"مشروع برارغ": محاولة لإنعاش الكتاب العربي في الصومال

الصومال

"مشروع برارغ": محاولة لإنعاش الكتاب العربي في الصومال


19/12/2018

يشهد الكتاب العربي في الصومال تجاهلاً من قبل المعارض الرسمية التي تقام في المدن الصومالية، مثل: معرض هرجيسا الدولي للكتاب، ومعرض مقديشو الدولي للكتاب.

وفي خطوة لتخفيف ذلك الغياب؛ نظّم "منتدى برارُغ"، في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، في "حديقة السلام" في مقديشو، معرض كتاب "برارغ"؛ الذي يقام بنسخته الثانية، خلال عام، بالشراكة مع منتدى "أريغتا وداغ" (منتدى الحوار).

إن التيارات الإسلامية التي راجت مؤخراً بالصومال والتي تنادي باعتبار العربية لغة دينية ومقدسة شوّهت فهم الثقافة العربية في الصومال

ويعرف منتدى "برارُغ" نفسه؛ بأنّه منتدى شبابي مهتم بالثقافة والفكر عامة، في حين ينطلق منتدى "أريغتا وداغ" من قيم التعددية والتعايش والحوار كأسس لبناء أمة متماسكة، وذلك من خلال العمل الثقافي، وعن طريق المكتبة والقراءة. ويقول القائمون على المعرض لـ "حفريات": "إنّ توفير الكتب ليس كافياً؛ بل يجب أن تكون هناك برامج تثقيفية، وورشات عمل لتعزيز القراءة والتدريب على التفكير النقدي، لإيجاد وعي نقدي يساهم في إحياء العمل الثقافي".

تضمّن المعرض حوالي 1000 عنوان باللغة العربية، تتوزّع مضامينها بين الفكر، والفلسفة، والرواية، والترجمات الأدبية، والعلوم الإنسانية، و150 عنواناً بالصومالية في المجالات ذاتها، إلى جانب عنواين موجّهة للأطفال باللغتين، وبحضور أبرز دور النشر الصومالية.

"حفريات" تجوّلت في معرض "برارغ" لمقارنة أهدافه وطموحاته بواقعه.

يغيب الكتاب العربي عن المعارض الصومالية بشكل تام

واقع الثقافة في الصومال

"يكاد يكون الاهتمام بالكتاب مقدمة لأيّ مشروع نهضوي"، هكذا يقول عمر باشا، أحد القائمين على المعرض، في حديثه لـ "حفريات"، ويؤكّد أنّ العمل الثقافي بات ضرورياً اليوم لإعادة الأمل والثقة في نفوس الصوماليين، الذين أرهقتهم الحرب؛ "فقد تمكّن صنّاع الموت من تجريد مدينتنا من كلّ ما هو جميل، حتى فقدنا الإحساس بالجمال، ودخلنا دوامة من التيه واليأس، وفقدنا الثقة بأنفسنا، حتى أصبح الصومالي عنواناً لليأس".

اقرأ أيضاً: ليبيا: افتتاح معرض للخطّ العربي والزخرفة الإسلامية

من جانبه، يلاحظ محمد الفاتح علي، المسؤول عن "منتدى برارغ"، أنّه رغم تنوّع ما يمكن أن يُعزى للواقع الصومالي من مثالب؛ فإنّ غياب الطرح المعرفي في التعاطي مع الشأن العام يمثل واحداً من أكبر الإشكاليات التي لا تخطئها عين المراقب"، ويضيف، خلال حديثه مع "حفريات": "يمكن تعليل هذه الظاهرة بمجمل واقع التفكك في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، وهو تعليل ذو وجاهة، لكنّ اللوم الأكبر يلقى على غياب أيّ مشروع ثقافي جادّ لصالح مشاريع ذات طابع مراسيمي"، في إشارة إلى معارض الكتاب السنوية في الصومال.

جانب من الندوات في معرض برارغ

ويواصل فاتح القول: "لا نبالغ بزعمنا أنّ حالة الفراغ المعرفي أقدم من الواقع الاجتماعي الراهن، كونها إحدى نتائج تقلص المجال العام وانغلاقه التام في المرحلة السابقة للحرب الأهلية؛ إذ لم تتعدَّ التيارات الفاعلة فيما بعد الحرب الأهلية كونها وريث حالة العوز هذه، لقد مثل هذا الميراث عقبة كؤود في طريق حلحلة الواقع الثقافي العام، وساهم بشكل أو بآخر في ديمومة حالة الانغلاق في الأفق الفكري الممتدة إلى يومنا هذا، والملقية بظلالها على الشأن العام ككلّ، كونها الحائل أمام تفكيك ظواهره، السياسية والاجتماعية والثقافية، وفهمها".

اقرأ أيضاً: غياب الإحصاء يهدد صناعة الكتاب والنشر في الوطن العربي

ويلفت فاتح بالقول: "أمام هذا الوضع يأتي "معرض برارغ" للمساهمة في تقديم أطروحات ومبادرات، قد يتفاعل بعضها، ويتطور نحو رسم معالم مشاريع ثقافية جادة، تدفع بالمجال العام الصومالي إلى خارج عنق الزجاجة التي علق بها لفترة ممتدة".

معارض كتب لا توفّر الكتاب العربي

تقام في الصومال، وفي صوماللاند، عدة معارض سنوية للكتاب، لكن يغيب الكتاب العربي عن تلك المعارض بشكل تام، مثل تظاهرة معرض هرجيسا الدولي للكتاب، ومعرض مقديشو الدولي للكتاب، اللذين يقامان مرة كلّ عام، ويرى بعض المراقبين أنّ تلك المعارض باتت جزءاً من المشاريع الاستهلاكية التي لا تقدم طرحاً مفيداً، بل تكرر النماذج المستهلكة التي لا تحمل أيّة قمية أدبية أو فكرية.

فالح: لا نبالغ بزعمنا أنّ حالة الفراغ المعرفي أقدم من الواقع الاجتماعي الراهن

ما يلفت النظر؛ أنّ الإصدارات الأكاديمية هي التي تستهوي معظم القراء في الصومال، وليست الكتب الثقافية أو الفكرية، التي تعزف معظم دور النشر عن إصدارها، كما أنّ ثمن الكتاب يشكّل عاملاً حاسماً في جذب القارئ؛ الذي بات الكتاب في آخر أولوياته، نظراً لارتفاع أسعاره.

ورغم أنّ هدف "معرض برارغ" المعلن؛ هو إتاحة الفرصة للقراء بالعربية عبر اقتناء الكتب بأسعار منخفضة وخلق جوّ من التفاعل حولها، إلا أنّ عمر باشا، يشير في حديثه لـ"حفريات" إلى ضعف إقبال الجمهور في المعرض، والذي يعزوه إلى سوء الأحوال المعيشية، وهو ما يشكّل عاملاً أساسياً للإعراض عن القراءة.

جانب من الحضور

جدل اللغات

رغم اعتبار العربية اللغة الثانية لدى الصوماليين، حسبما تنصّ دساتير الصومال وصوماللاند، إلّا أنّ المركزية التي أسبغتها اللغة الصومالية على نفسها، في سبعينيات القرن الماضي، أدّت إلى عزلها عن محيطها وعن العالم.

فغداة تدوين اللغة الصومالية في بداية السبعينيات من القرن الماضي، تعمّق الإلحاح على إنتاج ثقافة وطنية، وأصبح اعتماد الصومالية في الكتابة واجباً وطنياً، صحيح أنّ بعض الكتاب مالوا إلى الإنجليزية، وبعضهم إلى الإيطالية، لأسباب تاريخية معروفة، في مقدمتها التدريس المعتمد وقتئذ، لكن في واقع الأمر، إلحاح نظام العسكري، سياد بري، لأسباب سلطوية، على إنتاج هوية لغوية تسعى لإلغاء اللغات الأجنبية، غداة اعتماد اللغة الصومالية، بحرفها اللاتيني الحالي، أدّى إلى عزل الصوماليين عن العالم، وعن محيطهم.

اقرأ أيضاً: صوماللاند تستثمر في الكتاب والثقافة بحثاً عن الاعتراف الدولي

ويضاف إلى ذلك؛ أنّ التيارات الإسلامية التي راجت في العقود الأخيرة في الساحة الصومالية، والتي تنادي باعتبار العربية لغة دينية ومقدسة، شوّهت فهم الثقافة العربية في الصومال، ما أدّى إلى تنميط الكتاب العربي وربطه بالوهابية والتيارات الدينية الأخرى.

ويشدّد عمر باشا على أهمية حضور الكتاب العربي، وخلق مساحة خاص به، وسط تجاهل المعارض الرسمية التي ترعاها الحكومات المحلية، ويؤكد ذلك بالقول: "كان الكتاب العربي يستأثر الجزء الأكبر من المعرض، ونرى أنّه لا يمكن عزل الصوماليين من محيطهم العربي، وذلك بسبب التاريخ المشترك والجوار الجغرافي، وكذلك الانتماء الديني المشترك، هذه الحقائق تجعل اللغة العربية لغة ذات صلة وثيقة بهوية الصوماليين، واللغة كما عند علماء اللسانيات، ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء ينطوي في داخله طريقة تفكير وتاريخ أمة؛ لهذا فإنّ وجود العربية في الصومال لا يجب أن كون غريباً أو دخيلاً".

شارك بعض الكتاب والباحثين في إلقاء محاضرات عامة في عدة ندوات بالمعرض

وفي السياق ذاته؛ يواصل عمر باشا القول: "لم يُهمل المعرض الكتاب الصومالي، ولا يمكن لأيّ مشروع ثقافي نهضوي أن يتجاهل لغته الأم، وإلا سيكون مشروعاً غريباً لا جدوى منه، فكان الكتاب الصومالي حاضراُ بشكل لا يقلّ ثِقلاً عن الكتاب العربي، فمهمّة المعرض لم تكن اختيار لغة على حساب أخرى، بقدر ما كان مهتماً بتعزيز فعل القراءة والربط بينه وبين النهضة؛ لذلك لم تكن اللغة عائقاً أمام المعرض؛ لأنّ الهدف كان تعزيز قيمة القراءة وإحياء العمل الثقافي".

ندوات المعرض

شارك بعض الكتاب والباحثين في إلقاء محاضرات عامة في عدة ندوات مختلفة، على مدى اليومين اللذين استمر فيهما المعرض.

فغداة تدوين اللغة الصومالية في بداية السبعينيات تعمّق الإلحاح على إنتاج ثقافة وطنية وأصبح اعتماد الصومالية في الكتابة واجباً وطنياً

ففي اليوم الأول من فعاليات المعرض؛ ألقى الدكتور عبد الرحمن باديو، محاضرة عامة بعنوان "المجتمع الصومالي: جدلية الدين والقومية والدولة"، إلى جانب ندوة عن الإعلام وتشكيل الرأي العام الصومالي، بمشاركة الإعلامي، محمد غوسار، والناشطة الإعلامية فاطمة ورسمي.

كما ضمّت الندوات جلسات خاصة بتجارب الأندية الثقافية في مدينة مقديشو، بمشاركة كلّ من: محمد إربد وحسن قرني.

وتحت عنوان "التحديات الدستورية في الصومال"؛ ألقى وزير الدستور في الصومال، أحمد حوش، محاضرة عامة، تناول فيها البنود الإشكالية في الدستور المؤقت، ومقاربته الشخصية في كيفية كتابة دستور ديمقراطي للبلد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية