مصر وأعوام الإخوان... هكذا نجحت مصر في محاربة الإرهاب والفكر المتطرف

مصر وأعوام الإخوان... هكذا نجحت مصر في محاربة الإرهاب والفكر المتطرف


22/05/2022

العنيف ضعيف ولو غطى ضعفه بالتعنيف، ليس قولاً مأثوراً أو حكمة قديمة متداولة، بل هو اختزال لسلوكيات جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض الدول، التي ظنت أنّها سوف تخلد في حكم مصر إلى الأبد، فتصرفت بحرّية شديدة كشفت النقاب عن أيديولوجياتها القبيحة التي تتخذ من الدين ستاراً ومن الإرهاب معولاً لهدم الدول، ولا سيّما الدولة المصرية التي تصدت ببسالة لمخطط تصعيد الإخوان في عدد من الدول العربية، فما كان ردّ الجماعة إلا الإرهاب وقتل النفس التي حرّم الله.

وقبل الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي وسقوط الإخوان المدوي في 3 تموز (يوليو) 2013، لجأت الجماعة إلى العنف والإرهاب للتعتيم على فشلها في إدارة الدولة وعجزها عن الرد على الاتهامات بالسطو على ثورة الشعب المصري في 25 كانون الثاني (يناير) 2013، ولتنفيذ خطة التمكين التي وضعها مهندس الإخوان خيرت الشاطر، الذي خطط ودبّر "مذبحة رفح الأولى" للإطاحة بالمشير محمد حسين طنطاوي و"أخونة" الجيش المصري، وفقاً لوثائق وتسريبات حقيقية بالصوت والصورة عرضها التلفزيون المصري عبر مسلسل "الاختيار 3" في شهر رمضان الماضي. ووفقاً لتصريحات قادة الجماعة، انتهجت عناصر الإخوان المسلمين العنف ضد المتظاهرين في ميدان التحرير من خلال الفرقة (95)، واتهمت الجماعة كلّ من عارضها بأنّه "ضد الدين" و"ضد شرع الله"، في أقذر صورة من صور إرهاب الفكر.

أهداف مشروعة

شهدت مصر في أعقاب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 موجة إرهابية ضخمة مدفوعة بممارسات جماعة الإخوان الإرهابية التي خاضت ما اعتبرته "معركة وجود" ضد مؤسسات الدولة المصرية بعد الإطاحة بحكمها، وفقاً للباحثة المصرية منى قشطة في تقرير نشرته على الموقع الرسمي للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

 وأشارت قشطة إلى أنّ "جماعة الإخوان جعلت كافة أطياف الشعب المصري ومؤسساته هدفاً مشروعاً لعملياتها الإرهابية، فراحت تستهدف المؤسسات الأمنية والقضائية والدينية بضربات دامية هدفت من خلالها إلى إضعاف أدوارها وزعزعة الثقة في قدراتها، فضلاً عن إشاعة الفوضى في ربوع البلاد."

شهدت مصر في أعقاب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 موجة إرهابية ضخمة مدفوعة بممارسات جماعة الإخوان

 وقد أثرّت البيئة الإقليمية المضطربة على حالة الإرهاب في مصر بطريقة أقلّ مباشرة، حيث وفرت الصراعات في سوريا والعراق وليبيا أسواقاً تغذي التدفقات العابرة للحدود للمقاتلين والأسلحة ورؤوس الأموال، على حدّ وصف قشطة.

آلاف الضحايا

ترتيباً على المشهد السابق، تكبدت مصر كلفة بشرية ومادية باهظة إبّان حربها لهزيمة الإرهاب، واستعادة حالة الأمن والاستقرار اللازمة لتثبيت أركان الدولة المصرية، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ فقد بلغت على الصعيد البشري (3277) شهيداً، إضافة إلى (12280) مصاباً، وفقاً للباحثة المصرية.

 

الباحثة منى قشطة: جماعة الإخوان جعلت كافة أطياف الشعب المصري ومؤسساته هدفاً مشروعاً لعملياتها الإرهابية، فاستهدفت المؤسسات الأمنية والقضائية والدينية بضربات دامية

 

 أمّا على الصعيد المادي، فقد قُدّرت التكلفة بحوالي (84) مليار جنيه حتى عام 2017، بتكلفة شهرية قدرها مليار جنيه، حسبما أفاد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في نيسان (إبريل) الماضي، على حدّ قول قشطة.

 مقاربة شاملة

انطلاقاً من ضخامة التهديد الإرهابي، اتخذت مصر نهجاً شمولياً في مكافحة الإرهاب، لم يقتصر على الجوانب الأمنية للظاهرة، بل تناول أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتنموية، فضلاً عن أسبابها الجوهرية الأيديولوجية والفكرية.

 وسلّطت قشطة في تقريرها البحثي الضوء على النجاحات التي حققتها مصر في مسيرة هزيمتها للإرهاب، فضلاً عن استعراض أبرز أبعاد الاستراتيجية المصرية لمحاربة الإرهاب والفكر المتطرف.

 وقد عكس العديد من المؤشرات نجاح التجربة المصرية في الحرب على الإرهاب، وتحولّها إلى نموذج رائد في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية إقليمياً ودولياً، وفيما يلي أبرز هذه المؤشرات:

 إشادات دولية

حظيت الجهود المصرية في ملف محاربة الإرهاب والفكر المتطرف بإشادة العديد من دول العالم، وهو ما عكسه العديد من التقارير والمؤشرات الدولية المتعلقة بظاهرة الإرهاب التي أقرت في مواضع كثيرة بنجاح المقاربة المصرية في التصدّي لظاهرة الإرهاب العابر للحدود.

ومن بين هذه المؤشرات تقرير صدر في شباط (فبراير) العام 2022 عن مجلس الأمن الدولي حول التهديد الذي يشكّله تنظيم داعش للسلام والأمن الدوليين، فقد أشار التقرير إلى انخفاض نشاط تنظيم أنصار بيت المقدس في مصر.

اتخذت مصر نهجاً شمولياً في مكافحة الإرهاب

 ولفت إلى أنّه منذ عام 2019 لم يُنسب أيّ هجوم إرهابي إلى تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة في مصر، فضلاً عن أنّ التنظيمين لم يعلنا مسؤوليتهما عن أيّ هجوم. وأرجع التقرير الفضل في ذلك إلى عمليات مكافحة الإرهاب، وإلى مبادرة لدعم انشقاق قادة تنظيم أنصار بيت المقدس، التي أضعفت الروح المعنوية لعناصر التنظيم، وعززت الانطباع بأنّ الجماعة آخذة في الانحسار، فضلاً عن الاستثمارات العامة في مجالات البنى التحتية والنقل والإسكان في سيناء.

 

قشطة: أثرّت البيئة الإقليمية المضطربة على حالة الإرهاب في مصر، حيث غذت الصراعات في سوريا والعراق وليبيا تدفقات المقاتلين والأسلحة

 

 وبحسب المركز، فإنّ الأرقام الرسمية المرصودة عكست تدنّي أعداد الهجمات الإرهابية في مصر بشكل كبير للغاية، فبعد أن شهدت البلاد نحو (39، و222، و594، و199، و50، و8، و4)عملية إرهابية، خلال الأعوام 2013، و2014، و2015، و2016، و2017، و2018، و2019، على التوالي، اختفت العمليات الإرهابية بشكل كامل في المحافظات الداخلية خلال العامين الماضيين 2020 و2021. وأسفرت جهود القوات الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب من خلال العملية الشاملة في سيناء 2018 عن تدمير وتطويق البؤر الإرهابية في مثلث رفح والعريش والشيخ زويد بشمال سيناء، فضلاً عن ضرب البنية التنظيمية للعناصر التكفيرية من خنادق وأوكار وأنفاق ومخازن للأسلحة وغيرها من المعدات اللوجستية التي تمّ ضبطها بحوزة العناصر الإرهابية.

 تراجع تصنيف مصر في مؤشر الإرهاب

بدءاً من عام 2018 خرجت مصر من قائمة الدول الـ10 الأكثر تأثراً بالإرهاب عالمياً في تصنيف مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي، الذي يُقدّم ملخصاً شاملاً للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسة للإرهاب كلّ عام، فقد تراجعت مصر في النسخة الـ9 للمؤشر الصادرة مطلع آذار (مارس) 2022 إلى المرتبة الـ15، بعد أنّ حلت في المرتبة الـ9 عام 2017، وأرجع المؤشر الفضل في ذلك إلى جهود القوات المسلحة المصرية في التصدي لظاهرة الإرهاب.

 

حظيت الجهود المصرية في ملف محاربة الإرهاب والتطرف بإشادات دولية، وهو ما عكسه العديد من التقارير والمؤشرات الدولية

 

أولت الدولة المصرية اهتماماً بالغاً لوضع إستراتيجية فعّالة للتعاطي مع عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كجزء أساسي في معركتها ضد الإرهاب، حيثُ أثبتت التجارب العملية في هذا الشأن أنّ وقف تدفق المعاملات المالية الممولة للنشاط الإرهابي تُعدّ من أكثر المقاربات فعاليًة لشلّ حركة التنظيمات الإرهابية، ومن ثم تطويقها والقضاء عليها. وجاءت التدابير والسياسات التي وضعتها مصر للوفاء بالتزاماتها الدولية بشأن مكافحة تمويل الإرهاب كافية ومتسقة مع الأطر والمعايير التي وضعتها المنظمات الدولية؛ إذ انتهى تقييم صادر عن مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أيار (مايو) 2021 إلى أنّ مصر تستوفي هذه المعايير، وحصلت على درجات تقييم مرتفعة في جهود محاربة تمويل الإرهاب، من خلال الدور الذي تقوم به وحدة مكافحة غسيل وتمويل الإرهاب بالمشاركة مع كافة الجهات المعنية.

 إلغاء حالة الطوارئ

أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 وقف تمديد حالة الطوارئ، المفروضة على جميع أنحاء البلاد منذ عام 2017، وهو الإعلان الذي عُدّ من قبل العديد من الخبراء بمثابة تتويج لجهود الدولة التي استمرت طيلة الأعوام الـ7 الماضية لدحر الإرهاب. كما أنّه يحمل في طياته مؤشرات عديدة تشي بأنّ الدولة المصرية تمتلك من مقومات القوة الشاملة ما يؤهلها لمجابهة كافة التحديات الداخلية والخارجية، وفرض معادلة الاستقرار الأمني الشامل في كافة أرجاء البلاد.

أولت الدولة المصرية اهتماماً بالغاً لوضع إستراتيجية فعّالة للتعاطي مع تمويل الإرهاب

 ونجحت مصر في حربها ضد الإرهاب عبر تبنّيها مقاربة شاملة، استطاعت من خلالها ضرب الأسس الفكرية للإرهاب، وتجفيف منابع التمويل المادي والدعم اللوجستي، وتأمين الحدود، وملاحقة وتصفية أعداد كبيرة من العناصر التكفيرية، فضلاً عن خلخلة وإضعاف بنية التنظيمات الإرهابية الجديدة التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية المتمثلة في تنظيمي حسم ولواء الثورة داخل العمق المصري في الوادي والدلتا.

 وفيما يلي أبعاد الإستراتيجية المصرية للتعاطي مع ظاهرة الإرهاب، وفقاً لما ورد في النسخة الثانية من  التقرير الوطني لجمهورية مصر العربية حول مكافحة الإرهاب لعام 2021:

 ·ضرب الأساس الفكري للإرهاب: رغم الهزيمة المكانية لتنظيم داعش الإرهابي في معاقله التقليدية بسوريا والعراق بفعل الآلة العسكرية بقيادة قوات التحالف الدولي، إلّا أنّه ما يزال الفاعل الأهم على الساحة الإرهابية انطلاقاً من استمرارية جاذبية أيديولوجيته، التي مكّنته من استقطاب عناصر جديدة، وهو ما يبرز أهمية تفكيك الأسس الإيديولوجية والفكرية التي تنطلق منها تلك التنظيمات.

 

بدءاً من 2018، خرجت مصر من قائمة الدول الـ10 الأكثر تأثراً بالإرهاب عالمياً في تصنيف مؤشر الإرهاب العالمي

 

 ومن هذا المنطلق، اهتمت مصر بصياغة مقاربة فكرية شاملة لدحض الآراء المتطرفة والفتاوى التكفيرية والتفسيرات المشوهة والخاطئة التي تستند إلى الفكر التكفيري الذي تروج له التنظيمات الإرهابية، وذلك عبر إطلاق المبادرات الرئاسية لتصويب الخطاب الديني، إلى جانب تعزيز الدور الذي تقوم به المؤسسات الدينية المنوطة بهذا الشأن، وعلى رأسها الكنيسة، ووزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر الشريف.

 • الجهود الأمنية: لعبت المواجهات الأمنية التي قامت بها قوات مكافحة الإرهاب المصرية دوراً فعّالاً في كسر شوكة التنظيمات الإرهابية، وتدمير قدراتها العسكرية، وقتل قياداتها، وتطويق نطاق امتداد نشاطها الإرهابي، فقد أسفرت الضربات العسكرية التي وجهتها قوات الجيش والشرطة ضد معاقل العناصر التكفيرية، كالعملية "حق شهيد"، و"العملية الشاملة ـ سيناء 2018"، عن تطويق العناصر الإرهابية لا سيّما بشمال سيناء، وإجهاض بنيتها التحتية عبر تدمير المعدات اللوجستية التي تستخدمها من مخازن للأسلحة والعبوات الناسفة وأنفاق وخنادق وغيرها. وكان العامل الأساسي في نجاح هذه الضربات، هو اعتمادها على محورين أساسيين؛ الأول: توجيه ضربات استباقية للتنظيمات الإرهابية لتقويض قدراتها التنظيمية، والثاني: سرعة تعقب وضبط مرتكبي الجرائم الإرهابية باستخدام التقنيات الحديثة.

 • الجهود التنموية: بالتوازي مع الجهود الأمنية المبذولة، عملت كافة مؤسسات الدولة على تنفيذ جملة من المشروعات العملاقة والاستثمارات التنموية في مختلف القطاعات، ومن ذلك، تخصيص نحو (10) مليارات جنية لتنمية ومكافحة الإرهاب على أرض سيناء. يأتي هذا انطلاقاً من الدور الرئيس الذي تلعبه التنمية في تشكيل بيئة طاردة للفكر المتطرف، وهو ما ترجمته جهود مؤسسات الدولة التي عكفت على تطوير البنية التحتية والنهوض بالاقتصاد المصري ومؤشراته، إلى جانب اعتماد مبادرات لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، لا سيّما في مجالات تمكين المرأة والشباب والصحة والتعليم، ومنها برنامج "تكافل وكرامة"، ومبادرة "حياة كريمة"، ومشروعات المياه والصرف الصحي، والمشروعات الزراعية واستصلاح الأراضي.

  المواجهة التشريعية: انطلاقاً من النص الدستوري الخاص بالتزام الدولة بمواجهة الإرهاب بكافة صورة وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله، صاغ المُشرّع المصري حزمة متكاملة من التشريعات الوطنية تتسق مع التزامات مصر الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، ومنها على سبيل المثال: القانون رقم (94) لعام 2015 لمُكافحة الإرهاب، والقانون رقم (80) لعام 2002 بشأن مكافحة غسيل الأموال، والقانون رقم (175) لعام 2018 الخاص بمكافحة جرائم التنقية المعلوماتية، الذي جاء ليشدد الحصار على الجرائم الإرهابية، والقانون رقم (14) المعدل بالقانون رقم (95) لعام 2015 بشأن التنمية المتكاملة لشبة جزيرة سيناء.

 ورأى المركز أنّه رغم لجوء فلول التنظيمات الإرهابية لتنفيذ عمليات يائسة بين الحين والآخر، فإنّه لا يمكن تجاهل ما حققته القوات المسلحة من إنجازات ملموسة في محاربة الإرهاب خلال (4) أعوام منذ انطلاق العملية الشاملة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 حتى الآن، فقد نجحت في تطويق خطر الإرهاب في الحواضن التقليدية في مثلث رفح والعريش والشيخ زويد، ممّا ألجا العناصر الإرهابية إلى البحث عن النقاط الرخوة، بمعنى استهداف مناطق لا تحظى بتواجد عملياتي كبير، على غرار الهجوم على إحدى محطات رفع المياه غرب سيناء.

مواضيع ذات صلة:

مفتي مصر يقدم تقريراً عن الإخوان أمام مجلس العموم البريطاني.. ماذا جاء فيه؟

مصر لن ينال منها الإرهابيون

الحرب على الإرهاب.. استراتيجية مصرية "عابرة للحدود"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية