هل تصنع جماعة الإخوان انقساماتها؟

هل تصنع جماعة الإخوان انقساماتها؟


17/10/2021

تتفاقم الانقسامات الداخلية داخل الفرع المصري لجماعة الإخوان من أجل السيطرة على قرار التنظيم وموارده، وهو ما أدى بالنهاية إلى قرار من القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير بإحالة 6 من قيادات الجماعة منهم: محمود حسين وهمام علي يوسف ومدحت الحداد...، إلى التحقيق، وقد واجهوه بإعلانهم فصل إبراهيم منير من منصبه، وهذا كله أنتج انقساماً حاداً داخل جسم التنظيم داخل مصر وخارجه، وظهر ذلك بوضوح في رفض قطاع كبير من شباب الجماعة ما يجري في بيان بتليغرام تحت عنوان (هذا ما جناه منير وحسين).

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: صراعات داخلية وانقسامات تضرب الجماعة من تركيا إلى المغرب

يشير البعض إلى أنّ الجماعة يمكن أن تصنع تلك الانقسامات من أجل تمرير جناح على حساب آخر، أو تغيير سياسات بعينها، أو ترويج ضعفها أمام خصومها للعودة بعد ذلك في إطار واستراتيجية مستجدة.

ويعتمد المشيرون لما سبق إلى جملة من المنطلقات؛ أهمها على الإطلاق إيمان الجماعة دائماً بما يُسمّى (العمل المرحلي) استناداً إلى سيرة الرسول والمرحلة المكيّة، التي كان العمل فيها سرّياً ثم تحوله فيما بعد إلى مرحلة علنية، اختلفت جذرياً عن الأولى، التي سمحت بالكمون والسرّية الشديدة والتغيرات السريعة.

في النموذج الإخواني، خاصة فرعه المصري، تختلف حركية التنظيم ما بين (فقه التمكين) و(فقه الاستضعاف) الذي سيسمح بالكمون والتلون وارتداء الأقنعة المختلفة حتى يحين الوصول إلى الهدف.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: مناورات سياسية مكشوفة وانقسامات وملاحقات للتجاوزا

ما سبق يمكن أن يكون تطبيقاً لحالة الإخوان في مرحلة ما قبل العام 2011، حين كان التنظيم يمارس سلطاته التربوية المطلقة على أفراده في أروقته المختلفة، بدءاً من الأسرة حتى مجلس الشورى العام، إلا أنه الآن، وبعد أن فقد جلّ عناصر قدرته وقوته، لم تعد الحسابات من صناعته بل أغلبها خارج إرادته، لذا فالانقسامات هي حقيقية وليست مصنوعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، التالي:

أـ (الفواعل الخارجية)، ونشير هنا إلى الارتباطات مع دول أو شخصيات نافذة، أو اختراقات استخبارية، وتأثير ذلك على قرار الجماعة، وجعلها تعاني من التيه السياسي، والتناقضات بين ما هو وطني أو إقليمي.

تتفاقم الانقسامات الداخلية داخل الفرع المصري لجماعة الإخوان من أجل السيطرة على قرار التنظيم وموارده

ب ـ (الطبيعة البشرية) تجعل التنظيم مصاباً بالأمراض التي تصيب الجماعات مثل:

 1- الخلاف على من يقود، وهو ما جرى عقب اغتيال محمود عزت، فقد سعى محمود حسين لنقل منصب القائم بأعمال المرشد لشخصه، وهو ما يجعله لائحياً وتنظيمياً أعلى سلطة من إبراهيم منير نائب المرشد، لكن واجهت الدكتور حسين مشكلتان: الأولى رفض كثير من الصف لهذا الإجراء، والثانية هي اللائحة التي لا تتيح له ذلك، وقد سعى في تعديلها بالفعل، وكان بعض أعضاء الشورى في الخارج في صفه، لكن لما علت نبرة الغضب الداخلي تراجع مؤقتاً عن تلك الخطوة، ولمّا علم منير بهذا الأمر، سارع بعرض رسالة المرشد محمد بديع التي أوصى فيها بحلمي الجزار خيراً، ورآه مؤهلاً لرأب الصدع واستيعاب الوضع المتأزم هو وإخوانه، وعليه رفض حسين هذا الكلام، وقال إنّ ما أتى من المرشد غير موثق، وهو لا يعلم تفاصيل الخارج، وقد تكون رسالة أمنية، وهنا بدأ الانقسام وفق عبد الرحمن يوسف، المقرب من جماعة الإخوان، على صفحته بالفيسبوك، بإلغاء منير الأمانة العامة ومنصب الأمين العام لمكتب الإرشاد (سكرتير المكتب)، وتشكيل لجنة إدارية جديدة، تم إخراج محمود حسين منها، وهو ما واجهه الأخير عبر أروقة إعلام الجماعة التي يسيطر عليها بالرفض، وتم بعدها إسناد اللجنة الإدارية لمحيي الظايط، ثم رفض حسين تسليم الملفات التي يديرها إلى اللجنة الجديدة، واتهم منير بأنه مخطوف ذهنياً، وأنّ وراءه مجموعة تملي عليه قراراته، وهو ما حدا إلى التحقيق معه، ثم ردّ الأخير على ذلك بفصل إبراهيم منير من منصبه.

2- الخلاف على الملف المالي ورواتب المتفرغين للعمل الإداري، وهو بكل تأكيد عامل كبير يؤدي إلى الانقسام، ولا تستطيع الأفراد مقاومته، وهذا رأيناه في تسريبات كثيرة، ومنها أمير بسام القيادي الذي فضح ما يجري من الرابطة الموجودة بتركيا وتدير التنظيم، أو في مقال المسؤول عن رابطة الطلاب عبد الله عزّت (اسم حركي)، في مقاله (طلاب الإخوان بالسودان يسقط الكفيل).

3- انتشار الشللية، والمجموعات المتنافرة مع بعضها البعض، خاصة في الغربة، وتأثير المجتمع التركي على ثقافة وتعاطي الأفراد مع التنظيم.

ج ـ (انعدام الرؤية الاستراتيجية)، حتى أصبحت الجماعة موزعة بين تيارين رئيسيين؛ أحدهما يؤمن بالعمل الهادئ من أجل العودة إلى ما قبل 2011، والثاني يؤمن بما يُسمّى العمل الثوري المبدع وفق سياسة الإنهاك للنظام المصري، وعدم قدرة أيّ من التيارين على تنزيل منهجه المحافظ أو الثوريّ على الأرض، ممّا أدى إلى خلل مؤسسي وانقسامات حادة.

 الجماعة موزعة بين تيارين أحدهما يؤمن بالعمل الهادئ للعودة إلى ما قبل 2011 والثاني يؤمن بما يُسمّى العمل الثوري

د. (الخلط ما بين الكيان الدعوي والسياسي)، وهي إشكالية إخوانية قديمة متجددة، إذ تعمل الجماعة على محاور عدة، أهمها السياسي والدعوي والاقتصادي والعسكري، وهذا ما يؤدي في الجملة إلى انقسامات أحياناً، وهذا ما تم رصده في قول أحد قياداتهم، وهو إبراهيم فودة: "إنه لا ولن يستطيع أحد كائناً من كان أن يمرر مشروعاً لم ترضَ عنه الجموع من جماعة الإخوان ومؤسساتها الشرعية وعلى رأسها الشورى العام"، وبالطبع المؤسسات الشرعية مختلفة ما بين قوله وقول آخرين، فإبراهيم منير يرى أنه لا وجود لمجلس شورى، وأنّ الباقين من 120 عضواً هم 12 فقط، وفي المقابل ارتأت مجموعة حسين أنّ إبراهيم منير لم يكن عضواً في مكتب الإرشاد، ولا يجوز أن يتولى منصب نائب المرشد.

 هـ ـ (محاولات تجنب الوقوع في فخ العزلة)، وتلك العمليات والخطط والمجهودات التي يقوم بها أفراد التنظيم، خوفاً من هزيمتهم المدوية، عبر أطر كثيرة منها المنظمات الحقوقية على سبيل المثال، تؤدي إلى جملة من الفساد المالي أو الانقسامات في الرؤى.

و ـ (صراع الأجيال)، وهو صراع طويل ومعقّد، مثلها مثل باقي الأحزاب التي تعاني من ذلك، وفي الإخوان كمثال جيل العواجيز والوسط والشباب، ومع طول وقت الهروب والغربة والهزيمة في الداخل تفاقم هذا الصراع ممّا أدى إلى الانقسامات، خاصة مع شعور الكثير من الجماعة وقياداتها أنهم خدعوا من الناحية الإدارية والمالية والسياسية.

ز ـ (قوة التنظيم وضعف الإيديولوجيا)، وفق ما نقله الكاتب عبد الرحمن عياش، في دراسته عن مسارات الإخوان بالسجون، فإنّ هذه القوة قد تراخت على أفراد الجماعة خاصة بتركيا، وطبعاً هذا سيؤدي إلى جملة من الانشقاقات أو الانقسامات.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: دفاع عن الإرهاب وانقسام ومناورات جديدة

ح ـ (المتناقضات التنظيمية)، فجماعة الإخوان حملت أطيافاً فكرية ومناطقية وجيلية متباينة لا يجمعها إلا رباط التنظيم، وهو ما رصده الباحث الراحل حسام تمام بذكاء كيف أنّ التنظيم وليس الإيديولوجيا لعب الدور الأهم في البقاء، إضافة إلى ما حمله من الانفصال بين الممارسة السياسية العملية من جهة، والأفكار المؤسِّسة للإخوان من جهة أخرى، فالجماعة وفق كتابه (تحوّلات الإخوان المسلمين: تفكك الإيديولوجيا ونهاية التنظيم) "تمارس فعلاً سياسياً ينتمي إلى لحظة الدولة الوطنية الحديثة"، في تناقضٍ واضح مع الأطر التربوية والفكرية التي تعكف على "تداول أفكار ونظريات سياسية تنتمي إلى ما قبل ظهور الدولة القومية."

اقرأ أيضاً: ازدواجية الإخوان واعتلال الميزان في قضايا حقوق الإنسان

ط ـ (تأثر الإخوان بالسلفيين)، والعكس، أدى إلى جملة من الانقسامات التنظيمية، خاصة في المناصب التنظيمية، التي ألبسوها لباساً فكرياً، بحجج إيديولوجية، خاصة مع الظروف والسياقات التي يمرُّ بها أعضاء الجماعة والمتعاطفون معها في الغربة بأوروبا وتركيا.

إن كانت الجماعة تصنع اختلافاتها في أحيان كثيرة، فإنها في هذه المرّة دفعتها الظروف المحيطة، ومنها إحباط الهزيمة، والمتناقضات التنظيمية، والفساد المالي والإداري، وصراع الأجيال، إلى انقسامات حادة طالت أعلى المستويات التنظيمية، ودفعت إلى وجود أسئلة حول بقائها من عدمه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية