مفاوضات فيينا على سرير الموت: ما مصير نووي إيران؟

مفاوضات فيينا على سرير الموت: ما مصير نووي إيران؟


07/05/2022

ما تزال تصريحات النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني، علي مطهري، بخصوص أهداف إيران من صنع القنبلة النووية، تفرض تداعيات جمّة، محلياً وخارجياً، لا سيما أنّ البرلماني السابق ونجل رجل الدين الإيراني، آية الله مرتضى مطهري، أحد العقول النظرية المؤسسة لنظام الولي الفقيه، كشف جملة حقائق في لحظة دقيقة تمرّ بها المفاوضات النووية في فيينا.

نفي سلمية المشروع النووي

واللافت أنّ مطهري، الذي عرج على خطط الملالي لصنع القنبلة النووية، بهدف "تعزيز قوى الردع"، قد نفى سرديات طهران التقليدية التي تروجها عن "سلمية" أنشطتها النووية، الأمر الذي تسبّب في حرج شديد للنظام، كما وضع معوقات إضافية أمام فرص إحياء الاتفاق النووي الذي وصفه دبلوماسيون غربيون، مؤخراً، بأنّه "ينازع وبات (مع مفاوضات فيينا) على سرير الموت، بيد أنّ الغرب ما يزال متردداً في سحب أنابيب الإنعاش منه".

آية الله مرتضى مطهري

وعلى ما يبدو فإنّ تصريحات البرلماني السابق تضعف من فعالية عملية الضغط القصوى التي تمارسها طهران على المنخرطين في المفاوضات النووية بفيينا، للحصول على مكتسبات عديدة؛ منها إلغاء جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وكذا رفع الحرس الثوري من لائحة العقوبات، إلى جانب شروط أخرى.

إذاً؛ تصريحات مطهري بخصوص مشروع إيران النووي، لا تحمل أيّ جديد؛ إذ إنّ كلّ ما تحدّث عنه بات معروفاً، وربما موثقاً لدى سائر الأطراف والقوى، بما فيها القوى الدولية والإقليمية، وهذا بالأساس ما دفعهم للاستجابة للمفاوضات، حسبما يوضح المحلل السياسي الإيراني، علي رضا اسدزاده، منوهاً، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ أهمية تلك المعلومات والحقائق تتأتى من كونها جاءت "على لسان شخص بأهمية ووزن علي مطهري في هذه الظروف الحساسة".

ويتابع رضا اسدزاده: "حاول مسؤولو الطاقة الذرية الإيرانية نفي تصريحات النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني، بل واتّهامه بأنّ لديه توجهات سياسية خاصة، لكنهم لم يفلحوا في منع أثر تصريحاته في الداخل والخارج".

اصطفاف أمريكي إسرائيلي للضغط على إيران

منذ بدايته، كان المشروع النووي الإيراني "مشروعاً سرياً"، بينما خضع لسيطرة الحرس الثوري، بحسب المحلل السياسي الإيراني، مضيفاً: "لو كان المشروع النووي فعلاً سلمياً لما كانت هناك حاجة إلى إخفاء وجوده، ناهيك عن كلّ هذه المغامرات طيلة السنوات الـ 19 الماضية، ودفع أثمان هائلة من خزانة الدولة، غير أنّ العقوبات النفطية الجديدة على روسيا تعدّ أفضل فرصة لحكام إيران لقبول شروط الاتفاق النووي الجديد مع إدارة بايدن، وفتح أسواق جديدة لنفط إيران".

العقوبات النفطية الجديدة على روسيا تعدّ أفضل فرصة لحكام إيران لقبول شروط الاتفاق النووي الجديد مع إدارة بايدن، وفتح أسواق جديدة لنفط إيران

أما الطريقة التي يتصرف بها حكام إيران في الملف النووي، منذ الكشف عنه، عام 2003، وحتى اليوم، فهي "خير دليل على نواياهم الخبيثة في إنتاج السلاح النووي لاستفزاز العالم به إن تمكنوا من الحصول عليه"؛ يقول رضا اسدزاده.

والأربعاء الماضي، قال الناطق بلسان الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إنّ الولايات المتحدة مستعدة للتعاطي مع السيناريوهات كافة فيما يخصّ إيران، مذكّراً أنّ إحياء الاتفاق النووي ما يزال غير مؤكد، بصورة كبيرة، ومن ثم، فإنّ واشنطن تفكر في طريقة للتعامل مع أيّ سيناريو قادم.

 الناطق بلسان الخارجية الأمريكية، نيد برايس:الولايات المتحدة مستعدة للتعاطي مع السيناريوهات كافة فيما يخصّ إيران

ولذلك؛ ثمّة اصطفافات أمريكية إسرائيلية جديدة لمواجهة احتمالات عدم عودة الامتثال المتبادل بشأن الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة؛ إذ اتفق مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، ونظيره الإسرائيلي، إيال حولاتا، على تكثيف الضغوط على النظام في طهران، في حال عدم العودة (قريباً) للاتفاق النووي، بالإضافة إلى إيجاد صيغة لتفادي وصول نسبة تخصيب اليورانيوم لنحو 90%، وهو المستوى المطلوب لإنتاج قنبلة نووية.

وقد ألمح موقع "أكسيوس" الإخباري، إلى أنّ اللقاء الذي جمع مستشار الأمن القومي الأمريكي ونظيره الإسرائيلي، بينما شهد لقاءات ومشاورات مع مسؤولين آخرين في البيت الأبيض، جاء ليبعث رسالة "للقيادة في طهران أنّها في حاجة لاتفاق، مع إعطاء الولايات المتحدة، في الوقت نفسه، ميزة الحصول على اتفاق أفضل إذا استؤنفت المحادثات النووية".

فتوى الخميني

وبالعودة إلى تصريحات البرلماني الإيراني السابق، فقد قال في لقاء مع "نادي الصحفيين الطلابي الإيراني: "منذ البداية، عندما دخلنا النشاط النووي، كان هدفنا صنع قنبلة لتقوية الردع، لكنّنا لم نتمكن من الحفاظ على سرّية هذا الموضوع، وكشفت التقارير السرّية من قبل مجموعة المنافقين (المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية).

وأردف مطهري: "الدولة التي تريد استخدام الطاقة النووية، بشكل سلمي، لا تبدأ التخصيب أبداً، بل تنشئ مفاعلاً، أولاً، ثم تدخل مجال التخصيب، لكنّ حقيقة أنّنا نقوم بالتخصيب، بشكل مباشر، يخلق الشكوك بأنّنا نريد صنع قنبلة. إذا استطعنا، مثل باكستان، صنع قنابل واختبارها سرّاً، فسيكون ذلك رادعاً للغاية. تعتمد البلدان الأخرى على القوة النووية، لذلك أعتقد أنّه عندما بدأنا شيئاً ما، كان علينا أن نصل إلى النهاية".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول مدير تحرير مجلة دراسات إيرانية الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، الدكتور محمود حمدي أبو القاسم، إنّ تعاطي إيران مع مسألة الطاقة النووية يبدو أمراً مثيراً للانتباه؛ حيث ظلّ النظام يبرر لبرنامجه النووي على أنّه مدفوع بأغراض سلمية، وأنّ ذلك مبدأ يعتنقه النظام بناء على فتوى من مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني، تجرّم حيازة السلاح النووي.

وقد أكّد خامنئي هذا بقوله؛ إنّ "صنع القنابل النووية وتخزينها خطأ، واستخدامها حرام، وإيران تتجنبها تماماً رغم أنّنا نمتلك تكنولوجيا نووية".

لكن، في الحقيقة، مسألة الفتوى الدينية في إيران، والاستناد إليها كمبرر في الجزم بحسن نوايا إيران بشأن السعي لامتلاك قنبلة نووية أمر يمكن تفنيده، وفق حمدي أبو القاسم؛ إذ إنّ هذه الفتوى لم تظهر إلا عام 2003، بينما لم تترك المؤسسات المعنية قولاً للخميني إلا ودوّنته، فلماذا ظهرت الفتوى في هذا التوقيت الذي كانت تواجه فيه إيران ضغوطاً بعد الكشف عن حقيقة برنامجها النووي الذي لم يكن في حينها سلمياً بحال من الأحوال، بل كان سرياً بعيداً عن أعين الهيئات الدولية المعنية بمراقبة الأنشطة النووية؟

ويتابع: "الواضح أنّ الفتوى، سواء كان الخميني قالها أم لا، كان لها غرض في حينها، وهو امتصاص الضغوط التي كانت تتعرض لها إيران، خصوصاً التهديدات الأمريكية بغزو إيران، وتغيير النظام، وذلك بعد غزو العراق عام 2003".

المحلل السياسي الإيراني، علي رضا اسدزاده، لـ "حفريات": "الطريقة التي يتصرف بها حكام إيران في الملف النووي، خير دليل على نواياهم الخبيثة في إنتاج السلاح النووي

كما أنّ "الحديث عن أيّ عائق ديني أو أيديولوجي أمام إيران من أجل حيازة أسلحة نووية لا يعبّر عن جوهر الموقف الإيراني"، بحسب مدير تحرير مجلة دراسات إيرانية، لافتاً إلى أنّ "إيران، وإن كانت اليوم توظف قدراتها النووية من أجل الضغط على القوى الدولية والولايات المتحدة، مع التأكيد على عدم السعي نحو امتلاك سلاح نووي، فإنّ هذا لا يعدّ سوى مناورة، لا سيما أنّ إيران تطور مع الوقت قدراتها النووية والمعرفية وتقلّل وقت الاختراق النووي، خاصة بعد أن أعلنت رفع نسبة التخصيب من 20% إلى 60%، بالإضافة إلى تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة من نوع "IR4" و"IR6"، مع أنّ هذه النسبة ليست مهمة في إطار الاستخدامات السلمية التي تدّعي إيران أنّ برنامجها مسخّر لأجلها".

وفي المحصلة؛ يمكن القول إنّه على الرغم من التصريحات الأمريكية بعدم قدرة إيران، مرحلياً، على تطوير أسلحة نووية، حتى مع رفع التخصيب لنسبة 60%، لكنّ إستراتيجية إيران تستهدف تقليص الوقت المطلوب إلى الوصول إلى مثل هذه الأسلحة إذا ما اتخذ قرار بذلك، وفق المصدر ذاته، وهناك تقارير سابقة من الوكالة الدولية بأنّ إيران جمعت ما يكفي من اليورانيوم المنخفض التخصيب لصنع قنبلة، وهي بالفعل لديها بنية صاروخية لحمل هذه القنبلة، قد تحتاج فقط إلى بعض التطوير لاستيعاب الحمولة النووية، وهذا إن حدث سيعطي إيران "قوة ردع" هائلة في مواجهة خصومها، وأولهم الولايات المتحدة وإسرائيل.

مواضيع ذات صلة:

ماذا يعني أن تكون المنشآت النووية الإيرانية في عهدة الحرس الثوري؟

هل توقع إيران الاتفاق النووي بمعزل عن روسيا والصين؟‎

مع تصاعد التوتر في أوكرانيا.. ما احتمالية حدوث حرب نووية؟ وما تداعياتها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية