هل تدفع أجواء "عدم الثقة" الحل السياسي في السودان؟

هل تدفع أجواء "عدم الثقة" الحل السياسي في السودان؟


24/11/2021

يُغلف المشهد السوداني أجواء عدم الثقة بين مختلف الأطراف، فالمتظاهرون في الشارع يرفضون الاتفاق السياسي الذي وقّعه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مع قائد الجيش  عبد الفتاح البرهان، والأول الذي يتمسك بوصف ما حدث بالانقلاب العسكري لا يبدو واثقاً تماماً من عدم تكرار المحاولة السابقة أو ترك المجال السياسي له واسعاً، وتنحّي الجيش عن المشهد بحيث يقتصر دوره على الرقابة على المرحلة الانتقالية، كما ورد في الاتفاق، وأخيراً أعلنت واشنطن عن عدم ثقتها في كلّ ما يحدث، واعتبرته ليس كافياً لعودة المساعدات المتوقفة.

اقرأ أيضاً: السودان: هذه أسباب عودة حمدوك إلى منصبه

وقد أعربت دول عدة عن ترحيبها بالاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في السودان يوم السبت الماضي، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، وقالت دول الترويكا (الولايات المتحدة والنرويج وبريطانيا) والاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا، في بيان بحسب موقع "سودان تربيون": إنهم "يرحبون باتفاق إعادة تنصيب حمدوك رئيساً للوزراء في حكومة انتقالية بقيادة مدنية"، واعتبرت تلك الدول أنّ إطلاق سراح المعتقلين السياسيين خطوات أولى حاسمة نحو استعادة الانتقال والنظام الدستوري وسيادة القانون في السودان.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

لكنّ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أبلغ قائد الجيش ورئيس الوزراء السودانيين، في محادثاته معهما الإثنين، أنّ البلاد بحاجة إلى إحراز مزيد من "التقدّم"، قبل أن تستأنف واشنطن صرف (700) مليون دولار من المساعدات المعلقة.

وقال الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس: "إن كانت رسالة بلينكن بشكل أساسي أننا يجب أن نستمر في رؤية التقدم، ويجب أن نستمر في رؤية السودان يعود إلى المسار الديمقراطي...، لكنها ليست أكثر من ذلك"، بحسب ما أوردته صحيفة "بوابة الوسط".

 

بلينكن أبلغ قائد الجيش ورئيس الوزراء السودانيين أنّ البلاد بحاجة إلى إحراز مزيد من "التقدم"، قبل أن تستأنف واشنطن صرف (700) مليون دولار من المساعدات المعلقة

 

وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستئناف المساعدات المالية التي تم تعليقها إثر "الانقلاب العسكري"، أجاب: "إنّ ذلك يعتمد على ما سيحدث في الساعات والأيام والأسابيع القليلة المقبلة".

اقرأ أيضاً: "الإخوان" ومستقبل السودان!

ويرى مراقبون أنّ استمرار أجواء عدم الثقة أو الحذر، رغم ما تضيفه من توتر إلى المشهد السوداني، غير أنها يمكن أن تبقى الضمانة الوحيدة لإنهاء المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات، حيث إنّ كافة الأطراف ستظلّ متأهبة ويقظة لاستكمال خريطة الطريق.

 

لا يبدو الشك أو القلق فعلاً مقتصراً على الشارع السوداني، فالسياسيون السودانيون، وفي مقدمتهم حمدوك، يستشعرون ذلك القلق، وهو ما بدا من تحليل تصريحات حمدوك عقب اتفاقه مع البرهان

 

وينصّ الاتفاق السياسي، الذي أنهى الإجراءات الاستثنائية في السودان، على تأكيد "الطرفين (المدني والعسكري) أنّ الشراكة الانتقالية القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان، وبناء على ذلك اتفقا على إنفاذ الشراكة بثقة، مع الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة (تكنوقراط)".

ونصّ على أن يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية الواردة في المادة الـ8 من الوثيقة الدستورية، دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي، وضمان انتقال السلطة الانتقالية في موعدها المحدد لحكومة مدنية منتخبة، وإدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية (السياسية والمدنية)، والمكوّن العسكري، والإدارة الأهلية، ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية، وقطاعات الشباب والمرأة، ورجالات الطرق الصوفية. والتحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات من إصابات ووفيات للمدنيين والعسكريين وتقديم الجناة للمحاكمة، وتنفيذ اتفاق سلام جوبا، واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه، وإلحاق غير الموقعين على اتفاق السلام.

 

تتمسك القوى الثورية بموقفها الرافض للاتفاق، على اعتباره يضمن هيمنة العسكريين على العملية السياسية في السودان

 

من جهتها، تتمسك القوى الثورية بموقفها الرافض للاتفاق، على اعتباره يضمن هيمنة العسكريين على العملية السياسية في السودان. وقال تجمّع المهنيين السودانيين في بيان، عبر صفحتهم على فيسبوك: إنّ "الاتفاق بين حمدوك والبرهان يُعدّ انتكاسة؛ إذ إنه يسمح للعسكريين بأن يتخذوا القرار ذاته في أيّ لحظة بإنهاء العملية السياسية أو الانقلاب عليها".

اقرأ أيضاً: ما أبرز ردود الفعل الدولية والعربية على اتفاق السودان؟

ويشير تجمّع المهنيين الذي يُعدّ أحد أبرز القوى المنظمة في الثورة إلى أنّ الهدف الآن يتمثل في "إنهاء وصاية العسكر على العمل السياسي عبر المقاومة السلمية، مشيرين إلى أنّ عدم تحقيق ذلك حتى نهاية الفترة الانتقالية، أو قبل ذلك، سيعني تكرار الانقلاب من جديد.

وتابعوا: إنّ البوصلة ليست في موقف حمدوك، ولكن في غايات الشارع في المدنية والعدالة والحرّية والسلام. ودعا التجمّع إلى ضرورة ضمان استمرار الثورة في القواعد الشعبية عبر النقابات واللجان، تحت شعار "#الثورة_نقابة_لجنة_حي".

ولا يبدو الشك أو القلق فعلاً مقتصراً على الشارع السوداني، فالسياسيون السودانيون، وفي مقدمتهم حمدوك، يستشعرون ذلك القلق، وهو ما بدا من تحليل تصريحات حمدوك مع الجزيرة عقب اتفاقه مع البرهان.

اقرأ أيضاً: كيف أعلن البرهان فشل تحركه العسكري في السودان؟

وبحسب ما نقله موقع "سودان تربيون"، فإنّ رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وصف الإجراءات التي نفذها قائد الجيش في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بأنها "انقلاب"، وعزا قبوله بالعودة إلى العمل مجدداً مع العسكريين إلى العبور بالبلاد في اتجاه الحكم المدني.

وقال حمدوك ردّاً على توصيفه ما حدث في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي: "ما تمّ يومها ليس له تعريف آخر، سوى أنه استيلاء على السلطة بطريقة غير دستورية، وفي كلّ الأعراف هو انقلاب".

وبرّر قبوله بتوقيع الاتفاق مع الفريق نفسه الذي انقلب عليه بالحاجة إلى العبور بالبلاد نحو حكم مدني، مشيراً إلى أنّ الخيارات "تظل محكومة بما هو ممكن".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية