من يحمي نساء فلسطين من عنف العقلية الذكورية؟

من يحمي نساء فلسطين من عنف العقلية الذكورية؟


09/01/2022

انتكاسة كبيرة تعرّضت لها النساء في الأراضي الفلسطينية خلال العام الماضي، 2021، نتيجة تعرّضهن لأشكال متفاوتة ومتنوعة من العنف الأسري والاجتماعي والسياسي الواقع بحقّهن داخل المجتمع، والذي أفضى إلى أرقام مقلقة، بعد فقدان العديد منهنّ حيواتهنّ، نتيجة تعرّضهن لهذا العنف، في ظلّ الممارسات التقليدية للمجتمع الذكوري، وكذلك غياب الحاضنة القانونية الواجبة لحمايتهن.

وقُتلت 23 امرأة في الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة العنف الداخلي، حتى تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، 2021، وفق إحصائية صادرة عن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي (غير حكومي).

إقرأ أيضاً: تنظيمات إرهابية إسرائيلية تهدد برمي الفلسطينيين وراء النهر

ووفق معطيات وزارة شؤون المرأة بالحكومة الفلسطينية، فإنّ نسبة النساء اللواتي سبق لهن الزواج وتعرّضن للعنف الأسري لمرة واحدة على الأقل بلغ 37%.

ارتفعت حالات قتل النساء خلال جائحة كورونا بمتوسط ما بين 15-17 امرأة وفتاة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما تعرّضت 29% من النساء الفلسطينيات لعنف أسري

وتشكّل المرأة نحو 49% من المجتمع في أراضي السلطة الفلسطينية، وترأس النساء حوالي 11% من الأسر الفلسطينية، وفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، نشرها في آذار (مارس) 2021.

وبحسب المركز الديمقراطي العربي للدراسات؛ فقد شهدت الفترة ما بين عام 2015 حتى 2020، مقتل 118 سيدة بدعوى القتل بدافع الشرف أو تسجيلها كانتحار، كما ارتفعت نسبة النساء اللاتي توجهن بشكاوى وبلاغات حول تعرضهن للعنف الأسري إلى 40% خلال عام 2020. 

وأوضح مسح أجرته وزارة شؤون المرأة على 6 آلاف أسرة في قطاع غزة والضفة الفلسطينية، بما فيها القدس المحتلة، أنّ "العنف النفسي هو الأكثر نسبة؛ حيث بلغت (55%)، يليه العنف الاقتصادي بنسبة (53%)، ثمّ العنف الاجتماعي بنسبة (27%)، والعنف اللفظي بنسبة (24%)، بالإضافة إلى أنّ العنف الجسدي الذي ازداد خلال جائحة كورونا، حيث (47%) من النساء لجأن إلى طلب الحماية خلال الجائحة، في ظلّ استغلال الرجل إغلاق المحاكم وصعوبة الوصول إلى المراكز المخصصة. 

ووفق المركز، فقد ارتفعت حالات القتل للنساء خلال جائحة كورونا بمتوسط ما بين 15-17 امرأة وفتاة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما تعرّضت 29% من النساء الفلسطينيات لعنف أسري نفسي أو جسدي أو اجتماعي أو جنسي، في حين يعيش 38% من المعنفات في الضفة الغربية، و24% في قطاع غزة.

إقرأ أيضاً: العرب داخل "إسرائيل" يودعون عاماً مثقلاً بالتمييز العنصري

وانضمت السلطة الفلسطينية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة "سيداو"، في الأول من نيسان (أبريل) 2014، دون إبداء أيّة تحفظات على موادها.

وتطلق وزارة شؤون المرأة الفلسطينية ومؤسسات تعنى بحقوق المرأة، في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) من كلّ عام، حملة "16 يوماً" لمناهضة العنف ضدّ النساء، والذي يصادف اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، وتستمرّ الحملة حتى العاشر من كانون الأول (ديسمبر)، والذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

رفع شعارات العنف ضد المرأة في الأراضي الفلسطينية

كما تشهد الأراضي الفلسطينية ضعفاً كبيراً في تمثيل النساء في الحياة السياسيّة والأعمال الحكومية؛ حيث أظهرت بيانات وزارة العمل خلال عام 2019؛ أنّ نقابات العمال التي يتجاوز عددها 42 نقابة، تضمّ ألفي عضو، بينهم 180 سيدة فقط، على الرغم من إقرار النقابات العمالية، خلال عام 2016، رفع نسبة تمثيل النساء إلى 35% داخل مجالسها. 

مديرة مركز شؤون المرأة آمال صيام لـ "حفريات": عدم تفعيل القانون، يأتي لعدم وجود أيّة إرادة سياسية ترى في قضايا المرأة أولويّة، في ظلّ نظام حكومي أبويّ وبطريركيّ

وبشكل مخالف للقوانين الفلسطينية، التي حدّدت الحدّ الأدنى لتمثيل النساء في داخل المجلس التشريعي بـ 30%، إلّا أنّ حصة النساء داخل المجلس لا تبلغ سوى 26% فقط من أعضائه.

النظر بدونية للنساء

وفي تعليقها على هذه الأرقام والبيانات المقلقة، قالت النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني، وعضو اتحاد المرأة الفلسطينية، د. سحر القواسمي، لـ "حفريات": "الظروف القائمة محرّضة على استمرار العنف ضدّ النساء الفلسطينيات، ابتداءً من الاحتلال الإسرائيلي الذي وضع المجتمع الفلسطيني في دوامة من ممارساته، التي هي أعلى من مجرد تسميتها بالعنف، من قتل، وسجن وتعذيب وحرمان من ممارسة حياته اليومية مثل الشعوب الأخرى، مروراً بالقوانين الفلسطينية التي لا تحمي النساء في ظلّ الثقافة الأبوية التي تعدّ الأنثى إنساناً ناقصاً لا يساوي الرجل، وتبرّر كلّ الممارسات بحقّها أو تستهين بها".                                      

إقرأ ايضا : بانوراما قطاع غزة: إعادة الإعمار أو تجديد التدمير؟

وأشارت القواسمي إلى أنّ "السيدات المعنّفات يرفضن البوح بالظلم الذي يقع عليهن، خوفاً من نظرة المجتمع الذي ما يزال يحمّلهن المسؤولية عما يجري، ويرفض تقديم الحماية اللازمة لهنّ، حتى وإن كنّ ضحية لتلك الاعتداءات، حيث يبقى (التابو) يلاحق النساء حين يبحثن عن حقوقهن في مجتمع ما يزال ينظر لهنّ بدونية". 

سحر القواسمي: الظروف القائمة محرّضة على استمرار العنف ضدّ النساء الفلسطينيات

وتابعت: "لا يوجد أيّ تقدّم محرز في ظلّ الإجراءات والقوانين المتبعة، والتي أثبتت عدم جديتها أو قدرتها على محاربة هذه الظاهرة؛ حيث لم تستطع القوانين المعمول بها في الأراضي الفلسطينية أن تشكّل حاضنة لحماية النساء، وهي تمييزية بشكل صارخ".

الثقافة والقانون

القواسمي أكّدت أنّ "الثقافة التي تصون حقوق المرأة وتحميها من العنف والاعتداءات المختلفة داخل المجتمع هي ضرورة ملحّة لبلورة السياسات الاجتماعية، حيث تشكّل الثقافة السائدة أساس للقوانين التي تخلق ثقافة جديدة ومتغيرة"، مشيرة إلى أنّ "العلاقة الجدلية والتبادلية بين الثقافة والقانون مهمة لإحداث تغييرات إيجابية، بخصوص العنف الممارس ضدّ النساء".

وحول أسباب ضعف النساء وعزوفهنّ عن المشاركة في النقابات العمالية والحياة السياسية، بيّنت النائبة القواسمي أنّ "مشاركة النساء في النقابات العمالية هي انعكاس لمشاركتهن أيضاً في الحياة السياسية والاقتصادية؛ لذلك لا بدّ من كسر الفجوة القائمة في نسب التمثيل بين النساء والرجال، بحيث يتمّ تمكينهن في هذه الأعمال، ليتمّ سماع أصواتهنّ وللتعبير عن ذواتهنّ".

كورونا وارتفاع العنف

وفي السياق ذاته، تحدّثت مديرة مركز شؤون المرأة آمال صيام، لـ "حفريات"، عن أنّ "المرأة الفلسطينية تعيش أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة وسيئة للغاية، وتعاني نسبة كبيرة منهنّ من البطالة والفقر المدقع، بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ في معدلات العنف الأسري، والقتل تحت مسميات مختلفة، كالشرف وغيرها، حيث بقيت قضايا النساء، منذ عام 2007 وحتى العام الماضي، تراوح مكانها وتزداد سوءاً عاماً بعد عام في قضايا القتل والعنف المستخدم بحقهن".

إقرأ أيضاً: الجدار الإسرائيلي "الذكي" يجعل غزة أكبر سجن في العالم

وتابعت صيام: "جائحة كورونا التي أصابت العالم والأراضي الفلسطينية، كانت أحد العوامل التي ساهمت بشكل واضح في ارتفاع معدلات العنف الممارس ضدّ السيدات بنسب تتراوح ما بين 30 إلى 40% عن الأعوام الماضية، وذلك نتيجة للإجراءات التي اتخذتها السلطات خلال تلك الفترة من تقييد لحرية الحركة والتنقل للأفراد، وإجبارهم على المكوث في منازلهم للحدّ من انتشار الوباء؛ حيث بقيت المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف مع الأشخاص والأزواج المعنّفين، ليقوموا بالاعتداء عليهنّ جسدياً ونفسياً".

آمال صيام: المرأة الفلسطينية تعيش أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة وسيئة للغاية

وأوضحت أنّ "قانون حماية الأسرة من العنف، الذي تمّ الإعلان عنه عام 2004، والذي يعدّ من القوانين التي تقوم على حماية  سائر أفراد الأسرة وليست المرأة فقط، لحفظ النسيج الاجتماعي داخل المجتمع الفلسطيني، وحماية العلاقات الأسرية، ومعالجة قضايا العنف، وتأهيل الأشخاص ضحايا هذا العنف القائم على النوع الاجتماعي، للحدّ من هذه الظاهرة، إلا أنّ هذا القانون لم يرَ النور حتى تلك اللحظة".

لا إرادة سياسية

صيام أكّدت أنّ "عدم تفعيل القانون والعمل به، يأتي لعدم وجود أيّة إرادة سياسية ترى في قضايا المرأة أولويّة لطرحها ومعالجتها، في ظلّ نظام حكومي أبويّ وبطريركيّ، في ظلّ عدم النظر إلى خطورة قضايا القتل الواقعة ضدّ النساء، وكذلك العنف الممارس ضدّهن، لتتمّ حمايتهنّ عبر سنّ القوانين التي تنصفهنّ وتجرّم مرتكبي العنف"، موضحةً أنّ "ما يحدث ينمّ على عدم احترام نضالات المرأة ودورها في داخل المجتمع، في ظلّ عدم قدرة أصحاب القرار على تقدير حجم الضرر الواقع عليهن".

وبسؤالها عن المطلوب حالياً لصون حقوق المرأة وحفظ حقوقها، بيّنت صيام؛ أنّ "النساء يقع عليهنّ أنواع مختلفة من العنف النفسي، والاجتماعي، والجنسي، الاقتصادي أيضاً، وهو يتطلب زيادة عمليات تثقيف النساء والرجال على السواء، في حلقات وورش عمل للتوعية عن العنف ضدّ النساء، بالإضافة إلى ضرورة نشر الوعي بخطورة هذه الظاهرة بشتى الوسائل من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وعبر الحملات والمبادرات المتنوعة، حتى يتم نفض العنف، مع التأكيد على ألا يلغي كلّ ذلك وجود قوانين تشكّل حماية حقيقية للمرأة ضدّ العنف الواقع عليهن".

الصفحة الرئيسية