هل الديمقراطية مهددة بسبب الإصلاحات الانتخابية في الولايات المتحدة؟

هل الديمقراطية مهددة بسبب الإصلاحات الانتخابية في الولايات المتحدة؟


كاتب ومترجم جزائري
11/05/2021

ترجمة: مدني قصري

بعد أشهر فقط من انتصارات الديمقراطيين التاريخية في الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، سنّ حاكمُها الجمهوري، براين كيمب، قانوناً أعاد كتابة القواعد الانتخابية للولاية على نطاق واسع.

لقد أحدث النص ضجّة صاخبة، اتّهم الديمقراطيون ونشطاء الحقوق المدنية والزعماء الأمريكيون من أصل أفريقي الجمهوريين بالتعدّي على الحقّ في التصويت، من خلال السعي للحدّ من التصويت بالبريد، والوصول إلى صناديق الاقتراع، خاصة بالنسبة إلى لناخبين السود الذين يصوّتون تقليدياً للديمقراطيين.

جدل وطني

دانت الشركات الرائدة، مثل Coca-Cola، وDelta، تبنّي القانون، ونقل دوري البيسبول الرئيسي لعبة النجوم 2021 All-Star إلى كولورادو، وذهب الرئيس بايدن إلى حد اعتباره قانوناً أسوأ من جيم كرو، أي قوانين الفصل العنصري تلك التي سنّتها الهيئات التشريعية للولايات الجنوبية، التي كانت تنتمي إليها جورجيا، من أواخر القرن التاسع عشر إلى الستينيات. مبالغة تذكرنا بالغلوّ الحقيقي لدونالد ترامب.

بدورهم، اتّهم الجمهوريون الديمقراطيين باللعب بورقة العِرق، واتّهم بايدن بنشر الأكاذيب، بعد أن فُضح هذا الأخير من قِبل مدقِّقي واشنطن بوست، لتكراره أنّ قانون الانتخابات الجديد قد غيّر ساعات التصويت، وهو أمر غير صحيح. كما تم ذكر بعض الأكاذيب، مثل نهاية التصويت في مطلع الأسبوع، المرتبطة بِبنودٍ نظر فيها الجمهوريون في البداية، ولكن تمّ التخلي عنها في النهاية في النسخة النهائية.

قراءة مفصَّلة لهذا القانون تُظهر كل الغموض والالتباس؛ فهو يضمن وجود صناديق إيداع أوراق الاقتراع (صناديق الإسقاط drop boxes) للتصويت المبكر، التي وُضِعت مع أحكام الطوارئ لعام 2020، في سياق وباء Covid-19، لكنّه يَحُدّ العدد. مثال آخر: يتطلب القانون الآن رقماً تعريفيّاً للأصوات البريدية، ومع ذلك؛ ففي الولايات المتحدة، لا توجد بطاقة هوية وطنية (فيدرالية) ولا يملك أفقر السكان رخصة قيادة بالضرورة.

كان على العلامات التجارية الكبرى أن تختار معسكراً، في مواجهة تهديد المقاطعة، لكن أيضاً في مواجهة ضغط موظفيها ومستثمريها، فستختار المعسكر الذي يلبّي مصالحها على أفضل وجه

لذلك غالباً ما يُنظر إلى قوانين تحديد هُوية الناخبين هذه على أنّها تمييز عنصري بشكل خاص. ومع ذلك، ففي جورجيا، يكفي رقم الضمان الاجتماعي (الذي يمتلكه جميع الأمريكيين تقريباً)، علاوة على ذلك، وعلى عكس ما هو متوقع، تميل الأبحاث الأكاديمية إلى إظهار أنّ قوانين تحديد الهُوية هذه لها تأثير ضئيل، أو غير مُجدٍ على إقبال الناخبين. وهي مدعومة أيضاً من قبل غالبية الأمريكيين، رغم معارضتهم للقيود الأخرى على حقّ التصويت.

ومع ذلك، هناك ثلاثة بنود ذات إشكالية بشكل خاص: تقليص الفترة التي يمكن خلالها للناخب أن يطلب نشرة الانتخاب، وحظر توزيع الطعام أو الماء على الأشخاص الواقفين في الطابور في انتظار التصويت، والأهم من ذلك، الصلاحيات الجديدة الممنوحة لجورجيا (التي يغلب عليها الجمهوريون) لمراقبة اللجنة الانتخابية للولاية (State Election Board)، واستبدال مسؤولي الانتخابات المحليين، هذا البند هو الأكثر دلالة على إساءةٍ كامِنة لاستخدام السلطة، حتى لو كانت هناك بعض الضمانات القائمة.

لفهم الأهمية السياسية لهذا القانون، لا بدّ من تجاوز النصّ والنظر إلى السياق. ووفق الجمهوريين؛ كان هذا القانون المعروف باسم قانون نزاهة الانتخابات لعام 2021 ضرورياً لاستعادة الثقة؛ لذلك، فإنّه يؤكد ضمنياً فكرة أنّ الانتخابات الرئاسية لعام 2020 لم تكن نزيهة. فإذا تمّ التوقيع عليها من قبل الحاكم الجمهوري، بريان كيمب، الذي قاوم مع ذلك ضغوط دونالد ترامب الذي طلب منه عدم الاعتراف بفوز بايدن، فذلك لأنّه كان عليه تلميع صورته من جديد، بعد أن أصبح منبوذاً داخل حزبه، بِحكم، على وجه التحديد، معارضته لترامب في ذروة فترة ما بعد الانتخابات.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تنضم إلى هذه الحملة للقضاء على التطرف

يقع هذا التأكيد الضمني على كذبة دونالد ترامب في صميم إستراتيجية الجمهوريين، والذي يلخصه شعار اجعلوا التصويت أسهل، والغشّ أصعب، لكن، ما هو الغش؟ لقد أثبتت الحقائق بوضوح أنه لم يكن هناك تزوير، في جورجيا أو في بقية البلاد.

يشار إلى أنّ هناك أكثر من 360 مشروعاً مشابهاً، وأحياناً أكثر راديكالية، في 47 ولاية، ومنها مشاريع متقدّمًة جداً خاصة في تكساس، أو أريزونا، أو ميشيغان. هذه الكذبة المستمرة لا تؤدي إلا إلى زيادة الاستقطاب في البلاد: بعد عدة أشهر من ظهور النتائج، فيما كان ترامب يصرّ على أنّ قانون جورجيا لا يذهب بعيداً، كان أغلب الجمهوريين ما يزالون يعتقدون أنّ الانتخابات قد سُرِقت منهم.

تأثير حاسم على العلاقات بين الأعمال والعالم السياسي

يمكن أن يؤدي تسييس العملية الانتخابية هذه أيضاً إلى تسريع إعادة تشكيل التحالفات التقليدية بين عالم السياسة وعالم الأعمال. بالفعل، بعد التشكيك في نتائج انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، ومحاولة التمرد في الكابيتول هيل، أنهت بعض الشركات الكبرى دعمَها المالي للجمهوريين. في جورجيا، كانت الشركات الكبرى، مثل دلتا أو كوكاكولا، اللتين دانتا قانون الانتخابات علناً، قد شاركت مع ذلك وراء الكواليس في تطويره (من خلال إجراء مناقشات مع القادة السياسيين من خلال غرف التجارة)، وأتاحت على وجه الخصوص استبعادَ المقترحات الأكثر إثارة للجدل. وقد وقّع مئات أرباب العمل الكبار مؤخراً، على منبر رأي، في صحيفة نيويورك تايمز، دانوا فيه انتهاكات التصويت في عدة ولايات، بينما امتنع آخرون عن التوقيع.

من مظاهرة أمام مبنى الكابيتول لدعم مشروع قانون مجلس النواب رقم 531 في 8 مارس 2021

إذاً، كان على العلامات التجارية الكبرى، في هذا السياق، أن تختار معسكراً، في مواجهة تهديد المقاطعة، لكن أيضاً في مواجهة ضغط موظفيها ومستثمريها، فسوف تختار المعسكر الذي يلبّي مصالحها على أفضل وجه، قد لا تنجو الصفقة الضمنية بين الشركات الكبرى والحزب الجمهوري (التخفيضات الضريبية وغيرها من القيود) من الموجة الشعبوية المناهضة للمؤسسة التي تطغى على الحزب.

يمكن أن يؤدي تسييس العملية الانتخابية إلى تشكيل التحالفات التقليدية بين عالمي السياسة والأعمال، فبعد التشكيك في نتائج الانتخابات أنهت بعض الشركات الكبرى دعمَها المالي للجمهوريين

فبهذا المعنى تحديداً؛ يجب أن نفهم دعم الجمهوري ماركو روبيو للنقابات في صراعها مع أمازون، أو اتهامات ثقافة الإلغاء (cancel culture) من قبل الحاكم كيمب، بعد نقل لعبة All-Star، أو التهديدات بمقاطعة جورجيا من قبل بعض الشركات، على العكس من ذلك؛ هدّد زعيم مجلس الشيوخ الجمهوري، ميتش ماكونيل، الشركات التي تعارض قانون الانتخابات في جورجيا، بالانتقام إذا لم تبتعد عن السياسة، والمفارقة أنه قضى مسيرته الطويلة في القتال من أجل مشاركة الشركات في الحياة السياسية على وجه التحديد، باسم حرية التعبير التي كفلها التعديل الأول، أما بالنسبة لدونالد ترامب، فهو يدعو أيضاً إلى مقاطعتها.

بالطبع، هذا لا يعني بالضرورة أنّ المؤسسات ستندفع نحو الديمقراطيين، خاصة إذا نَفذّ جو بايدن خطّتَه لزيادة الضرائب على الشركات، لتمويل الاستثمار في البنية التحتية، عالم الأعمال منقسم بالفعل، والنشاط السياسي لأرباب الأعمال مسألة محفوف بالمخاطر.

التهديد الحقيقي للديمقراطية

ومع ذلك، أياً كان الطابع الإعلامي لقوانين الإصلاح الانتخابي هذه، فهي الشجرة التي تخفي الغابة، يعدّ التعديل الحزبي للدوائر الانتخابية (Gerrymandering)، في جورجيا، كما في أيّ مكان آخر، تهديداً موضوعياً أكبر لعمل الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذا تمّ استخدامه من قبل كلا الحزبين، فإنّ للجمهوريين بالفعل إستراتيجية حقيقية، منذ عام 2010، يطلق عليها اسم (REDMAP). يمكن أن يسمح هذا السلاح لهم باستعادة السيطرة على مجلس النواب دون الفوز بصوت إضافيٍ واحد أكثر مما كان عليه الحال، عام 2020، ودون تقييد الوصول إلى صناديق الاقتراع.

اقرأ أيضاً: بعد زلزال ترامب: أين تكمن قوّة الولايات المتحدة في 2021؟

أقرّ مجلس النواب، قبل أسابيع قليلة، مشروع قانون فيدرالي يسمى قانون الشعب For the People Act،  أو H.R.1، والذي يهدف إلى الحدّ من التلاعب في الدوائر الانتخابية، وإلى توسيع حقوق التصويت وتقليل تأثير المال في السياسة، على الرغم من عدم اكتمال مشروع القانون هذا، إلا أنّه يُنظر إليه على أنّه تهديد من قبل الجمهوريين وجماعات الضغط، مثل الملياردير تشارلز كوخ. ومع ذلك، فمن غير المرجّح أن يصبح قانوناً فعلياً، على الأقل طالما أنّ قواعد مجلس الشيوخ تسمح باستخدام الإعاقة (التعطيل) (fillibuster) لمنع تصويتٍ ذي أغلبية بسيطة، حيث إنّ العجز الديمقراطي موجود أيضاً في مجلس الشيوخ.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

theconversation.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية