نظرية "بيكيلا ".. خطوة حافية والتالية بحذاء

نظرية "بيكيلا ".. خطوة حافية والتالية بحذاء

نظرية "بيكيلا ".. خطوة حافية والتالية بحذاء


30/09/2023

 

بلغت الحكاية ذروتها في أولمبياد روما العام 1960 عندما فاز الإثيوبي حافي القدمين بذهبية سباق الماراثون، هذا الفوز أتاح لـ"أديبي بيكيلا" ابن المزارع الفقير من جنوب إثيوبيا الالتحاق بطاقم حراسة الإمبراطور الأثيوبي الأسبق هايلي سيلاسي، فكان أن فعلها مرة أخرى بعد أربع سنوات في أولمبياد طوكيو مُحطمّاً الرقم القياسي، ولكن هذه المرة كان ينتعل حذاءً رياضياً.

 

والحال، إن بيكيلا اكتسب أسطورتيه من لا شيء، ليس فقط لكونه أصبح رمزاً رياضياً كأول أفريقي أسود يتوّج بطلاً في الأولمبياد؛ بل بدت قصته أكثر سحراً حين فاز بذهبية روما عاصمة إيطاليا التي استعمرت جزءاً من بلاده لسنوات قليلة ثم هُزمت هزيمة ساحقة ماحقة في واقعة (عدوة) الشهيرة، ليعود بيكيلا غازياً الطليان بعد ربع قرن من محاولتهم الفاشلة استعمار بلاده وبقدمين ويدين حافيتين.

علينا أن نضع خطوتنا الأولى في مضمار السباق حتى ولو بقدمين حافيتين، فما نحتاجه الآن ليس حذاء بل إرادة قوية وعزيمة

الآن، وفي تلك القرية المرتفعة النائية في الجنوب الإثيوبي، يولد كل يوم عداء أو عداءة من سلالة بيكيلا. ربما، ومع مرور السنوات تغيرت أمور كثيرة في تلك القرية عدا الشغف برياضة الجري، فكانت معظم الإنجازات التي حققها الإثيوبيون على المستوى العالمي في رياضة العدو تبدأ منها وتعود إليها.

نظرية بيكيلا، غاية في البساطة: "ابدأ خطوتك الأولى حافياً، وستجد نفسك في التالية، بحذاء". إنها نظرية مُلهمة في مجالات أخرى كالتنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي، وعلينا أن نفعل ذلك في مجالات عديدة أخرى، فلا نيأس كوننا حفاة وعراة وجوعى وفقراء في السياسة والاقتصاد والثقافة والخدمة المدنية وكل شيء. علينا أن نضع خطوتنا الأولى في مضمار السباق حتى ولو بقدمين حافيتين، فما نحتاجه الآن ليس حذاء بل إرادة قوية وعزيمة لا تلين، ما نحتاجه هو شيء مثل (إرث بيكيلا) يجعلنا نكمل المسيرة حتى لو كنا جوعى أو مرضى، فقد فاز الرجل بأحد السباقات، وهو لم يكمل بعد فترة النقاهة التي تتطلبها عملية الزائدة الدودية وانتصر.

ما نحتاجه هو شيء مثل (إرث بيكيلا) يجعلنا نكمل المسيرة حتى لو كنا جوعى أو مرضى

نظرية "اخطُ خطوتك الأولى حافياً، لتحصل في الثانية على حذاء"، هي ما نحتاج إليه في الوطن العربي برمته، نحتاج لخطوة حافية ضد الفساد، ولمثلها لإصلاح الخدمة المدنية، وثالثة للتنمية والإنتاج والتصنيع والزراعة، ورابعة للتعليم والصحة، وخامسة للبنى التحتية، وسادسة للفكر والثقافة والفن والإعلام والصحافة.. خطوة أولى (حافية) في كل مجال، ثم في التالية ستحصل كل المجالات على أحذية تمكنها من إكمال العدو في المسارات الطويلة والوعرة بنجاح وقوة.
إنه إرث بيكيلا، هذا الذي نراه الآن من العدائين والعداءات في أثيوبيا وكينيا، كلهم/ كلهن، مدينون بطريقة أو أخرى لقدمي بيكيلا الحافيتين.

الذي نراه الآن من العدائين والعداءات في أثيوبيا وكينيا مدينون بطريقة أو أخرى لقدمي بيكيلا الحافيتين

الآن وهنا في الخرطوم، تبدو كل أحوالنا حافية القدمين، فلننظر إلى بيكيلا ونتأمل حكايته، نستلهمها ونعدو إلى الخطوة التالية، ثم ننتظر، ريثما تصبح أحذيتنا جميلة ومصقولة ومريحة وصالحة لإكمال السباق.

لكن، وبطبيعة الحال، لن نحقق ذلك، ما لم ننبذ التطرف الديني والقبلية والتعصب، ونحارب الفساد بلا هوادة ونتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، ونطلق الحريات الأساسية في كافة المجالات الحيوية كالبحث العلمي والفكر والابتكارات والسوق والحركة والتنقل، ونحرر النساء من القيود المفروضة عليهن اجتماعياً بمبررات دينية، وما إلى ذلك من أمور صارت بدهية في كل العالم، فيما ما تزال تشغلنا وتستحوذ على وقتنا كله فنعجز عن السير لو ربع خطوة إلى الإمام.

الصفحة الرئيسية