة نظر بعض الأتراك المعادية للسوريين.

وفي حزيران (يونيو) الماضي أجرت "مؤسسة البحوث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تركيا" دراسة بعنوان "تصورات ومواقف ضد اللاجئين السوريين في إسطنبول"، بهدف تحسين العلاقات الاجتماعية بين الأتراك والسوريين.

وأظهرت الدراسة في استطلاع للرأي أجرته على (2284) شخصاً تركيّاً، ممّن يقيمون في ولاية إسطنبول، أنّ أغلب المواطنين الأتراك المشاركين في الاستطلاع يعتبرون أنّ السوريين "عبء اقتصادي"، وأنّهم يحصلون على معاملة تفضيلية مقارنة بالمواطنين الأتراك.

الشباب السوريون يروون كيف يتمّ استغلالهم من تجار الحرب لجمع الثروة وكيف يحمّلهم الأتراك مسؤولية الأزمات الداخلية

ويعتقد أغلب المشاركين أنّ السوريين لا يدفعون الضرائب، ويستفيدون من خدمات الكهرباء والماء بشكل مجاني، ويحصلون على رواتب من الدولة.

ووفقاً للدراسة، فالمواطنون الأتراك المقيمون في ولاية إسطنبول لديهم "احتكاك اجتماعي محدود" مع اللاجئين، وأغلبيتهم لا يرغبون في بناء علاقات اجتماعية معهم، رغم وجود السوريين الكبير في الولاية.

وأوضحت الدراسة أنّ أكثر من يرفضون إقامة علاقات اجتماعية مع السوريين هم من أنصار حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الجيد" المعارضين لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في البلاد.

سياسيون يغذون المشاعر المعادية 

ودأبت الأحزاب السياسية التركية على تغذية المشاعر المعادية للسوريين في تركيا منذ بضعة أعوام، مستخدمة ذلك كورقة رابحة من أجل تحقيق مكاسب سياسية وكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقبلة، فتحوّل السوريون في هذه الخلافات إلى وقود حرب سياسية بين الأطراف المتنافسة.

ويتأثر الشارع التركي بما يدلي به السياسيون الأتراك من مواقف على نطاق واسع. وعلى سبيل المثال، قال رئيس حزب "الحركة القومية" دولت بهجلي في أحد تصريحاته لصحيفة "تورغون" التركية: "إنّ الهجرة غير النظامية هي غزو بلا اسم، إنّها مؤامرة على هيكلنا الديموغرافي، ومن الضروري التحقيق في بصمات القوى العالمية والإقليمية في هذه الهجرة غير النظامية".

واقترح رئيس بلدية مدينة بولو، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري تانجو أوزجان، أن تفرض البلدية رسوماً تزيد بنسبة 10 أضعاف على فواتير المياه الخاصة بالسوريين.

هذا، واستطلعت "بي بي سي" آراء بعض الشباب السوريين المقيمين في تركيا، وقالت ليلى وهي شابة ثلاثينية تعمل في ورشة للخياطة في أزمير، وتعيش في قبو البناية مع صديقتين سوريتين أيضاً: "حتى هنا في تركيا، وجد تجار الحرب في محنة اللاجئين السوريين فرصة لا تُفوّت لجمع ثروة، فمثلاً، ندفع أنا وصديقاتي (600) ليرة تركية (حوالي 70 دولاراً) إيجار هذا القبو الذي لا تدخله الشمس وتفوح منه رائحة الرطوبة، علماً أنّ سعره لم يكن يتجاوز (200) ليرة تركية (حوالي 23 دولاراً) قبل نزوحنا ـ نحن السوريين ـ إلى هنا، بحسب ما قيل لنا من قبل الجيران".

وتضيف: "هذا ناهيك عن تأخير دفع أجورنا لأسابيع بحجج مختلفة، لكن ليست هناك قوانين تحفظ لنا حقوقنا، وكلّ ما نفعله هو الانتظار حتى يرأف صاحب العمل بنا ويدفع لنا أجورنا".

وقال نادر علي، الذي يعمل في متجر للحلويات السورية في إسطنبول لـ"بي بي سي":   "المزاج العام هنا عند الحديث عن سبب معظم مشاكل هذا البلد، ينصبّ على اللاجئين وخاصة السوريين".

ويتابع: "يلقون باللائمة على السوريين في جميع الأحداث والمشاكل، فإذا كان الحديث يدور عن ارتفاع نسبة البطالة أو التضخم أو ارتفاع إيجارات المنازل أو السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، يقولون السبب هم السوريون، هذا عدا عن اعتقادهم أنّ السوريين دون الأتراك، يحظون بكل أنواع الدعم الحكومي من سكن وتعليم ورعاية صحية ورواتب شهرية، وبالطبع هذا غير صحيح، لأنّ معظم السوريين، الذين أعرفهم على الأقل، يعملون حوالي (12- 14) ساعة يومياً من أجل عيش كريم"، ويتعرّضون يومياً للمضايقة والانتهاكات، سواء من أصحاب العمل أو من زملائهم الأتراك، وهذا ما يجعل مستقبلهم أسود، لا ملامح له في تركيا.

اقرأ أيضاً: هل ترحّل تركيا اللاجئين السوريين؟.. مسؤول حقوقي يعلق على الموضوع

ويبقى السؤال: من يتحمّل مسؤولية الانتهاكات التي يتعرّض لها السوريون كلّ يوم؟ ومن يضمن للملايين من الشباب مستقبلاً واعداً، في ظلّ ما يتعرّضون له من انتهاكات في تركيا؟

الصفحة الرئيسية