هكذا كان العرب ضحايا الجيش العثماني في 1914

هكذا كان العرب ضحايا الجيش العثماني في 1914


14/07/2020

بالتزامن مع الأطماع التركية في سوريا وليبيا والعراق، يجري اليوم استذكار نهايات الدولة العثمانية التي تقهقرت نهائياً في العقدين الأولين من القرن العشرين، تاركة آثاراً وجروحاً مسّت العرب أصحاب النزعة الاستقلالية والوطنية في ذلك الزمن؛ إذ أشركتهم بالإكراه في حروبها اليائسة، وصنعت منهم حالةً تاريخية خاصة، بعد أن أجبرتهم أن يكونوا "حلفاء"، وجعلتهم في الآن ذاته ضحاياها، فكيف كانت حياة الجندي العربي في جيش الدولة العثمانية في أواخر أيامها؟

 العربي المنبوذ

أسماها العراقيون بأيام الضيم والهلاك، وذلك العام 1914، حين أعلن السلطان العثماني محمد رشاد فرماناً يُجبر كل الذكور من سن 15 عاماً إلى 45 على الالتحاق بالجيش العثماني، وكان ذلك أمراً يسري على رعايا الدولة، ومنهم العرب.

وابتداءً بالعراق، شكلت قيادات الجيش العثماني مطلع الحرب العالمية في 1914 جيوشاً عديدة، فجندت إجبارياً من العراق "قوة من الجنود العرب قوامها الآلاف، ومعظمهم من غير العسكريين، حيث تم سوقهم إلى جبال القفقاس وقرب الحدود التركية، من أجل مواجهة روسيا آنذاك، وقد تساقطت الثلوج بكثرة في ذلك الوقت، ومات معظم هؤلاء الجنود إلا عدد قليل، إذ دفنوا تحت الثلج، قبل خوضهم أي قتال" وفقاً لمذكرات محمد رؤوف السعودي المولود في العام 1893، في كتابه "مذكرات عراقي".

مذكرات عراقي: أخذ العثمانيون آلاف العراقيين بالإجبار وتركوهم ليموتوا في جبال تركيا البعيدة تحت البرد القارس

أما ما نتج عن موت الجنود، فكان مزيداً من التجنيد والتنكيل بحق العراقيين بحسب ما يقوله الكاتب، كما تركت بيوت الكثير من البغداديين والعراقيين بأطفالها ونسائها الثكالى إلى مصيرٍ مجهول، بسبب عنجهية الجيش العثماني، وجرّه العرب إلى حرب لا دخل لهم فيها.

لم تقتصر هذه المأساة على العراق وحده؛ ففي جدة والمدينة المنورة، جرت مذابح وعمليات قمع عثمانية عديدة، إذ يقول المؤرخ والأديب محمد حسين زيدان وهو من أهل المدينة المنورة، إنّ "القائد العثماني فخري باشا، قام بترحيل أهل المدينة المنورة وطردهم منها، ووضع التجنيد الإجباري كحلٍ وحيد حتى لا يتم ترحيل عائلات الرجال وطردهم ليموتوا في الصحراء دون معيل أو وسائل سفر أو طعام أو مال".

ويضيف المؤرخ في كتابه "العهود الثلاثة" أنّ فخري باشا حين واجه رفض أهل المدينة المنورة لأوامره القمعية قام "بتجويع أهلها وحرمانهم من محاصيل تمرهم ومن الماء وضرب عليهم حصاراً وتسبب في تشريد وموت الكثير منهم"، كما إنّه دمر عائلاتٍ بأكملها.

وغير بعيدٍ عن المدينة المنورة، في فلسطين وقدسها، فإنّ الجرائم العثمانية في فترة "سفر برلك" تجسدت في "طرد الفلسطينيين من بعض قراهم ومدنهم، كما في غزة، ومناطق نابلس وغيرها، واستيلاء الجيش العثماني على محاصيل الناس وقوتهم وترهيبهم، وذلك من أجل دعم الجيش بصورةٍ إجبارية كان عقاب مخالفتها هو التنكيل أو الإعدام" بحسب الكاتب زهير الفاهوم في كتابه "فلسطين، ضحايا وجلادون".

قدم الجيش العثماني العربي للموت وشرد عائلته وحرمه من وجوده

وقد تكرر ما حدث في فلسطين والعراق والمدينة المنورة، في مدن عربية عديدة كدمشق وبيرت وغيرهما، وربما أن شهادة جندي تركي في زمن السفر برلك، تكشف المزيد من الحقائق حول الممارسات العثمانية العنيفة بحق العرب إبان الحرب العالمية الأولى.

شاهد من أهلها

تأتي شهادة الجندي العثماني "سامي ينغين" وهو جندي من أصول تركية، حارب مع الجيش العثماني في سوريا وفلسطين، وحملت مذكراته التي عثر عليها بعد موته، شهادة مطولة نشرت أجزاء منها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"  في العام 2014، إذ يحلل المركز مذكرات ينغين الواقعة ما بين عامي 1914 و1917، حيث "بدا حيادياً، ولم يتطرق إلى التباينات العرقية داخل الجيش العثماني، كما إنه ركز على حياة الجندية بالنسبة للجندي التركي، ولم يتطرق إلى أي خلافات أو قمع من الجيش للأهالي".

الفاهوم: تم طرد الفلسطينيين من قراهم والاستيلاء على محاصيلهم من أجل إطعام الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى

لكن الجندي الشاب، يكشف في مذكراته وبصورة غير مواربة "أنّ عدداً كبيراً من الجنود في تلك المناطق كانوا من الناطقين بالعربية، وعانوا من نقص الحصص الغذائية، والأوامر الصارمة، وكثيراً ما هرب العديد منهم من التجنيد أو الجيش، وقد تسبب ذلك في إعدامهم"، ويذكر ينغين مثالاً على إعدام ثلاثة من الجنود في يافا، وقصصاً أخرى منفردة.

أيضاً، يكشف ينغين أنّ "المحاكم العثمانية في سوريا ولبنان مثلاً، وإن كان بعض مسؤوليها من العرب، إلا أنّهم كانوا فاسدين، وبتغاضٍ من الحكومة العثمانية، حيث كانت أحكام الإعدام للجنود الفارين من الحرب، أو للمعارضين، تتم غالباً دون محاكماتٍ عادلة، بينما أمكن التغاضي عن جنود أتراك أو غيرهم، في حال دفعت عنهم بدلات نقدية كبيرة". كما يعترف الجندي ينغين في نهاية مذكراته، أنه حاول القول خلال مذكراته أنّ العديد من "الجنود الأتراك ظلموا وأجبروا على خوض الحرب وممارسة القمع، وقد مات منهم كثر، لكن ذلك لا يعني إنكار الجرائم والإعدامات التي حدثت في سوريا وما حولها".

 
الخازوق العثماني

هل حقاً نسي العرب الخازوق #العثماني؟!

Posted by ‎حفريات‎ on Tuesday, August 7, 2018

وقد أثرت جرائم السلب، التي شملت ممتلكات ومساكن وحيوات العرب في الحرب العالمية الأولى، على حياة المواطنين في كل مكان، ولم يعد ممكناً في ذلك الوقت، الادعاء بأنّ الدولة العثمانية هي دولة إسلامية حامية لهم، بل إنّ تصرفاتها التي زادت عن حدها طوال عقود، وبلغت ذروتها خلال الحرب العالية الأولى، دفعت العرب في نهاية الحرب إلى إعلان الثورة العربية الكبرى.

الدولة العثمانية، كانت على حافة انهيارها الأخير خلال الحرب العالمية الأولى، وهو ما دفعها لإفراغ كل طغيانها، بحق الشعوب العربية وغيرهم أيضاً، وهو ما تمثل في "مذابح الأرمن" عندما قام الأتراك بعمليات إبادة لمئات القرى الأرمنية في مناطق شرق تركيا.

جندي تركي: كانت المحاكم العثمانية فاسدة وكان الجوع والعطش والإعدام بانتظار الجنود أكثر مما انتظرتهم الحرب

والسبب وراء هذه الإبادة كان محاولة تغيير ديمغرافية هذه المناطق لخشية الأتراك من تعاون الأرمن مع الروس والثوار الأرمنيين، واستخدم الأتراك الأرمن حمالين في الجيش العثماني، ثم قاموا بإعدامهم بعد أن تمَّ إنهاك قواهم البدنية. والأبرز في هذه الإبادة حدث في 1915، عندما قام العثمانيون بجمع المئات من أبرز الشخصيات الأرمنية في العاصمة إسطنبول، ثم إعدامهم في ساحات المدينة، ويقدر عدد ضحايا هذه المجازر من مليون إلى مليون ونصف المليون شخص، من الأرمن الأبرياء، وفق "مركز سمت للدراسات" في 2017.

شهدت الحرب العالمية الأولى عنفاً عثمانياً لا مثيل له ضد العرب والأرمن

ويذكر أنّ الأتراك لاحقاً، قاموا بجرائم أخرى بحق الأكراد وغيرهم، وكان نهجهم خلال الحرب العالمية الأولى نهجاً عنيفاً، لم يقع العرب وحدهم ضحيته، وهو ما تثبته الوثائق التاريخية دون لبس.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية