ممرّ "جنوب-شمال"... رؤية إيرانيّة للرّبط بين آسيا وأوروبا

ممرّ "جنوب-شمال"... رؤية إيرانيّة للرّبط بين آسيا وأوروبا


12/05/2021

يوسف بدر

يعتبر الممرّ الإيراني بين الجنوب والشمال أهم رابط تجاري بين آسيا وأوروبا، وهو أحد أهم طرق العبور في آسيا الوسطى والصين، وتقوم الدول الواقعة على طول هذا الممر بتطوير موانئها وطرقها وخطوط سككها الحديد للمشاركة والوصول إلى هذا الممر.

يربط هذا الممر الدول الواقعة على طوله، بروسيا وشمال أوروبا عبر إيران وبحر قزوين، وكذلك يربطها بدول المحيط الهندي والخليج العربي وجنوب آسيا. فهذا الممر يتحرك في مسار رأسي وأفقي؛ حيث يربط موانئ إيران الجنوبية على طول مياه الخليج العربي بشمال إيران وصولاً إلى روسيا. وكذلك، يربط ميناء مومباي على الساحل الغربي للهند مروراً ببحر العرب حتى ميناء تشابهار، وصولاً إلى روسيا ودول أوروبا باستخدام خطوط السكك الحديدية.

وقد عاد الحديث عن ممر "الجنوب-شمال" الإيراني، بعد حادثة جنوح سفينة الشحن "أفرغيفن" داخل مجرى قناة السويس، في آذار (مارس) 2021. وتم التساؤل: "هل يشكل هذا الممر بديلاً عملياً لقناة السويس؟". 

واشتد هذا التساؤل بعد تصريحات السفیر الإیراني لدى موسکو کاظم جلالي في مقابلة مع صحیفة "فیدوموستي" الروسیة، في 28 آذار (مارس) طالب فيها بضرورة تفعیل ممر "شمال-جنوب" بدلاً من قناة السویس؛ موضحاً أن الممر یمکن أن یحل محل قناة السویس بشکل أرخص وأکثر موثوقیة، ویسهل التجارة بین أوروبا والشرق الأقصى.

إلا أن واقعية الصورة، تُظهر أن هذا الممر، برغم قصر طوله وقلة تكلفته لا يمثل بديلاً لقناة السويس، لاختلاف طبيعة عمله التي تعتمد على ممرات بحرية وبرية، وما يواجهه من مخاطر وصعوبات، فالنقل البري عبر سكك الحديد لا يمكن أن يغطي سعة الحمولة التي تشتملها سفينة الشحن الواحدة. فضلاً عن أن حركة التجارة الدولية لا تقتصر على عملياتها بين آسيا وأوروبا. و"ممر جنوب-شمال"، هو ممر من ضمن مسارات النقل والتجارة الدولية، وليس بديلاً يعادل قناة السويس المصرية. فهو يهدف إلى ربط جنوب آسيا بشمال أوروبا؛ وبذلك هو جزء في دائرة حركة النقل والتجارة الدولية. إلى جانب أن أي ممر تجاري دولي يرتبط بعدد من الموانئ والأسواق التي تُشغله؛ ومن دون ذلك، تنخفض قيمته في حركة النقل والتجارة الدولية.

الممرّ ومحور التّنمية

لم يتوقف حديث الإيرانيين عن حلم إتمام ممر "شمال-جنوب"، منذ أن تم التوقیع على اتفاقیته عام 2000 فی مدينة سان بطرسبورغ الروسية بین وزراء النقل للدول الثلاث إیران وروسیا والهند، والاتفاق على تطویر وتجهیز الموانئ والمحطات والطرق البریة والسکك الحديدية طوال هذا الممر.

وبالنسبة الى إيران، فالخطوات العملية التي اتخذتها، تؤكد جديتها في تحقيق هذا الممر، إذ تربط إتمامه بمحور التنمية لديها، الذي يعتمد على الاهتمام بمدن السواحل الجنوبية (المطلة على مياه الخليج وبحر العرب)، وبمدن السواحل الشمالية (المطلة على بحر قزوين)، والربط بينها من خلال النقل البري والسكك الحديدية. 

ويأتي إنشاء ميناء تشابهار الإيراني المطل على المحيط الهندي في سياق الربط بينه وبين بحر قزوين عن طريق السكك الحديدية والطرق البرية، وأيضاً الربط بينه وبين مدينة زاهدان الإيرانية المطلة على حدود دول أفغانستان وباكستان، إلى جانب الاهتمام بإنشاء الموانئ الجديدة على طول سواحل مكران الجنوبية، ومنها ميناء "جاسك". وكذلك، الربط بين الصين وإيران مروراً بدول آسيا الوسطى عبر السكك الحديدية. 

كل تلك الدلائل تؤكد عزم إيران على استكمال مشروع ممر "جنوب-شمال". كما يمكن تفسير اتفاقياتها مع الصين والهند وباكستان وأفغانستان وروسيا ودول آسيا الوسطى ودول بحر قزوين؛ في إطار دعمها لهذا المشروع، الذي تسعى من ورائه إلى جعل نفسها محوراً لحركة التجارة والترانزيت الدولية. 

الوصول إلى مياه المتوسّط

تهدف إيران إلى الربط بين دول منطقة الخليج التي تنمو فيها حركة التجارة الدولية، وأوروبا عن طريق أراضيها وصولاً إلى روسيا. لكن طموحاتها تمتد إلى البحر المتوسط؛ فوجودها داخل العراق وسوريا شجعها على التخطيط لإنشاء ممرات برية وسكك حديدية تربط بين هذه الدول وأراضيها، وصولاً إلى الصين وأوروبا.

وكذلك، تسعى إيران إلى الاستفادة من الطموحات الصينية التي تتحرك على خطى مشروع "الحزام والطريق"، الذي يسعى إلى إيجاد طريق بري وبحري يربط الصين بممرات التجارة التاريخية منذ عهد تجارتها للحرير. 

وبذلك، ستكون هناك علاقة ترابط بين المشروع الصيني والمشروع الإيراني. بخاصة أن الصين تعتزم الوصول إلى مياه المحيط الهندي والخليج العربي عن طريق ممر بري يصل إلى ميناء "جوادر" في جنوب باكستان، والقريب من الموانئ الإيرانية. فضلاً عن وضع عين الصين على تحركات منافستها الهند التي تسعى للاستفادة من الممر الإيراني في الوصول إلى روسيا وأوروبا، وكذلك إلى آسيا الوسطى متجاوزة العبور من خلال باكستان (حليفة الصين المعادية للهند).

الحرب بين أذربيجان وأرمينيا

كانت الحرب الأخيرة بين دولتي أذربيجان وأرمينيا تهدف إلى تحرير مرتفعات "ناغورنو  كاراباخ" التي احتلتها الأخيرة. لكن مسارعة إيران إلى تهدئة هذا الصراع؛ كانت لأسباب تتعلق بوقوف طموحات تركيا من وراء هذه الحرب؛ فقد خططت الأخيرة للدخول في خط ممر "جنوب-شمال"؛ وذلك بعد تحرير الإقليم لربط دول بحر قزوين وآسيا الوسطى والصين بجمهورية ناخيتشيفان الذاتية الحكم، ومن ثم الوصول إلى تركيا وأوروبا

وكان إسراع إيران وزياراتها المتعددة لروسيا وأرمينيا وأذربيجان يعبّر عن حالة من القلق لديها؛ فهي تخشى على مشروع ممرها الدولي.

وكذلك، قلقت روسيا من تركيا، من أن تخطف ممر التجارة الدولي الذي يعبر أراضيها نحو أوروبا، وأن يتوقف عند دولة أذربيجان، ثم يعبر إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا. ولهذا، طلبت روسيا من إيران في نيسان (أبريل) الماضي، الإسراع في التصديق على اتفاقية النظام القانوني لبحر قزوين في أسرع وقت ممكن. وذلك للإسراع في التعاون بين دول بحر قزوين القريبة من آسيا الوسطى والصين، وإبرام الاتفاقيات التجارية والاقتصادية معها.

أوراسيا الكبرى

من المقرر إجراء مفاوضات حول اتفاقیة تجارة حرة شاملة بین إیران و"الاتحاد الاقتصادي الأوراسي" (الأوروبي - الآسیوي) في النصف الثاني من عام 2021. وفي حالة نجاح إيران في إتمام ممر "جنوب-شمال"، الذي سيربط دول آسيا بأوروبا؛ فهذا سيضع إيران على خريطة التحالفات الاقتصادية، وسيساعدها في الانضمام الى هذا التحالف الاقتصادي، الذي طمح رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف لتحويله تحالفاً أكبر تحت عنوان "أوراسيا الكبرى"، والذي من المفترض أن يضم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والحزام الاقتصادي لطريق الحرير والاتحاد الأوروبي فى مشروع تكاملي موحد؛ من أجل تحرير العلاقات التجارية بين هذه الكيانات وتحقيق التنمية المشتركة لدولها. وإذا نجح ذلك، أو جزء منه؛ فإيران ستحتل مكانة مهمة داخل هذه التحالفات من خلال ممرها التجاري.

الحوار الإقليمي

مع مجيء الرئيس الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، تغير الكثير من المعادلات الإقليمية، وتحركت إيران نحو الحوار الدبلوماسي والعودة الى المفاوضات النووية والتهدئة مع دول كبرى في الإقليم مثل السعودية. وفي حال نجاح هذا الحوار؛ ستهتم إيران بالاستثمارات الداخلية، وبالتحالفات الاقتصادية الإقليمية. وسيكون إتمام ممرها التجاري مفتاحاً لهذه التحالفات مع الجوار، بما فيه دول منطقة الخليج. بخاصة أنه إذا نجحت إيران في التحالف الاقتصادي مع دول شمالها، مثل روسيا ودول بحر قزوين؛ فإن ذلك سيدفعها لتخفيف ما تنفقه على مغامراتها في منطقة جنوبها ضد دول الخليج والمنطقة العربية. إلى جانب أنها ستكون في حاجة لإنجاح هذا المشروع من أجل دعم رؤيتها التنموية المتأخرة 2025.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية