نجيب زاهي زركش.. مسلسل أضاع مقومات نجاحه

نجيب زاهي زركش.. مسلسل أضاع مقومات نجاحه


16/05/2021

في حلقاته الأولى، وعلى الرغم من البطء الشديد في سير الأحداث، غير أنّ الرهان ظل معقوداً على قدرة ثلاثي مسلسلات عظيمة مثل "الخواجة عبد القادر"، و"ونوس"، وغيرها، وهم: الكاتب عبد الرحيم كمال، والفنان يحيى الفخراني، والمخرج شادي الفخراني، في القفز من منطقة الرتابة لتقديم عمل فني فريد يلعب في مساحة كوميدية لايت، يكاد يكون منفرداً هذا الموسم في ظل شح تلك النوعية. 

اقرأ أيضاً: هل دعمت مسلسلات رمضان قضية التنوير؟

مقومات نجاح المسلسل والرهان عليه كانت عديدة، ما بين فكرة خلابة غير مستهلكة تتمثل في عجوز ثري عشق فتاة ليل، ثم اتخذها رفيقة وسيدة للقصر على مدار عقود، وقبل يوم واحد من وفاتها يحقق أمنيتها الأخيرة ويتزوجها، لتكشف له عن سر أنّ لها 3 أبناء لا يعرف أحدهم الآخر، والمفاجأة الأكبر للعجوز أنّ أحدهم ابنه. 

وقد خطف الكاميرا منذ اللحظة الأولى في المسلسل الفنان القدير محمد محمود، من حيث الإمكانيات الفنية التي يملكها، والمظلوم من حيث المساحات التي يلعبها، في دور "لطيف" الذي يقوم أيضاً بدور "الراوي العليم" في قصة نجيب زركش، إذ يتوجه مباشرة إلى الكاميرا ويبدأ في سرد تاريخ للشخصية أو تفصيلة أو تعليق، في فعل يُعدّ مغامرة من صناع العمل، لكنها كانت مغامرة موفقة، تتسق مع حياة زركش وعلاقة عائلته القديمة في السينما، فجاء الحكي في كل حلقة ليقدّم حياة نجيب ذاته كقصة، بحسب تعليق أحد النقاد عبر فيسبوك على تلك الحيلة. 

ومع ظهور الشبان الـ3 بداية من الحلقة الـ3 وهم: إسلام إبراهيم، في دور سعيد، ورامز أمير في دور مسعد، وكريم عفيفي في دور سعد، تمّ كسر الرتابة، وارتفعت الآمال في حق العمل.

أن يتحول سكّير إلى أب مسؤول عقدة ورحلة داخل الذات يجب احترامها لكنها قُدّمت في إطار اللاشيء

وقد بدا من البداية أنّ المسلسل هو من نوعية المسلسلات الذاتية، التي تدور بالبطل في رحلة استكشافية حول ذاته، حين يحدث أمر غير متوقع في حياته، فيبدأ في قلب الأحداث رأساً على عقب. 

ولكان ذلك نموذجياً لو حدث، خصوصاً أنّ مساحات عدة متوفرة كان يمكن العمل عليها، سواء داخل زركش نفسه، العجوز الذي أفنى حياته في شرب الخمر، وظلّ رغم حريته المزيفة قلقاً غير قادر على الفعل أو البوح سوى بذهاب عقله مع الخمر، وفي صحبة طريف الذي يتحول في المساء إلى رفيق كأس وليس مجرد خادم.

وإلى جانب زركش، كانت ثمة شخصية لم تأتِ سوى ومضة، على الرغم من أنّ الأحداث كلها بنيت عليها، وهي شخصية "شفيقة"، التي أدت دورها كضيفة شرف الفنانة هالة فاخر، في حين أنّ تلك الشخصية ثرية للغاية، ولم تكشف أبعاد قرارها بتقديم أبنائها إلى أسر أخرى لتربيتهم، وتتولى مهمة الإنفاق، قبل أن تكتشف أنّ واحداً من أبنائها وهو نفسه كما سيتضح فيما بعد ابن زركش، تم وضعه في ملجأ للأيتام. 

اقرأ أيضاً: مسلسل "الاختيار".. وتعرية الإرهاب

اختارت شفيقة دور العشيقة بدل دور الأم، هل كانت تضحية، هل كان قراراً ينتصر لإرادة قلبها في القرب من نجيب، أم لإرادته في أن يعيش أبناؤها حياة شبه طبيعية بين أسر أخرى، على أن توفر لهم المال اللازم؟ وكيف كان ردّها أو شعورها حين اكتشفت أنّ تلك السياسة أسقطت ضحية زُجّ به في ملجأ سيّئ، وظل فيه حتى أتم أعوامه اللازمة، واستبدله بغرفة على السطح؟

خطف الفنان محمد محمود الكاميرا منذ اللحظة الأولى بإمكانيات الفنية رغم ظلمه بالمساحات التي يلعبها

وإلى جانب ذلك، 3 شخصيات من الشباب المختلفين في النشأة والسمات، تفاعل كل منهم مع التغيرات في ظل سطوة المال والنفوذ من جهة، وحقيقة أصله أو طريقة ولادته من جهة أخرى.

ترك العمل كل تلك الخيوط تنقطع واحداً بعد الآخر بفعل الملل، والرتابة الشديدة، والتردد القاتل عند نجيب، الذي على الرغم من عدم وجود أي موانع مادية في البحث عن نجله، بل واحتضان الـ 3 في قصره منذ الحلقات الأولى، ظلت العقدة الرئيسية للمسلسل أو الذروة والمماطلة في اللحظة التي سيفتح فيها زركش ظرف تحليل الحمض النووي "DNA" لاكتشاف من هو نجله، على مدار أكثر من 15 حلقة، ينتظر المشاهد حلّ عقدة ليست بعقدة من الأساس. 

 ترك العمل خيوطاً مهمة تنقطع واحداً بعد الآخر بفعل الملل والرتابة الشديدة والتردد القاتل عند نجيب

بالطبع تمثل تلك التغيرات عقدة في حياة الشخصية الرئيسية، فكرة الالتزام والأبوّة، أن يتحول سكير إلى أب مسؤول، عقدة ورحلة داخل الذات يجب احترامها، لكنها قُدّمت في إطار اللاشيء، فقدت معناها فيما يحاول نجيب استخدام حدسه لمعرفة من هو نجله، بينما الظرف الذي يحمل الإجابة موجود في درج مكتبه. 

تُعدّ أبرز شخصية تتمنطق أفعالها حتى مع خروجها عن المنطق من وجهة نظر المحيطين، شخصية مسعد اليتيم المأزوم، الذي يرفض أن يقبل المال والقصر والأبوّة المجانية، فيما لا يملك في نفسه ما يستطيع أن يتعايش مع ذلك.

مسعد الطفل الذي يبحث عن الحب، سيجبر نجيب على أن يتعلم صناعته وتقديمه له كي يجذبه، لكن المؤسف أنّ كل ذلك يحدث في بضع حلقات، فيما أنفقت حلقات كثيرة في قهقات دون نص أو معنى وسياق واضح.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية