مسرحية "مسافر ليل".. ثلاثية السلطة والمواطن والمثقف

مسرحية "مسافر ليل".. ثلاثية السلطة والمواطن والمثقف


29/12/2021

تمتاز مسرحية "مسافر ليل" بأجوائها التفاعلية، ومسرحها غير النمطي، الذي أقيم في المنتصف تماماً، داخل عربة قطار، يجلس فيها جزء من الجمهور جنباً إلى جنب مع الممثلين، فيما يرى الجزء الآخر المشهد من الخارج.  

ومن ثمّ يصبح المشاهد جزءاً من العرض، وجزءاً من إشكاليته الأكبر، التي تدور في فلك غير جديد، حيث العلاقة بين السلطة والمواطن ودور المثقف المنظّر الشارح المعلق، الذي يوضع في النهاية في اختبار يجب فيه أن ينحاز فيه لأحد الجانبين؛ إمّا أن ينحاز للمواطن، فيتعرض لسخط السلطة، وإمّا يخضع أمام التهديدات مجبراً. 

جانب من العرض المسرحي (تصوير: حفريات)

العمل إذاً يتعرّض للمثقف أو النخبوي النقي، المنحاز إلى المعرفة والمشهد، دون التعرّض لأنماط أخرى كثيرة، كما أنّه ينتهي بنهاية مفتوحة، لا تبرز الجانب الذي انحاز إليه مثقف العمل في النهاية، لكنّها تبرز حجم الخوف والتهديد والجبروت الذي توجّهه السلطة إلى ذلك المثقف الأعزل، سوى من كتاب يمسكه بيده.

ويُعاد تقديم العرض على مسرح الهناجر، التابع لوزارة الثقافة المصرية، من 25 كانون الأول (ديسمبر) الجاري لمدة أسبوعين، والعرض عن نص للكاتب الراحل صلاح عبد الصبور، ومن بطولة الدكتور علاء قوقة، وحمدي عباس، وياسر أبو العينين، ومن إخراج محمود فؤاد صدقي.

يبدأ العرض بدخول المواطن "عبده" بملابس رثة، ووجه مُرهق إلى عربة القطار، يجوب العربة ذهاباً وإياباً بين الجمهور حتى يستقر على كرسي على خشبة المسرح التي صُمّمت بحيث تصبح مناسبة للرؤية سواء داخل العربة أو خارجها. 

يُعاد تقديم العرض على مسرح الهناجر التابع لوزارة الثقافة المصرية منذ 25 الشهر الجاري لمدة أسبوعين 

ينهض المثقف من جوار أحد الركاب ليبدأ في وصف المشهد، بعبارات منمقة ولغة فصيحة غير معقدة، وهي ميزة أخرى من مزايا العرض. 

يجلس المحصّل أمام الراكب، لكنّه في البداية يخبره بأنّه الإسكندر الأكبر، ويحسب الراكب أنّه مجنون، لكنّه أمام ما يخرجه من ملابسه من أسلحة وما يرويه من حكايات عن مغامراته، وعن وزيره الذي طمع في جزء من مُلكه فمنح له الأرض كلها لتوري جثته كناية عن قتله، لم يجد عبده أفضل من أن يسايره.

اقرأ أيضاً: بعد انقطاع دام عامين بسبب كورونا... مهرجان الكويت يعود بـ 8 عروض مسرحية

يفشل عبده رغم ذلك في أن يتقي غضب الإسكندر، وفيما يصيح فيه، وسط قلق الراكب من أن يتعرّض لبطشه، يخبره الإسكندر المُتخيل أنّه المحصّل، وأنّ كل ما يرغب فيه هو تذكرة الراكب. 

يبدو القلق والاضطراب والخوف على عبده طوال العمل تقريباً، أيّاً كان من يمثله الواقف أمامه، في انعكاس لحجم الضغوطات المستمرة التي يقع فيها المواطن البسيط أمام السلطات المتدرجة وسطوتها عليه.

يصبح المواطن أو عبده في أوّل مأزق حقيقي حين يقوم المحصّل الذي يتبادل معه أطراف الحديث بودٍّ في البداية، بابتلاع التذكرة، ثم العودة ومطالبة الراكب بها، وحين يخبره أنّها أصبحت في معدته، يستشيط المحصّل غضباً، ويسأل: وهل يؤكل الورق؟

مسرحية "مسافر ليل" تقوم على نص للكاتب الراحل صلاح عبد الصبور

يخرج المثقف زاعقاً من بين الجماهير معلقاً: وهل يوجد شيء يؤكل أكثر من الورق؟ نأكله في كل عصر أو زمن، ثم نعيد كتابته مرات ومرات، في إشارة إلى تزييف التاريخ وكتابته وفق روايات مختلفة، أعلاها صوتاً رواية المنتصر. 

يطلب المُحصّل من الراكب أن يبرز بطاقة هويته، فيخرجها المواطن، ليجد تهمة أكبر من ركوب القطار دون تذكرة في انتظاره، تهمة أنّه "قتل الإله، وسرق بطاقته". 

يعزف العرض على أوتار متعددة بين السياسي والديني والاجتماعي، فسرقة بطاقة الإله تشير إلى من يستمدّون سلطتهم باسم الإله، أو يتصرّفون في خلقه، يمنحون الهبات والعطايا وصكوك الجنة والنار، يستعرض عقلك وقتها سلسلة طويلة من رجال الدين أو المتدينين، وكثيراً من المواقف التي حكموا فيها باسم الله.

حاز العمل على جوائز عدة منها جائزة أفضل ممثل في المهرجان القومي للمسرح العام 2018

والسلطة السياسية لا تبتعد عن ذلك، فيظهر في النهاية أنّها الفاعل الرئيسي، والمتحكّم في المشهد، فالمحصّل هو نفسه "ذو السترات الـ10" كناية عن الحاكم أو أعلى رأس للسلطة، وأنّه هو من قتل الإله وسرق بطاقته، ويظهرها للمواطن بعدما طعنه بالخنجر، وقبل أن تخرج روحه، ويخبره أنّه سيخرج على الجرائد صباحاً، ويقول إنّه بنفسه بعد تخفيه في صورة محصّل قطار عثر على السارق وقتله. 

وخلال العرض يشرح الحاكم أنّ التهمة كناية، وأنّهم لا يقصدون قتل اإله، ولكنّها تُستخدم كناية عن انتحال صفة أو بطاقة أحد، وأنّهم يشكون في تلك المنطقة امتناع العطايا عنهم، بعدما سرق أحدهم من الإله بطاقته.

يموت المواطن المظلوم، يشاهد المثقف، يعجز ذو السترات الـ10 عن حمل جثته وإخفائها بمفرده، يختار المثقف من بين الجلوس، ويأمره أن يحمل الجثة معه، ثم عندما يتباطأ يأمره أن يحملها وحده ويخفيها، فيما يوجه إلى رأسه أسلحته، وينتهي المشهد، بل المسرحية، والمثقف يجثو مضطرباً أمام السلطة، لا يعرف كيف يتصرّف، أمّا المواطن، فقد رحل ولم تبقَ إلّا دماؤه. 

اقرأ أيضاً: 100 مسرحية تعيد الروح إلى فضاءات قرطاج

يُعدّ عرض "مسافر ليل" أكثر العروض التي تمّ عرضها على مسرح الهناجر، بعدد يتجاوز (120) ليلة عرض، وحاز العمل على جوائز عدة؛ منها جائزة أفضل ممثل في المهرجان القومي للمسرح العام 2018، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عن تصميم الديكور عام 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية