من المساجد إلى المؤسسات التعليمية.. هل تتغير أوجه التبرع عند المغاربة؟

المغرب

من المساجد إلى المؤسسات التعليمية.. هل تتغير أوجه التبرع عند المغاربة؟


25/02/2019

"يمكن أن نصلي في أيّ مكان تقرّباً لله سبحانه وتعالى، في البيت والمدرسة، لكنّ إيجاد مقعد لطفل أو طفلة صعب جداً"؛ تقول نجية نظير، الملقّبة بزهرة، مهاجرة مغربية في دولة الإمارات العربية المتحدة، تبرّعت، مؤخراً، بمبلغ يتجاوز المليون دولار أمريكي، لبناء وتأهيل مؤسَّستين تعليميتين نواحي مدينة سطات، الواقعة وسط المغرب.

اقرأ أيضاً: تبرعات مفتي "فجر ليبيا" تورّط أمناء مساجد في بريطانيا
ولقيت مبادرة نجية نظير إشادة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وطرحت موضوع تبرّع المحسنين لبناء مرافق عمومية، غير المساجد، على طاولة النقاش مجدداً.
وفي هذا السياق، أشار المعتقل السلفي السابق، عبد الوهاب رفيقي، الملقّب بـ "أبي حفص"، إلى أنّ "هناك متبرعين يعدّون التبرع لبناء المساجد يضمن لهم قصراً في الجنة، في حين يمكن أن يكون بناء مسرح أو معهد موسيقي أكثر أجراً من ذلك".
التبرع والثقافة الدينية السائدة
وكتب أبو حفص، في تدوينة له على حسابه في فيسبوك: "حالة من الفرح تعمّ الفيسبوك المغربي إثر إقدام محسنة مغربية على التبرع بمبلغ 12 مليون درهم، لفائدة إنشاء مؤسستين تعليميتين بجهة الدار البيضاء سطات، وهذا فرح يرجع إلى أنّنا اعتدنا أن يكون التبرع غالباً لبناء المساجد، وليس لمؤسسات التعليم أو مشاريع علمية أو مراكز للتكوين والترفيه".

 تدوينة "أبو حفص" على حسابه في فيسبوك
وأضاف أبو حفص: "هؤلاء المتبرعون يعتقدون ذلك بناء على ما تلقّوه من ثقافة دينية، أنّ التبرع لبناء مسجد هو أعظم أجراً، وأكثر تحصيلاً للتقرب إلى الله، عكس المشاريع الأخرى، ولا يرغب المحسنون، مثلاً، في إنفاق المال في بناء مركز اجتماعي للأطفال المشردين".
ويعزو المتحدث ذاته ذلك، إلى الثقافة السائدة بالمجتمع المغربي، موضحاً أنّ "بعض المحسنين لا يستطيعون استيعاب أنّ بناء مركز يضمّ من يسميهم "لقطاء"،.. ، قد يكون أكثر أجراً من بناء مسجد ما ركع فيه ركعة، ولا سجد سجدة، ولا تلا آية، إلا كان له نصيب من أجرها، كما قيل له".

اقرأ أيضاً: من يملك المنبر ويسيطر على المساجد؟
وتابع أبوحفص "لا أريد أن أتحدث عن أن يفكر المحسن في بناء مسرح أو قاعة سينما، أو معهد موسيقي، أو دار شباب، المسجد يضمن له، بحسب الفقهاء، قصراً في الجنة، بيد أنّ بناء قاعة سينما تعرض أفلاماً أجنبية، قد تضمن له، في نظره، قصراً في جهنم وليس في الجنة".
وفي سياق حديثه عن دوافع الناس في السابق لبناء المساجد، يقول أبو حفص: "لأنّه لم يكن للمسجد دور واحد فقط، كان معبداً ومؤسسة تعليمية؛ بل جامعة أحياناً، ومركز إدارة للدولة، ومتنفساً للقاء والاجتماع وحتى الترفيه، لكنّه في نظام الدولة الحديثة تقلص دوره لفائدة مؤسسات أخرى مختصة، وهو أمر طبيعي ومحمود، وليس كما يتباكى البعض، لكن هل يعي المتبرع ذلك؟".
مبادرة طيبة
ورأى أبو حفص، أنّ هناك سبباً آخر لا يمكن إهماله خلال الحديث عن ثقافة التبرع، مشيراً إلى أنّ عدداً كبيراً من هذه المساجد كان التبرع لها لأغراض "أيديولوجية محضة"، موضحاً "المتبرع يستطيع أن يتدخل في توجه المسجد وتوجه الخطيب والإمام، وتصريف ما يريد من أفكار".

اقرأ أيضاً: في غزة: مساجد بملايين الدولارات وفقراء بلا مأوى
وفي حديثه لـ "لحفريات"؛ أشار الكاتب المغربي، مصطفى البوزيدي، إلى أنّ "نجية نظير اختلفت عن الآخرين، واختارت التبرع لأجل بناء مؤسستين تعليميتين في منطقة يعاني أبناؤهما من ظاهرة الهدر المدرسي".
وأضاف البوزيدي "مجموعة من التلاميذ في تلك القرية، أجبروا على ترك مقاعد الدراسة بسبب غياب مؤسسات تعليمية بالمنطقة، وأصبحوا يعملون في رعي الغنم".
وتابع الكاتب المغربي "نجية نظير أدركت معاناة أبناء قريتها الفقيرة بالمغرب، واختارت أن تدعمهم، وهي مبادرة طيبة تستحق الاحترام والتقدير".
نجية نظير

المحسنون الذكور
من جهته، قال الناشط الحقوقي، أحمد صوفة، في تصريحه لـ "حفريات": "إنّ ما يثير الاهتمام في هذا الصدد؛ أنّ المبادرة جاءت من امرأة، عكس ما هو مألوف ومتداول؛ إذ غالباً ما يتطوع رجال، يطلق عليهم "محسنون"".

صوفة: التبرع لبناء مدرسة أمر ظلّ غائباً لدى المحسنين الذكور الذين يفكر غالبيتهم ببناء مساجد للحصول على المقابل بالجنة

وأضاف الناشط الحقوقي: التبرع لأجل بناء مؤسسة تعليمية أمر "ظلّ غائباً، أو لنقل مغيَّباً"، لدى كافة "المحسنين الذكور"، مشيراً إلى أنّ غالبيتهم "يفكرون فقط في بناء مساجد، وذلك رغبة منهم في الحصول على المقابل في الجنة"؛ أي الحصول على بيت هناك، وفق الحديث القائل: "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة"، وهنا تكمن الأهمية الثقافية الجديدة المختلفة عن السائد داخل مجتمعاتنا العربية الإسلامية".
ونوه صوفة إلى أنّ مثل هذه المبادرات الإنسانية لا تعفي الدولة من مسؤولياتها ومهامها وواجباتها نحو المواطنات والمواطنين جميعهم، سيما فيما يخص قطاع التعليم.

بين نجية نظير وبنكيران
من جانبه، قارن المحلل السياسي، عمر الشرقاوي، بين نجية نظير وعبد الإله بنكيران، في تدوينة عنونها بـ "قصة متبرعة بمالها ومستفيد من مالنا".

عبد الإله بنكيران
وقال الشرقاوي: "في أسبوع واحد خطف أنظار الرأي العام مشهدان، متناقضان في كلّ شيء؛ المشهد الأول يروي قصة امرأة مغربية تتبرع من مالها الخاص بمليار ومئتي مليون سنتيم، لبناء مدرسة عمومية، والمشهد الثاني يحكي قصة استحواذ رئيس الحكومة السابق على مالنا العام، بعد استفادته من معاش استثنائي بقيمة 7 ملايين سنتيم شهرياً، دون أن يساهم فيه بسنتيم واحد".

محلل: خطف أنظار الرأي العام مشهدان متناقضان؛ الأول امرأة تتبرع من مالها لبناء مدرسة، والثاني استفادة بن كيران من معاش استثنائي

وأضاف المحلل السياسي: "المشهدان يحملان الكثير من التناقض والسخرية السوداء، بين مواطنة تشعر بقيمة حبّ الوطن، والتضحية بالغالي والنفيس من أجل تخفيف بعض معاناة السياسات الفاشلة للحكومات، ورئيس حكومة لا يتردد في الحصول على مقابل مادي لمهام فشل في أدائها".
وختم الشرقاوي تدوينته الفيسبوكية بالقول: "دون شكّ؛ يجسّد المشهدان معاً وجهين متناقضين، فبينما يعكس المشهد الأول صورة مشرفة لمفهوم المواطنة، يجسّد المشهد الثاني صورة السياسي الذي يحطم المفهوم النبيل للسياسة، ويجعل منها مصدراً للعيش والمعاش".

لم تكن نجية نظير وحدها التي تبرعت لأجل بناء مؤسسة تعليمية، بل سبقتها فاطمة المدرسي؛ التي تبرعت لبناء المدرسة العليا للتجارة والتسيير بمدينة وجدة.

اقرأ أيضاً: مخاوف تونسية من تحول المساجد إلى ساحات دعاية للانتخابات

وقالت نظير في تصريحات صحفية: "الهدف من تمويل هذه المشاريع؛ هو المساهمة في إخراج حلم إنشاء مؤسسة تعليمية إلى الوجود، سيما أنّ المنطقة التي ستحتضن هذا المشروع تفتقر لمثل هذه المؤسسة، وهو ما يدفع عدداً كبيراً من الطلاب إلى الانقطاع عن الدراسة"، على حدّ تعبيرها.

ولقّب رواد مواقع التواصل الاجتماعي نجية نظير بـ "حفيدة فاطمة الفهرية"، مؤسسة جامعة القرويين.

من جهة أخرى؛ كشف شقيق نجية نظير، في اتصال هاتفي مع "حفريات"، أنّ شقيقته تبرعت لأجل دعم البنية التحتية لمجال التعليم بالعالم القروي، انطلاقاً من قناعتها الشخصية وحرصها الشديد على المساهمة في كلّ المشاريع الخيرية لتنمية المنطقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية