نيران الكراهية المتصاعدة تحرق خيام اللاجئين في لبنان

نيران الكراهية المتصاعدة تحرق خيام اللاجئين في لبنان


29/12/2020

في صباح اليوم التالي لحريق مخيم اللاجئين السوريين في لبنان، بدأت تنتشر صور للمخيم تناقلها ناشطون ومصوّرون، تُظهر حجم الكارثة التي حلّت إثر الحريق الهائل، لم يترك الحريق شيئاً إلا والتهمه، لم يستطع اللاجئون السوريون حمل أيّ شيء معهم، إذ كان عليهم النجاة بأنفسهم وبأطفالهم، الذين كانوا يرمونهم من فوق سور المخيم قبل أن تصل إليه نيران الحريق.

وكان "مخيم 9"  للاجئين السوريين في منطقة بحنين في المنية، شمال لبنان، شهد ليلة السبت، 26 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، حريقاً هائلاً، بعد أن حاصره مسلّحون لبنانيون، وأضرموا النار فيه.

"مخيم 9"  للاجئين السوريين عبارة عن كرفانات خشبية وشوادر على أرض مسورة ومحدودة الجغرافية؛ وهذا سبب سرعة انتقال الحريق وسهولة انتشاره

وأفادت وكالة الأنباء اللبنانيّة؛ أنّ إشكالاً وقع بين شخص من عائلة تُسمى "آل المير" وعدد من العمال السوريين أسفر عن اشتباك بالأيدي أدّى إلى سقوط 3 جرحى.

كما أشارت الوكالة إلى أنّ الإشكال تطوّر إثر قدوم عدد من الأشخاص المنتمين لعائلة الشخص المذكور سابقاً وإقدامهم على حرق عدد من خيم اللاجئين السوريين في المنطقة.

تحت الرماد

وكان الناشط اللبنانيّ، محمد الدهيبي، من الناشطين الذين وثّقوا معاناة اللاجئين بعد عودتهم للمخيم لمحاولة التقاط أيّ شيء من متعلقاتهم الشخصية من تحت الرماد،  قد روى ما جرى في المخيم من خلال منشور على الفيسبوك، قائلاً: "باختصار.. حصلت المشكلة بمخيم ٩ بمنطقة بحنين، حُوصر الناس على البوابة الرئيسة للمخيم بمجموعة للمسلحين، وحوصروا بالبوابة الخلفية أيضاً، وقطعت أشرطة الكهرباء عن المخيم، وتحوّل كلّ شيء لظلام، صرخ شخص قائلاً "احرقوا الخيم"، فجأة بدأت النار تهبّ، وحاول الناس الهرب ولم يستطيعوا، بدأ الرصاص يطلق بالهواء، وانفجرت عبوات الغاز.. عمّ الرعب المكان".

وأضاف: "بدأوا برمي الأطفال من فوق سور الخفان المحيط بالمخيم، في الوقت الذي بدأت النار تشعل الخيم، وهرب الناس بالبساتين والنساء والأطفال وتشرّدوا عن الرجال، ركضوا حفاة الأقدام بالبساتين وبالوحل، دون أن يحملوا أيّ شيء معهم، ولم يلبسوا أيّ شيء بأرجلهم، بحثنا عن كثير من المخيمات، قصص الأمهات محزنة جداً، الأطفال دون حليب أو حفاضات، كبار السنّ تركوا أدويتهم وهربوا، الناس لجؤوا إلى خيم أخرى، خيم كثيرة وضعها سيّئ جداً، لا يوجد ما يقعدون عليه، ولا بطانيات، ولا حرامات، ولا مخدات، ولا ثياب، ولا ثياب داخلية، ولا أكل، ولا دواء".

"فريق ملهم التطوعي"

كما أطلق "فريق ملهم التطوعي" حملة تبرعات، ونشر على صفحته الرسمية على الفيس بوك: "113 عائلة احترقت خيامها يوم أمس بسبب عنصريّين، ركضوا وأطفالهم في الطين، هاربين من لهيب الحريق، تاركين خلفهم كلّ ما يملكون. من واجبنا الوقوف بجانبهم، وسنسعى من خلال هذه الحملة لتقديم مبلغ ماليّ لكلّ عائلة متضررة في هذا المخيم، تبرّعك ب 100 دولار سيخفف معاناة عائلة لتتمكن من شراء أهم احتياجاتها الآن".

اقرأ أيضاً: لماذا يرفض اللاجئون السوريّون في غزّة دعوة بشار الأسد للعودة؟

كما أعلن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الخيرية تكفّله بتغطية متطلبات اللاجئين السوريين المتضررين من الحريق في منطقة المنية، ودعا فرقه خاصة للبدء بأعمال الإغاثة والتعويض وإعادة المخيم كما كان، وتأمين سكن لائق للمتضررين وكافة المستلزمات.

وعلّق الباحث والأكاديمي اللبناني، ناصر ياسين، عبر سلسلة تغريدات على تويتر، قائلاً: "ما حدث في مخيم المنيّة لللاجئين السوريين، شمال لبنان، ليس حادثاً عرضياً أو فردياً، بل نتيحة ٣ عوامل: أولاً: تحوّل اللاجئ إلى "هومو سوكر" كما يقول "أغامبين"، أو إنسان مستباح جرَّاء خطاب الكراهية المتصاعد منذ سنين، والعقاب الجماعي المتكرر تجاههم من دون محاسبة فعلية".

وأضاف: "ثانياً؛ غياب "الدولة"، وفشلها في مقاربة متكاملة لقضية بحجم أزمة اللجوء، فلزمت الاستجابة للمنظمات والجمعيات والأهالي، هذا ما برحت الدولة تقوم به في كثير من الأزمات والملفات، عندما تنسحب الدولة من مسؤولياتها ويضعف حكم القانون لا نستغرب أن يلجأ أفراد وجماعات إلى تطبيق  قوانينهم الخاصة".

اقرأ أيضاً: ما الأهم في سوريا: تأمين الخبز أم عودة اللاجئين؟

وأردف: "ثالثاً: مع التأزم الاقتصادي والمعيشي الحاد ترتفع حدة  التوترات الاجتماعية بشكل واضح بين اللاجئين ومجتمعاتهم المضيفة، هذه العوامل الثلاثة هي وصفة للانفجار، إذا لم نحسن معالجتها، حكومة ومنظمات دولية، ومجتمعات لبنانية وسورية.

ماذا جرى؟

وحول ما جرى، قال المحلل الاقتصادي السوري، يونس الكريم، لـ "حفريات": "بحسب ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الأكثر مصداقية، الخلاف كان عادياً بين لبنانيين وسوريين، لكنّ الخلفية الحقيقية هي أن الحكومة باتَ خطابها شعبوياً وعنصرياً وطائفياً ضدّ اللاجئين السوريين، لتحميل فشلها وانقسامها وفسادها عليهم، مع العلم؛ أنّ هذا الصدام مع اللاجئين أضاع على لبنان مبالغ مالية ضخمة، سواء من المساعدات الأممية، والأمم المتحدة، أو من الحوالات المالية والمؤتمرات التي تبحث في القضية السورية".

المحلل الاقتصادي السوري يونس الكريم

وأضاف: "ما يحدث اليوم؛ أنّ حزب الله قد تغوّل داخل لبنان، لذلك ترى بعض المواطنين اللبنانيين يجدون في اللاجئ السوري ذريعة للتعبير عن غضبهم من الحكومة، والحريق الذي حدث مؤخراً هو نتاج هذا الاحتقان المتعدد الأسباب".

اقرأ أيضاً: مؤتمر عودة اللاجئين السوريين يلقي باللوم على العقوبات... كيف جاء الرد؟

وتابع الكريم كلامه: "نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية بات بعض اللبنانيين يعمدون إلى تشغيل اللاجئين السوريين مجاناً، وهو ما لم يعد يقبل به اللاجئ السوري، الذي يعيش تحت وطأة خيارين؛ إما العودة إلى سوريا، أو القبول بالإذلال اللبناني، والأخير على دراية بهذه المعادلة، لأنّ الحرب الأهلية اللبنانية ما تزال تتصدر المشهد؛ لذلك يحاول اللبنانيون اليوم مجابهة الأوضاع الاقتصادية على حساب اللاجئين السوريين، بتحميلهم تبعات هذا التردّي أو أسبابه".

العمالة السورية

ويرى يونس أنّ اللبناني يعلم أنه لا يستطيع الاستغناء عن العمالة السورية، ويعلم أهمية القوة الشرائية السورية، واستمرارية العمل في لبنان مرهونة بالأيدي العاملة السورية، وأنّ السوري بات جزءاً أساسياً في لبنان، بحسب تعبيره.

كما يرى يونس أنّ الخلاف بين السوريين واللبنانيين هو اعتبار أنّ السوريين الآن يشغلون حيزاً من إمكانيات لبنان شبه الفارغة والمفلسة، وهذا يشكّل ضغطاً حقيقياً، على اعتبار أنّ لبنان بات كالسفينة، التي لا بدّ من رمي الأعباء التي تمنع أو تعيق اللبناني عن تأمين قوته، بحسب قوله. 

الصحفي السوري مالك الحافظ  لـ"حفريات": حوادث العنصرية والإساءة للسوريين تتزايد في لبنان، ولا يمكن القول إنّ هذه الحوادث لا تنمّ عن عنصرية ممنهجة

وأضاف: "اللبنانيون يرون السوريين جزءاً من هذا العبء، بالطبع نحن نتحدث عن شريحة معينة من اللبنانيين، ترى الأوضاع من هذا المنظور، كما يجد البعض الآخر أنّها فرصة لتعويض الخسائر الاقتصادية المختلفة من خلال دفع اللاجئين الثمن، سواء من اللاجئين، أو حتى ممن يحابون القضية السورية".

وأردف قائلاً: "المخيم بالأصل عبارة عن كرفانات خشبية وشوادر على أرض مسورة ومحدودة الجغرافية؛ وهذا سبب سرعة انتقال الحريق وسهولة انتشاره، نتيجة تلاصق الخيم، وأنها تتضمّن أسطوانات للغاز ومواد قابلة للاشتعال، والحريق جاء كردّ اعتبار للشباب الذين تعرضوا للضرب نتيجة تجاوزهم القانون".

اقرأ أيضاً: سياسات أردوغان العنصرية تحرّض الأتراك ضدّ اللاجئين السوريين

كما أشار كريم إلى غياب القانون، تحديداً في حادثة الحريق؛ إذ بات بعض اللبنانيين يرون أنّ السوري عندما يتجاوز المنطق أو العرف السائد في لبنان، يستطيعون أن يأخذوا حقّهم بيدهم منه وأن يتجاوزوا القانون، الذي لا يحاسب اللبناني عندما يأخذ حقّه من السوري، بحسب تعبيره.

أما الصحفي السوري، مالك الحافظ، فقال لـ "حفريات": "ما جرى ضدّ السوريين في لبنان ليس عنصرية جديدة العهد، السوريون هناك دائماً ما يواجهون أفعالاً عنصرية، يقال عنها في الإعلام اللبناني أنّها أفعال فردية".

الصحفي السوري مالك الحافظ

وأضاف: "لكن، في اعتقادي، فإنّ لها ارتباطات تاريخية تتمثل بالوجود السلبي للجيش السوري في لبنان، إضافة إلى صورة ذهنية مسيئة عن اللاجئ السوري في لبنان، دون وجود أيّ رادع قانوني من السلطات اللبنانية ما دامت سلطات الدولة السورية، التي يفترض أنّها مسؤولة عنهم، لا تلتفت إليهم في لبنان، بل كانت هي السبب في هروبهم إلى ذلك البلد كلاجئين".

وتابع الحافظ حديثه: "حوادث العنصرية والإساءة للسوريين تتزايد في لبنان، ولا يمكن القول اليوم إنّ هذه الحوادث لا تنمّ عن عنصرية ممنهجة في ظلّ عدم وجود دولة حقيقية في لبنان".

اقرأ أيضاً: اللاجئون في اليونان: أطفال يعانون صدمة نفسية وينامون في العراء

أما مفوضية شؤون اللاجئين؛ فهي أيضاً أحد الأطراف المسؤولة، والتي يجب أن توجه له الأسئلة حول الأموال التي تصل إلى لبنان عن طريقهم، دون وجود أيّ تحسّن لواقع الحال بالنسبة للاجئين، فهم ما يزالون في مخيمات متفرقة غير رسمية، وحياتهم معرضة للخطر في أيّة لحظة، دون أيّة إجراءات قانونية تحفظ حقوقهم".

ويحمّل الحافظ الحكومة اللبنانية والسفارة السورية التابعة لحكومة دمشق، وكذلك مفوضية شؤون اللاجئين، مسؤولية ما حدث "جميعهم مسؤولون عن الممارسات العنصرية بحق اللاجئين السوريين في لبنان؛ جرائم قتل، وتعديات، وانتهاكات ضدّ السوريين، وللأسف، ما يزال البعض يعدّها أفعالاً فردية، فإن كانت فردية فعلاً؛ هل يمكن أن نرى موقفاً واضحاً من الحكومة اللبنانية وعناصرها الأمنية وكذلك المجتمع المدني هناك".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية