مَن يدفع إثيوبيا إلى صراع دينيّ بين المسلمين والمسيحيين؟

مَن يدفع إثيوبيا إلى صراع دينيّ بين المسلمين والمسيحيين؟


17/05/2021

المتتبع للداخل الإثيوبي يضع يديه على قلبه خوفاً على مصير أكثر من مئة مليون إنسان، لا يختلفون عن نظرائهم في القارة الأفريقية، من حلم بحياة كريمة، وأمن وطمأنينة، تنهي تاريخ طويل من الفقر والمعاناة في البلد الذي يضمّ تنوعاً عرقياً ودينياً وثقافياً ولغوياً واسعاً.

فبينما تستعر الحرب العرقية في إقليم تيجراي، ومنطقة واللو في إقليم أمهرا، وإقليمي أوروميا وبني شنقول، تفجرت أزمة جديدة عنوانها الصراع بين المسيحيين والمسلمين في العاصمة أديس أبابا، بعد تدخل أطراف داخل الكنيسة الإثيوبية ضدّ إفطار جماعي لمسلمي العاصمة، وقامت الشرطة بفضّه بالقوة، ما أعاد للواجهة أزمة مسلمي إثيوبيا، والنعرة العرقية الدينية للنخب الأمهرية التي تدفع البلاد نحو أتون من صراع عرقي ديني، يهدد بتفكك البلد الهش.

اقرأ أيضاً: هل تؤجج أطماع الأمهرا الصراع العرقي في إثيوبيا؟

في الثامن من الشهر الجاري، الموافق 26 من شهر رمضان، فوجئ منظمو الإفطار الجماعي في ساحة "الثورة" بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، بقوات الشرطة الفيدرالية تهجم على الساحة، وتطلق قنابل الغاز المسيلة للدموع، وتفضّ جمع الصائمين الذين حضروا للإفطار في الساحة العامة.

منعت القوات الفيدرالية المسلمين من الإفطار في ساحة عامة

وكان المنظمون حصلوا على ترخيص من السلطات لإقامة المناسبة الجماعية في الساحة، لكنّهم فوجئوا قبيل أذان المغرب بوقت قليل بهجوم القوات الفيدرالية، التي فضّت جموع الصائمين، ومنعتهم من الإفطار في الساحة، ما أشعل موجة من الغضب بين المسلمين، وخرجت مظاهرات سلمية تندد بالاضطهاد، وأُجبرت الحكومة على الاعتذار.

وذكرت مواقع إثيوبية أنّ الجناح الأمهري داخل الكنيسة الإثيوبية يقف وراء تحريض الحكومة على منع إفطار المسلمين، في خطوة تُفهم في إطار الأهداف الأمهرية لصبغ البلاد بصبغة مركزية، قوامها اللغة الأمهرية والمسيحية الأمهرية.

بحسب ناشطين من مسلمي إثيوبيا، يعاني المجتمع المسلم من انقسام قياداته الدينية، وعدم وجود جبهة موحّدة تعبّر عن مصالحهم الدينية أمام الحكومة الاتحادية

وذكر موقع "Digital Weyane" الإثيوبي، أنّ أطراف أمهرية داخل الكنيسة أرسلت خطاباً إلى السلطات بمنع تجمع المسلمين، واستجابت السلطات، ورصد الموقع انتشار خطاب معادٍ للمسلمين بين كثير من مسيحيي الأمهرا، عقب فضّ الإفطار الجماعي، من بينهم مواطن كتب تغريدة قال فيها: "أديس أبابا ليست إسطنبول الخاصة بك".

ولاحقاً قدمت نائبة رئيسة أمانة العاصمة، السيدة أدانج حبيبي، اعتذاراً رسمياً لمسلمي إثيوبيا عن عدم تمكينهم من الفطور الجماعي بمناسبة ليلة 27 من رمضان، ووعدت بتنظيم إفطار بديل يوم الثلاثاء الموافق 29 من رمضان.

اقرأ أيضاً: لماذا ترفض مصر والسودان الاتفاق مع إثيوبيا على الملء الثاني فقط؟

ويذكر أنّ هناك خلاف حول تسمية الساحة الذي كان من المخطط الإفطار فيها، والتي تسمّيها كلّ قومية باسم، فالمسيحيون الأمهرا يطلقون عليه اسم ساحة "الصليب"، بينما التيجراي يسمونه بساحة "مصكيل أدباباي"، ويطلق الأورموا عليه اسم ساحة "إيريشا" لاحتفالهم بعيد الشكر الذي يحمل هذا الاسم فيه، ويطلق عليه مؤخراً اسم ساحة "الثورة"، ويطلق عليها مسلمو الأورومو تسمية ساحة "العيد"، وهي ساحة عامة مملوكة للدولة، ولا تتبع جهة بعينها، وتشهد مناسبات عديدة للجميع.

تداخل عرقي وديني

ولا يعبر الحادث عن صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين بشكل عام، فمثل هذه الصراعات تأتي في المرتبة الثانية بعد الصراعات العرقية في إثيوبيا، إلى جانب تضامن مسيحي التيجراي والأورومو وبقية القوميات مع المسلمين، بعد أن باتوا جميعاً في مرمى نيران واحدة، تطلقها نخب عرقية الأمهرا، الحكام التاريخيين في زمن الأباطرة.

صورة متداولة لجندي في ساحة الإفطار

وذكر ناشط من مسلمي إثيوبيا، فضّل عدم الكشف عن اسمه، بأنّ جذور المشكلة تتمحور حول البلد الذي يحاول رئيس الوزراء، آبي أحمد، تأسيسه بالتحالف مع قومية الأمهرا، و"يريدون تحويل إثيوبيا من نظامها الفيدرالي الإثني المتعدد، إلى نظام دولة لها دين واحد وهو المسيحية الأرثوذكسية تحت قيادة الكنيسة التي بات الأمهرا يسيطرون عليها، ولغة واحدة وهي الأمهرية، ومن هذا تنبع سياسات الحكومة المعادية للتنوع، سواء العرقي مثل التيجراي أو الديني مثل المسلمين".

وذكر الناشط، في حديثه لـ "حفريات"، أنّه منذ صعود آبي أحمد للسلطة تزايدت الكراهية ضدّ المسلمين، وحرقت مجموعات أمهرية مسيحية أربعة مساجد في إقليم أمهرا، وكذلك حرقوا ممتلكات المسلمين في مدينة موطا في الإقليم، ولم يسلم من بطشهم حتى المسلمون من عرقيتهم.

اقرأ أيضاً: السودان يستعد لمقاضاة إثيوبيا... ما موقف القاهرة؟

وأوضح الناشط أنّ مفهوم المسيحية لدى الأمهرا تحوّل من مفهوم ديني واسع، إلى مفهوم عرقي، فلم يسلم إقليم تيجراي، ذو الغالبية المسيحية، من التدمير، وقتلت الميليشيات الأمهرية والقوات الإريترية العديد من الرهبان، ودمرت كنائس، وأكد الناشط أنّ القضية هي "طمس للهويات المغايرة للصورة الواحدة التي يريد آبي أحمد فرضها على الجميع".

وأكّد رئيس شبكة مستقبل أوروميا، جمدا سوتي، لـ "حفريات"، أنّ متعصبين داخل الحكومة يقفون وراء حادث فضّ الإفطار الجماعي، وكانوا يريدون دفع المسلمين إلى العنف لتبرير حملة قمع بحقهم، لكن قادة المسلمين فوتوا عليهم الفرصة، بدعوة التجمع إلى الانفضاض.

تفتت مسلمي إثيوبيا

وبحسب ناشطين من مسلمي إثيوبيا؛ يعاني المجتمع المسلم من انقسام قياداته الدينية، وعدم وجود جبهة موحدة تعبر عن مصالحهم الدينية أمام الحكومة الاتحادية، ويوجد في البلاد مفتٍ معترف به رسمياً.

ينظم المسلمون إفطارات وتجمعات في مدن مختلفة في البلاد

وذكر الإعلامي جمدا سوتي، أنّ القيادات الإسلامية الدينية توافقت على تشكيل لجنة علماء مؤقتة يرأسها المفتي العام للبلاد، الشيخ حاج عمر إدريس، لتسيير أمور المسلمين لحين تكوين كيان إسلامي جامع.

وأضاف سوتي؛ أنّ الشيخ إدريس تسلم رئاسة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهي أعلى هيئة مستقلة معترف بها من قبل الحكومة، وبذلك توحّد المسلمون، للمرة الأولى، وهناك اتفاق بتكوين هيئة إسلامية جامعة، تكون الممثل أمام الحكومة.

رئيس شبكة مستقبل أوروميا، جمدا سوتي، لـ "حفريات": القيادات الإسلامية الدينية توافقت على تشكيل لجنة علماء مؤقتة يرأسها المفتي العام للبلاد لتسيير أمور المسلمين

لكن الناشط المسلم، الذي تحدث لـ "حفريات"، لا يوافق سوتي هذا الرأي، ويرى أنّ المفتي شخصية موالية للحكومة الفيدرالية، ولم يخرج بتصريح واحد يدين ما حدث للمسلمين في واقعة الإفطار، وكان المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية يحاول إزاحته، وتعيين شخصية تعبّر عن جموع المسلمين ولا تهادن الحكومة، لكنّ الأخيرة تدخلت وأجهضت المحاولة، ونجحت في تولية المفتي رئاسة الهيئة ذاتها.

وتأتي تلك الأحداث، في وقت يضيق فيه المجتمع الدولي الخناق على حكومة آبي أحمد، بسبب جرائم التطهير العرقي في تيجراي، واستمرار القمع السياسي بحقّ المعارضة السياسية في أوروميا، كذلك أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات انسحابها من البلاد، بسبب خلافات حول آليات المراقبة الانتخابية، لكن، بحسب مراقبين، يأتي الانسحاب ليعبّر عن تشكيك أوروبي في نزاهة العملية برمتها في ظلّ الحرب في تيجراي وأوروميا وبني شنقول، وانقلاب آبي أحمد على الديمقراطية.

رئيس شبكة مستقبل أوروميا، جمدا سوتي

وفي السياق ذاته، أجاب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في إحاطته الصحفية بتاريخ العاشر من الشهر الجاري، حول سؤال عن موقف واشنطن من الانتخابات الإثيوبية، بأنّ هناك متطلبات على الحكومة الإثيوبية الإيفاء بها لعقد انتخابات حرة ونزيهة، من بينها؛ احترام حرية التجمع، وحرية التعبير، والمشاركة السياسية، والوصول إلى الإنترنت والمعلومات، وأشار إلى مواصلة العمل مع الحكومة نحو تعزيز التحوّل الديمقراطي، وهي رسالة تعكس فتوراً أمريكياً نحو السلطة في إثيوبيا.

ويبلغ عدد سكان إثيوبيا 110 ملايين نسمة، بحسب إحصاء لعام 2018، حوالي 33% منهم من المسلمين، مقابل 62.8% من المسيحيين، منهم 43.5% من الأرثوذوكس، و18.6 من البروتستانت، وأقل من واحد في المئة من الكاثوليك وغيرهم من الديانات والمعتقدات التقليدية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية