هل تحرّرت المرأة في الإسلام الصوفي؟

هل تحرّرت المرأة في الإسلام الصوفي؟

هل تحرّرت المرأة في الإسلام الصوفي؟


26/12/2017

إنّ أيّ تطور؛ اجتماعي وتشريعي، يتوخّى تحقيقَ العدالةِ في الحقوق والواجبات بين البشر، أو أيّ تصوّرٍ اقتصادي، ينزعُ نحو إنجاز حياةٍ أفضل، وعالمٍ أكثر أمناً ورخاءً، لا يُمكن أنْ يحدُث بمعزلٍ عن المرأة، كما أنّ أيّ مشروعٍ نهضويّ يستهدف المجتمع، سيحيق به الفشل، ويلحق به الخزي ما لم تسبقه توطئة ضرورية، تُنجز أمرين مهمّين يتلخّصان في رفع الحصار عن النساء، بفكّ أسرهنّ الاجتماعي، وفض (إلحاقيهتن) بالرّجال، وهما بهذا التتالي (الاستتباعي)، يُنجزان– لاحقاً – المُصطلح الشائك والمُعقد بالنسبة للمُجتمعات المُسلمة الموسوم بــ (حرية المرأة).

بلغت مكانة المرأة الصوفية مبلغاً كبيراً مقارنة بنظيرتها السفلية والإخوانية إلا أنّها في العموم لم تُنجز إلّا القليل

نحاول، قدر المستطاع، أنْ ننأى بهذا المقال عن انفعال اللحظة الجدلية الراهنة بين الإسلام المعتدل-الوسطي، والحركي الجهادي السلفي-الإخواني، وأنْ نستهدف بالمقابل، وبشكل مباشر، إنجاز مُقاربات بين خطاب المرأة في الإسلام الذاتي-الصوفي، ونظيره السياسي أو الحركي، المُتعدي للذات إلى الفضاء العام، والمتمظهر بشكل أكثر سطوعاً في الحركتين؛ السلفية والإخوانية.

صحيح، بلغت مكانة المرأة في الصوفية، مبلغاً كبيراً، مقارنة بنظيرتها؛ السفلية والإخوانية، إلا أنّها، رغم انفتاحها ومرونتها النِسبيِّة إزاء حقوق النساء، لم تُنجز إلّا القليل في هذا الصدد؛ إذ ظلت المرأة المُنتسبة لهذا التيار أو المُنضوِية تحت مِظلّتهِ ورعايته، تأتي على الدوام في مرحلةٍ أدنى من الرجل، أو مُلحقة به، بيد أنّها، بلا شك، استفادت كثيراً من قيم التسامح الصوفي على مستوى الحريِّة الشخصية، مثل كيف وبمَ تتزين، ومَنْ تختار شريكاً لمؤسسة الزواج، بجانب السماح لها بمخالطة الرجال والتداول معهم، والخروج إلى الأسواق والسفر والعبادة المنفردة، وحتى (التشيُّخ)، كما في نموذج رابعة العدوية وأخريات.

صورة المرأة في الفكر الصوفي لها موقع أفضل مما هو عند رجال الدين السلفيين والإسلامويين

وصحيح أيضاً، أنّ الخطاب المُنتَج حول وضعية المرأة في الإسلام، يبدو في مجمله مشحوناً بالتمييز والإقصاء والتهميش، لكنّه يفعل ذلك، في الغالب، وفق النصوص الموازية (تفسيرات الفقهاء المتشددين)، وليس بناءً على المقولات التي يستبطنها النص الأصلي (القرآني)، حتى فاقت النصوص (الموازية) نظيرتها (الأصيلة) قُدسيِّة في كثير من الأحايين. لكن قبل الانخراط في سياقٍ شائكٍ ومُعقدٍ مثل هذا، تنبغي الإشارة إلى أمر مُهم للغاية، هو أنّ لهذا الخطاب الإسلامي المتزمت جذوراً في بُنية اللغة التي (تنزّل بها)؛ أي العربية، وهذا ما لاحظه المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، وأورده في كتابه "دوائر الخوف؛ قراءة في خطاب المرأة"، ونقتبس منه، بالإحالة إلى صفحة (36) ما يلي: "ورغم أنّ الوعي لا يتطور بمعزل عن اللغة، ولا تتطور اللغة بمعزل عن تطور وعي الناطقين بها، فإن لكلٍ من نمطي الوعي تاريخه المستقل، ومساره المتميز، وأحياناً ما يتصادم الوعيان تصادماً قد يؤدي إلى تغيير جوهري في بنية اللغة، وقد يفضي إلى انتصار بنية اللغة بوعيها التقليدي على الوعي الجديد".

في الصوفية هناك مريد ومريدة وسالك وسالكة وعارف وعارفة وقد تتصوف الزوجة دون زوجها

والحال، أنّ الناظر إلى صورة المرأة في الفكر الصوفي، لا تفوته ملاحظة أّنّ لها موقعًا أفضل مما هو عند رجال الدين؛ السلفيين والإسلامويين الحركيين، خاصة في المناحي التي تمسّ جوهرها البشري، فهي عند المتصوفة إنسان سويّ وكامل تماماً كالرجل، حتى أنّ لغة الكثير من الطرق الصوفية لا تحتفي بالذكورية، في أي شأن يمسّ المرأة، فيما بلغت أوضاع النساء من منسوبات بعض الطرق الصوفية مكانةً كبيرةً، بإجازة (تسليكها) الطريقة، وأنْ يتولى ذلك شيخ (ذكر)، كما أنّ هناك مريداً ومريدة، وسالكاً وسالكة، وعارفاً وعارفة، وقد تتصوف الزوجة دون زوجها، أو يتصوف الاثنان لا ضير في ذلك.

يقول الشيخ ابن عربي: على المرأة والرجل أن يشتركا في جميع المراتب حتى في القطبية

ويقول الشيخ ابن عربي: "على المرأة والرجل أن يشتركا في جميع المراتب، حتى في القطبية"، وذهب إلى أبعد من ذلك في توقير المرأة، حيث يقول: إنّ "الذات الإلهية مؤنثة، والتوحيد مذكر"، ويستطرد: "إنّ الله نهانا أن نتفكر في ذات الله، وما منعنا عن الكلام في التوحيد"، وهذا يعني قُدسيِّة الذات المؤنثة التي لا يجوز أن يطالها الفكر.

وعليه، فإنّ الخطاب الديني المُتشدّد، إزاء النساء، وعند مقارنته بنظيره الصوفي الأكثر تسامحاً، يبدو مسطحاً وغير واقعي أيضاً، فجلّ النساء، بمن فيهنّ السلفيات المتشددات منهنّ، لن يستمعن إلى خطابات المنع والقهر والإزاحة من الفضاء العام، لربما تلتزم بعضهن بما يسمي "الزي الشرعي"، من ناحية شكلانية، لكنهنّ لن يخضعن لـ "الانتقاب العقلي"، و"الحجاب المكاني والزماني"، إن صحّ التعبير، لجهة أنّه خطاب يستهدف تزييف قضية المرأة، حين يصرّ على مناقشتها من خلال مرجعية النصوص، متجاهلاً أنّها قضية اجتماعية في الأساس، لا تقبل أن تؤخذ على نحو من الخطاب يتحدث عن (مطلق المرأة/ الأنثى)، ويضعها في علاقة مقارنة مع مُطلق الرجل/ الذكر، ثم يُنصّب الأخير في مقام المُهيمن عليها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية