هل التفسيرات الدينية مصدر عنف ضد الطفل؟

 هل التفسيرات الدينية مصدر عنف ضد الطفل؟

هل التفسيرات الدينية مصدر عنف ضد الطفل؟


كاتب ومترجم جزائري
14/04/2022

ترجمة: مدني قصري

على هذه الأرض هناك ما يقرب من 86 ٪ من المؤمنين من الديانات مجتمعة. في العديد من الدول يوجِّه الدينُ السلوكَ الاجتماعي ويحتل مكاناً هاماً في الحياة اليومية، بما في ذلك حياة الأطفال.

تعريف الدين

الدين هو مجموعة من المعتقدات والطقوس. وهو يتألف من القواعد والقصص والرموز التي يعتمدها المجتمع، أو المجموعة أو الشخص. ويمكن أن يكون الدين أسلوب حياة و/ أو بحثاً عن إجابات عن الحياة والموت.

تعريف الحرية الدينية: كيف يتم حمايتها؟

الأطفال مثل الكبار، يتمتّعون بحرية اختيار وممارسة دينهم، وهذا الحق محميٌّ بموجب المادة 14 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل: "تحترم الدول الأطراف حقّ الطفل في حرية الفكر والوعي والدين".

كما أنّ الميثاق الأفريقي لعام 1999 بشأن حقوق ورفاهية الطفل، يدافع، في المادة 9، عن حرية الدين للأطفال. يجوز للجنة المعنية بحقوق الطفل ورفاهيته أن تصوغ تقارير بعد إجراء تحقيقات في البلاد. وفي قارة أوروبا، في الـ 47 دولة المكونة لمجلس أوروبا، تحمي المادة 9 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للجميع، الأطفال والكبار، حرية الفكر والدين. فإذا لم تحترم دولة من الدولة هذه الحرية، يمكن إدانتها من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

الحريات الدينية في العالم

إنه مفهوم غير معترف به بالتساوي في العالم؛ حيث لا يملك الناس نفس الحرية الدينية من بلد إلى آخر.

إن الثيوقراطيات (الفاتيكان، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية المالديف، وجمهورية إيران الإسلامية) هي الدول التي يمارس فيها رجال الدين السلطة باسم الله، وحيث تُمنع ممارسةُ أي دين آخر بشكل رسمي و/أو هي تخضع لرقابة صارمة.

يوجِّه الدينُ السلوكَ الاجتماعي ويحتل مكاناً مهماً في الحياة اليومية بما في ذلك حياة الأطفال

في ظل الأنظمة الشيوعية، كانت الممارسة الدينية محظورة. واليوم أصبحت جمهورية الصين الشعبية وكوبا رسمياً دولتين علمانيتين تمارسان إلحاد الدولة. لكن يُسمح بالممارسات الدينية، ولكن مع التحكم فيها عن كثب وتنظيمها.

هناك أيضاً دولٌ ذات دين الدولة. في هذه الحالة، تكون العلاقات بين الدين والدولة قويّة إلى حد ما. وكقاعدة عامة، يُدرج الدين في الدستور، ويتمتع بوضع متميّز. من هذه الدول، على سبيل المثال، الأردن، اليونان وكمبوديا

وأخيراً، هناك العديد من الدول العِلمانية (المحايدة في الموضوع الديني والمستقلة عن أي سلطة دينية). وهذا يهم الأغلبية العظمى من البلدان في العالم، ومنها، على سبيل المثال؛ المكسيك، وتركيا وفرنسا، وإثيوبيا، والبرازيل. جميع هذه البلدان تعترف بالحرية الدينية، وإقامة الفصل بين الكنيسة والدولة.

في العديد من الدول وجميع القارات يمكن أن يكون الدينُ مصدراً للنزاعات والحروب

وفي أنحاء مختلفة حول العالم، يتم التحكم في بعض الأقليات الدينية، أيّاً كانت، ولا يمكن أن تمارس عقيدتَها بحرية. ويطال هذا  أيضاً الأطفال المنبثقين عن هذه الأقليات؛ حيث لا يستطيعون الوصول إلى نفس المدارس، وعندما يكبرون لا يستطيعون الوصول إلى جميع المهن. فهم لا يحظون بالاعتبار من قبل الدولة والمجتمع، ولذلك فهم يعيشون على هامش المجتمع. وفي بعض البلدان، تعتبر الردة (تغيير الدين) جريمة يعاقَب عليها بالإعدام.

الأطفال أول ضحايا النزاعات الدينية

في العديد من الدول، وفي جميع القارات، يمكن أن يكون الدينُ مصدراً للنزاعات، بل للحروب. للأسف، لا يزال الأطفال في كثير من الأحيان ضحايا هذه الصراعات والحروب. وهناك الكثير من الأمثلة حول العالم. في أوروبا، في منطقة البلقان، حتى لو انتهت الحرب رسميا، لا تزال هناك مناطق توتر بين الأرثوذكس والكاثوليك، والمسلمين الذين ما يزالون ضحايا للتمييز.

في أيرلندا، انتهت الاضطرابات ما بين البروتستانت والكاثوليكية رسميا في 10 أبريل 1998، مع صدور اتفاق الجمعة العظيمة، بعد 30 عاماً من الحرب الأهلية التي قُتل فيها أكثر من 3500 شخص، كثير منهم من النساء والأطفال. وفي القوقاز، على أبواب أوروبا وآسيا، يُقتل أشخاص كل يوم في مصادمات رهيبة بين الأرثوذكس والمسلمين، في شيشنيا وداغستان وناغورني كاراباخ.

وفي أفريقيا، في نيجيريا تسبّبت التوترات الدينية بين الشمال الذي يهيمن عليه المسلمون والجنوب المسيحي والإحيائيين (الأرواحيين)، في وفاة عدد كبير منذ عيد الميلاد عام 2011. وفي مصر، يعاني مسيحيو الكنيسة القبطية من التمييز الذي يكون الأطفال أوّل ضحاياه.

المتطرفون الدينيون

في بعض البلدان، يمارس المتطرفون الدينيون تمييزاً قوياً للغاية ضد النساء والأطفال الفتيات. ففي ظل نظام طالبان في أفغانستان، لم يكن بإمكان الفتيات الذهاب إلى المدرسة. وقد تم إلغاء الحظر منذ ذلك الحين، ولكن جيلاً كاملاً من الفتيات الصغيرات حُرمن من التعليم، وهنّ لا يعرفن القراءة ولا الكتابة. بالإضافة إلى ذلك، مَنَع النظامُ اللعب في الشارع، أو الضحك أو الغناء أو الاستماع إلى الموسيقى. لكن حتى لو لم تعد طالبان في السلطة، فإنّ بعض العادات والتقاليد لا تزال قائمة. وفي أماكن أخرى، لا تزال الفتيات يعانين من التشريعات التمييزية.

التفسيرات الدينية مصدر العنف ضد الطفل

غالبية التشريعات الدينية، سواء كانت مسيحية أو إسلامية أو يهودية، تعرّض حقوق الطفل وخاصة الفتيات، للخطر. بعض التفسيرات الدينية المرتبطة بتقاليد الأسلاف يمكن أن تكون مصدراً للعنف ضد الأطفال. وحسبنا هنا الإشارة بشكل خاص إلى التشويه الجنسي والزواج المبكر.

الزواج المبكر أو زواج الأطفال

إنه اقترانُ طفلين، أو كما هو الحال في كثير من الأحيان، اقترانُ فتاة برجل مُسِنّ قد يكون في بعض الأحيان متقدماً جداً في العمر. نجد هذه الزيجات في غالبية أنحاء العالم، ولكنها واضحة بشكل لافت في أفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى)، وجنوب آسيا؛ حيث قِيَمُ العذرية وخصوبة النساء مهمة جداً. والحال أنّ الزواج المبكر لا يوافق عليه أي دين، على الرغم من أن الكثيرين لا يزالون يستخدمون الدين كذريعة لتبرير مثل هذه الزيجات.

في ظل نظام طالبان في أفغانستان لم يكن بإمكان الفتيات الذهاب إلى المدرسة

في غرب إفريقيا المُسلمة، ترتبطُ ممارسةُ "الصداق" (المهر) بعمل ديني بالنسة للآباء الذين يعطون بناتهم إلى أحد الأبرار (أحد أفراد العائلة الدينية) أو أحد أفراد عائلتهم، وهو ما ينجيهم من الذهاب إلى جهنم بعد الموت. ومن المؤكد أن هذه الممارسة إذا تمت من دون موافقة الفتاة، فهي مخالفة للقرآن الركيم.

الختان والتشويه الجنسي باسم الدين

الختانُ هو بتر الأعضاء التناسلية الأنثوية وتشويه الأعضاء التناسلية للفتيات أثناء طفولتهن، وهو ما يتم غالباً في ظل ظروف صحية بدائية. معظم السكان الذين يمارسون تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في أفريقيا هم من المسلمين، لكن هذه الممارسة تنتشر أيضاً عند بعض المجتمعات المسيحية واليهودية. ومع ذلك لا يوجد أي مصدر ديني يذكر أو يدعم هذه العادة.

لا علاقة للختان بالأديان

فالأمر أكثر من مجرد تقاليد مرتبطة بالأسلاف، أو بمعتقدات شعبية، لاسيما وأنّ الختان كان يمارَس بالفعل قبل وصول المسيحية أو الإسلام. ففي الآونة الأخيرة، عارض زعماء دينيون، علناً، هذه التشويهات. هناك على سبيل المثال، السنغال أو مصر؛ حيث يقوم أئمة بتوعية السكان، وبالدعوة إلى حظر ووقف هذه الممارسات الخطيرة والعنيفة.

ولا شك أنّ عواقب الختان مأساوية للغاية. فقد تفارقُ الفتيات الصغيرات الحياة نتيجةً للنزيف أو العدوى، أو يُصَبن بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، أو يُعانين من آلام حادة، مادية، جسدية ونفسية.

مساهمة الدين من أجل الأطفال

الدين مهم جداً للعديد من المجتمعات، فهو يسمح للأطفال بتعلم القواعد الأخلاقية، وتقديم إجابات على أسئلتهم حول الحياة والموت، والعلاقات بين الناس، ومكانة الإنسان على الأرض، ومبادئ الخير والشر.. تقوم الأديان العظيمة على أساس الحكمة، والتضامن والعدالة بين الأفراد. كل هذا يُنقل إلى الأطفال من خلال الأسرة والمدرسة والمجتمع، لكي يصبحوا كائنات حكيمة ومحترمة.

دعم السلطات الدينية لحقوق الطفل

يمكن للسلطات الدينية أن تلعب دوراً مهماً في تحسين تطبيق حقوق الطفل. فبوصفهم أعضاء مؤثِّرين ومحترَمين في مجتمعاتهم المحلية، يمكن للقادة الدينيين أن يشجعوا على إجراءات التنمية وحماية الطفولة. كما لديهم أيضاً التأثير الضروري لوقف الممارسات والعادات، مصدر العنف أو التمييز ضد الأطفال.

في العالم تعمل العديد من الجمعيات الدينية بنشاط على تعزيز وترقية حقوق الطفل والدفاع عنها

يمكن للقادة الدينيين أن يصبحوا فاعلين في الدفاع عن حقوق الطفل. هذا على سبيل المثال، هو الحال في أفغانستان؛ حيث يتم ترقية وترويج تعليم الفتيات من خلال بعض القادة الدينيين. في إثيوبيا، افتتح أسبوع التوعية بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز على يد زعماء دينيين؛ مسيحيين ومسلمين.

في العالم، تعمل العديد من الجمعيات الدينية بنشاط على تعزيز وترقية حقوق الطفل والدفاع عنها، مثل الإغاثة الإسلامية أو الإغاثة الكاثوليكية. وهذا يفسَّر كون أنّ الدفاع عن الطفل وحمايته راسخان كمبادئ فلسفية في معظم الأديان.

اليونيسيف والجمعيات الدينية وحقوق الطفل

تؤكد اليونيسف أنّ "الدين يلعب دوراً حيوياً، وهو في معظم البلدان النامية يشجع على الاندماج في الحياة الاجتماعية والثقافية... عدد ممثلي السلطات الدينية يفوق بكثير عدد العاملين في مجال الصحة. فهم على اتصال أقرب وأكثر انتظاماً مع جميع الفئات العمرية في المجتمع، وتحظى كلماتهم باحترام كبير. وفي المجتمعات التقليدية، غالباً ما تتمتع السلطات الدينية بنفوذ أكبر من نفوذ السلطات المحلية أو قادة المجتمعات الطائفية.

يمكن للسلطات الدينية أن تلعب دوراً مهماً في تحسين تطبيق حقوق الطفل

أصبحت الجمعيات الدينية والجماعات الدينية مجموعة شركاء مُهمّين لليونيسف، من أجل مصلحة الأطفال في جميع أنحاء العالم. وفي البلدان النامية، تتعاون اليونيسف بشكل وثيق مع المجتمعات الدينية - مع الجماعات البوذية والإسلامية، بقدر تعاونها مع مختلف فئات العقيدة المسيحية - التي تهتم عقيدتها بصحة ورفاه السكان، وخاصة الأطفال.

في جميع أنحاء العالم تعمل اليونيسف والجماعات الدينية جنباً إلى جنب لصالح الأطفال في إطار مجموعة واسعة من برامج حقوق الطفل.

هل يختار الأطفال دينهم؟

الدين جزءٌ من الحياة الحميمية للعائلات. يمكن للأطفال أن يكبروا مع والدين من دين واحد، أحياناً يكون أحدهما مؤمناً والآخر ليس كذلك. وهنا يبقى السؤال "كيف يكتسب الطفل معتقدَه الديني عندما يكون الوالدان من ديانتين مختلفين، وكيف يكبر ما بين ديانتين، وفي الأسرة الملحدة؟ وما هو دور الدين في الأسرة؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في تحليل قادم.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

humanium وparents



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية