هل إيران تتغير في الإقليم أم أنّ جديدها مجرد مناورات؟

هل إيران تتغير في الإقليم أم أنّ جديدها مجرد مناورات؟


18/11/2021

 بالرغم من الخطاب الإعلامي الثوري الذي تمارسه أوساط إيرانية، لا سيّما بعد فرض المرشد الأعلى للثورة سيطرته المطلقة على مفاصل الدولة الإيرانية: "الحرس الثوري الايراني، ومجلس النواب، ورئاسة الجمهورية"، بالتزامن مع استفزاز يمارسه الحرس الثوري بدقة وبحسابات عميقة في مياه الخليج وبحر العرب، وفي سوريا والعراق عبر وكلائه، إلا أنّ قراءة أخرى لاتجاهات السياسات الإيرانية "الداخلية والإقليمية" تشير إلى أنّ مخرجاتها تؤكد أنّ إيران "أنجزت"، أو هي قاب قوسين أو أدنى من إنجاز اتفاقية جديدة مع أمريكا والقوى الدولية، وفيما يلي أبرز مؤشراتها:

أوّلاً: قبول إيران بالعودة لاستئناف المفاوضات على صفقة جديدة مع أمريكا في أواخر هذا الشهر، رغم اشتراطاتها المسبقة والمتضمّنة عدم تناول المفاوضات القادمة لأيّ قضايا خارج البرنامج النووي، وتحديداً ملفات التدخل الإقليمي للحرس الثوري، والبرنامج الصاروخي الإيراني، والإفراج عن دفعة من الأموال الإيرانية المحجوزة وفقاً للعقوبات الأمريكية، ورغم أنه من غير الواضح إذا ما كانت استجابة للاشتراطات الإيرانية، إلا أنّ المؤكد أنّ أمريكا لم تستجب لأيّ من هذه المطالب، رغم ما يتردد حول خلافات بين الرئيس الأمريكي مع الدولة الأمريكية العميقة، وخاصة الكونغرس الأمريكي، إضافة إلى المستوى العسكري والأمني.

 

تتطلع إيران لإعادة شكل ومضمون وجودها في العراق، بما يضمن مصالحها، مدركة أنّ ذلك لن يتمّ إلا باتفاق مع أمريكا

 

ثانياً: التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق تجاه الصفقة القادمة، على المستويين: السياسي، والعسكري والأمني؛ فعلى الصعيد السياسي، قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية مقاطعة المبعوث الأمريكي للشؤون الإيرانية، فيما مخرجات الاتصالات واللقاءات السياسية والأمنية بين تل أبيب وواشنطن تؤكد تحفظات إسرائيلية على أيّ صفقة، ما لم تأخذ بعين الاعتبار هواجسها الأمنية، أمّا على المستوى الأمني والعسكري، فبالتزامن مع ضربات إسرائيلية لأهداف إيرانية، داخل إيران وخارجها، كثفت التلويح بالقيام بأعمال عسكرية "حرب" ضد إيران بشكل منفرد، أي بدون دعم من أمريكا أو التنسيق معها.

اقرأ أيضاً: توسيع داعش لنطاق هجماته: هل كان مفاجئاً؟

ثالثاً: التطورات التي يشهدها الملف السوري، حيث تؤكد تسريبات عديدة أنّ إيران سحبت الكثير من ميليشياتها من سوريا، بالتزامن مع استمرار الضربات التي يشنها التحالف الدولي بقيادة أمريكا في مناطق شرق الفرات ضد أهداف إيرانية، وضربات إسرائيلية لقواعد عسكرية ومطارات في سوريا، تستخدمها الميليشيات الإيرانية لتخزين أو تصنيع الأسلحة، وتتزايد الخلافات بين القيادة السورية وقادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وقد تعززت منذ زيارة الرئيس بشار الأسد الأخيرة إلى موسكو، وما طُرح خلالها حول اتفاق على إخراج "القوات الأجنبية" من سوريا، وزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية التي تردد أنّ موسكو جددت خلالها الاتفاق مع إسرائيل على مواصلة الضربات الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا، ويبدو أنّ إعادة شكل ومضمون التواجد الإيراني في سوريا يخضع لحسابات إيرانية جديدة، تتوافق إلى حدٍّ بعيد مع متطلبات الصفقة الجديدة، لا سيّما أنها جاءت عبر إشارات، من بينها عدم الاعتراض على الغاز المصري والكهرباء الأردنية، غير البعيدة عن "إسرائيل"، وأعلن عن التوصل إلى اتفاق إطار على ترسيم الحدود البحرية بين "لبنان وإسرائيل"، علماً بأنّ وفد الدولة اللبنانية في المفاوضات مع إسرائيل يسيطر عليه الثنائي المحسوب على إيران، "حركة أمل وحزب الله".

رابعاً: رغم الأهمية الاستراتيجية للعراق بالنسبة إلى إيران، إلا أنه في ضوء ما يجري في العراق حول الحشد الشعبي العراقي، والمطالب من قطاعات عراقية واسعة بإنهائه، وما تواجهه الأحزاب الموالية لإيران من ضغوطات، لا سيّما بعد خسارتها المدوّية في الانتخابات الأخيرة، بالإضافة إلى ردود الفعل الإيرانية التي اقتصرت على رسائل مشفرة، إلا أنّ مجمل تلك الردود تشير إلى أنّ إيران تتطلع لإعادة شكل ومضمون وجودها في العراق، بما يضمن مصالحها، مدركة أنّ ذلك لن يتمّ إلا باتفاق مع أمريكا.

 

يبدو أنّ إعادة شكل ومضمون التواجد الإيراني في سوريا يخضع لحسابات إيرانية جديدة، تتوافق إلى حدّ بعيد مع متطلبات الصفقة الجديدة

 

خامساً: لعلّ التهدئة الإيرانية مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، عبر سيل من التصريحات التي تشيد بـ"إنجازات" تحققت عبر جولات المفاوضات في بغداد، والاستعداد لبدء جولة خامسة من المفاوضات، تقدّم مؤشراً على استعدادات إيرانية لتحولات عميقة، ربما عزّزتها تسريبات حول زيارة مرتقبة للشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي في الإمارات، رغم الانتقادات الإعلامية للإمارات، على خلفية توقيعها اتفاق سلام مع إسرائيل.

ورغم ذلك، تبقى الرسائل التي تنبئ بتحولات إيرانية مجرّد رسائل، في ظلّ سياسات إيرانية على مدى أعوام تميزت بخطاب إعلامي مزدوج، جعل المتعاملين معها لا يثقون بوعودها، وهو ما يمكن أن يكون مرجعية للتحوّلات الجديدة، لكن من غير الممكن القفز على جملة من الحقائق الجديدة، وفي مقدمتها أنّ الأوضاع الداخلية في إيران على حافة السقوط، نتيجة الأزمات الاقتصادية وتفاعلاتها، وهو ما تؤكده تقديرات إيرانية رسمية، تتزامن مع السيطرة المطلقة التي تحققت للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، بعد إقصائه تيار الاعتدال، وإمساكه بمفاصل الدولة، وهو ما يعني أنّ هناك جديداً في إيران، لا بدّ من التقاطه ومتابعته.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية