مواجهة التطرف العنيف في الأردن.. هل من جديد؟

مواجهة التطرف العنيف في الأردن.. هل من جديد؟


12/08/2018

ليس هناك أية معلومات منشورة في وسائل الإعلام الأردنية عن مآلات "الإستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف العنيف"، وما هي نتائجها، ومخرجاتها، ومعايير تقييمها بعد أربعة أعوام من إعلانها العام 2014.

ويبدو بأنّها لم تعد تهم أحداً اليوم –باستثناء بعض القائمين عليها من الأجهزة الأمنية- وكما في عنوان رواية الألماني إريك ماريا ريماركه "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"!؛ إذ لم تحدث أية عمليات إرهابية بعد العام 2016، والتهديد بالعمليات الإرهابية من قبل تنظيم داعش انخفض جداً بعد الهزائم المستمرة للتنظيم في العراق وسوريا، خاصة في منطقة حوض اليرموك؛ في نفس الوقت الذي دخلت فيه البلاد في أتون أزمة اقتصادية خانقة دفعت الدولة إلى تكريس كافة جهودها للخروج منها، ولذلك تراجع ملف مكافحة التطرف العنيف والإرهاب إلى آخر أولويات الأجندة السياسة الداخلية .

أثارت الخطة منذ نشرها عام 2016 ردود الفعل الواسعة؛ منها ما هو إيجابي ومنها السلبي

ولقد أثارت الخطة منذ نشرها في وسائل الإعلام المحلية 2016، في عهد حكومة عبدالله النسور الكثير من النقاش، وردود الفعل الواسعة؛ منها ما هو إيجابي، من حيث إنّها إستراتيجية تشاركية، ويترك أمر تنفيذ أجندتها لوزارة الثقافة (بعد تحولها من وزرارة الداخلية) بالتعاون مع كافة الوزارات والمؤسسات الوطنية والأمنية مع تحديد دور كل طرف. ومنها السلبي، الذي تركز حول نقد مضمون وشكل الإستراتيجية وتوزيع الأدوار، وضعف التنسيق بين الأطراف الفاعلة في الإستراتيجية، والتأخر بتسمية ضباط ارتباط الأطراف لـ(14) شريكة فيها، وعدم حضور الاجتماعات التشاورية لمتابعة بنود الإستراتيجية.

اقرأ أيضاً: العالم يتضامن مع الأردن في تصديه للإرهاب.. ردود الفعل

ويلاحظ بأنّ أهم نقد سلبي  للخطة؛ جاء على لسان حسين هزاع  المجالي، وزير الداخلية (2013-2015) ومدير الأمن العام (2010-2013)، الذي يعتبر من أهم الشخصيات الأمنية التي عملت من خلال "مجلس السياسات الوطني" على صياغة وإعداد الخطوط الأولية للإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف 2014، والدكتور محمد أبو رمان المتخصص في الجماعات الإسلامية والباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للجامعة الأردنية، في ورقة بحثية مشتركة لهما بعنوان (دروس من الحدث: في مكافحة الإرهاب والتطرف) صدرت عن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ونشرت في الصحافة المحلية بتاريخ 23 تموز (يوليو) العام 2016 حينما أكّدا أنّ الخطة "تعاني من صعف شديد في إدراك الأسباب والمداخل التي يتسرب منها الفكر المتطرف، وفي إيجاد روابط قوية متينة بين المؤسسات والوزارات وتنسيق حقيقي لبناء خريطة متكاملة. والادعاء بأنه بالرغم من تأسيس مديرية مكافحة التطرف، إلاّ أنّ التصور الرسمي لهذه المديرية بقي متذبذباً غير مدرك للدور الذي يمكن أن تؤديه على الصعيد المدني، فتم ربطها بداية بوزارة الداخلية، ثم نقلها إلى وزارة الثقافة، ولم تخصص لها موارد حقيقية، ولم تعط نفوذاً للدخول إلى عمل المؤسسات والوزارات المعنية والتنسيق الكامل معها".

تشير وسائل الإعلام إلى أنّ الأردن صدّر العدد الأكبر من المقاتلين مقارنة بعدد السكان وأنّ معظمهم التحق بتنظيم داعش

اليوم؛ يصنف ملف "الإستراتيجية" لعام 2018 في الأردن والذي يتكون من 400 صفحة، والموجود لدى وزارة الثقافة بعد أن تم تحويله إليها من وزارة الداخلية بناءً على قرار من رئاسة الوزراء في عهد حكومة عبدالله النسور 2016 على أنه "سري" ويخضع لإشراف المجمع الاستخباري الأردني؛ وزارة الداخلية ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الأوقاف.

والمعلومات المتوفرة لنا تفيد بأنّه تنفيذاً لهذه الإستراتيجية هناك برنامج ممول بالكامل من "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" للحوار مع المتهمين بقضايا الإرهاب والمتطرفين دينياً في "مراكز الإصلاح والتأهيل"؛ حيث أكّد وزير التنمية السياسية السابق خالد الكلالدة (2015) بأنّ وزارة الداخلية بدأت برنامجاً داخل مراكز الإصلاح والتأهيل للحوار مع من يحملون الفكر التكفيري مع رجال الدين المتخصصين لمناقشتهم بالنصوص الدينية التي يتذرعون بها.

اقرأ أيضاً: الأردن يحبط محاولة عبور داعشين من سوريا.. هذه التفاصيل

وتشير وسائل الإعلام - نظراً لعدم وجود أرقام رسمية موثقة - إلى أنّ الأردن صدر العدد الأكبر من المقاتلين مقارنة بعدد السكان، وأنّ هناك ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف مقاتل معظمهم التحق بتنظيم داعش. وحتى الآن يمنع الأردن عودة المقاتلين الى الأردن وهناك أوامر لحرس الحدود بإطلاق النار على كل من يحاول اختراق الحدود بين الأردن وسوريا والعراق.

يمنع الأردن عودة المقاتلين الى أراضيه وهناك أوامر بإطلاق النار على كل من يحاول اختراق الحدود

وما بين 100 إلى 500 مقاتل، الذين سمح لهم بالعودة بطرق مختلفة، تمت محاكمتهم وسجنهم، وبعضهم خضع لبرنامج "إعادة التأهيل والاندماج" في مراكز الإصلاح والتأهيل.

لكن مشكلة هذا البرنامج أنّ نتائجه ما تزال محدودة، وغير مكتملة، في طريقة التعامل مع المستنكفين عن أفكار التطرف والتكفير، سواء داخل السجن أو بعد خروجهم من السجن وإعادة تأهيلهم، مقارنةً ببرامج عربية ودولية أكثر فعالية، نذكر منها مثلاً:  التجربة السعودية في برنامج مركز محمد بن نايف "المناصحة والرعاية"، الذي يعتبر أقدم وأهم برنامج في الشرق الأوسط وهو برنامج يحظى بتقييم إيجابي بشكل عام، والمقاربة المغربية في سياسة الدمج وهيكلة الحقل الديني. وبرنامج" آرهوس" نسبة إلى مدينة آرهوس في الدنمارك، وبرنامج "الحياة "في المانيا، وبرنامج "توديع الكراهية والعنف"، وهو اسم برنامج اتحادي لمحاربة التطرف كان موجوداً بين عامي 2001 وَ 2014، وهدف إلى مساعدة المتسربين من الجهاديين على الانفتاح على المجتمع، قبل أن يتوقف، ونموذج "مسار" في بريطانيا، وتبنت أمريكا وفرنسا وبلجيكا برامج مماثلة. وهناك برامج مماثلة في سنغافورة وماليزيا.

اقرأ أيضاً: كاتب أردني يكشف نوايا العرموطي بخصوص الحكم الشرعي لمهرجان جرش

وعلى الرغم من التقييم الإيجابي للبرنامج الأردني من قبل الأشخاص، الذين تحدثت معهم، في الأجهزة الأمنية، ووزارة الثقافة، لكن؛ وللأسف الشديد فإنّ النتائج الحقيقية لهذا البرنامج، ليست معروفة لدى الخبراء والمتابعين والدارسين والإعلاميين، وليس هناك شفافية وحرية للوصول للمعلومات حول نتائج هذا البرنامج وإنجازاته حتى الآن.

مشكلة البرنامج أنّ نتائجه ما تزال محدودة وغير مكتملة مقارنةً ببرامج عربية ودولية أكثر فعالية

في النهاية؛ أعتقد بأنّه من الضروري إخضاع البرنامج لمبدأ الشفافية وللتقييم النقدي، والتغذية الراجعة، وتعزيزه بخبراء في علم نفس والسياسة، والاجتماع والشريعة، وأشخاص خبراء في الإرهاب والتطرف العنيف مؤهلين للحوار والنقاش مع حملة الأفكار الإرهابية، وتقييم البرنامج باستمرار، وتسهيل حصول الباحثين والدارسين والإعلاميين على المعلومات اللازمة حوله ضمن إطار المبدأ المعروف "الحاجة إلى المعرفة"، بما يساهم في النهاية في تشارك كافة الأطراف الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مسيرة مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، دون المساس بالأمن الوطني أو الدولي أو كشف أي عمليات استخبارية جارية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية