هل تقترب مصر من حرية تداول المعلومات بعد إلغاء الطوارئ؟

هل تقترب مصر من حرية تداول المعلومات بعد إلغاء الطوارئ؟


21/11/2021

يتجدد أمل الإفراج عن المعلومات في مصر من وقت إلى آخر، ورأى البعض في إلغاء حالة الطوارئ، بما تعكسه من استقرار وتقويض لخطر الإرهاب تنقضي بموجبه الإجراءات الاستثنائية، وإصدار الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان التي تخطط لمساحات أوسع من الحرية وضمانات أكبر لحقوق الإنسان خلال الأعوام القادمة، رأوا فيه دافعاً لتجديد النقاش حول قانون "حرّية تداول المعلومات"، على أمل دفعه إلى خطوات حقيقية.

تجسّدت تلك الآمال خلال ندوة لوحدة دراسة القانون والمجتمع التابعة للجامعة الأمريكية مؤخراً، تحت عنوان: "حلم حرّية تداول المعلومات: من الاستحقاق الدستوري إلى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".

اقرأ أيضاً: "ترانزيت اضطراري".. إلى أين يهرب إخوان مصر في تركيا؟

وقد فتحت الندوة حواراً حول الضرورة التي يمثلها قانون مثل حرّية تداول المعلومات، وآثاره الإيجابية التي تتجاوز مخاطر يمكن تجنّبها بسهولة، فضلاً عن الإمكانيات الفعلية لإصداره، وسط اختلاف في الآراء بين متفائلين يرغبون في دفعه، وفي مقدمتهم الحزب المصري الديمقراطي الذي يُعِدّ حالياً مشروعاً لحرّية تداول المعلومات تمهيداً لعرضه على البرلمان، وبين متشائمين في ظل خبرات سابقة لعبت فيها القوانين دوراً في تقويض المعلومات وليس إتاحتها، مثل قانون تنظيم الصحافة الذي ربط الكثير من الممارسات الصحافية بضرورة الحصول على ترخيص مسبق.

تجسّدت تلك الآمال خلال ندوة لوحدة دراسة القانون والمجتمع التابعة للجامعة الأمريكية مؤخراً، تحت عنوان: "حلم حرّية تداول المعلومات: من الاستحقاق الدستوري إلى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".

الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان، التي صدرت في أيلول (سبتمبر) الماضي، تنصّ في توصياتها لكفالة الحق في حرية التعبير على ضرورة صدور قانون لتنظيم حقّ الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها، لافتة إلى أنّ عدم وجود "إطار قانوني ينظّم الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها، بالرغم من كونه أحد الحقوق الدستورية، يُعدّ تحدياً أمام تحصيل ذلك الحق.

تقول النائبة المصرية الدكتورة مها عبد الناصر خلال النقاش: إنّ مشروع القانون الذي يسعون إلى إعداده وتقديمه يهدف بالأساس إلى إلقاء حجر في المياه الراكدة، ويرضى بتحقيق جزء من الإطار التشريعي الذي يتيح تداول المعلومات في المؤسسات والوزارات التي تُعنى بالمواطن في المقام الأوّل وتعاملاته اليومية؛ أي إنه لا يهدف إلى خوض مواجهة فيما يتعلق بعمل وزارات سيادية، أو معلومات قد تُصنف على أنها تتعلق بالأمن القومي، ويجب حجبها.

تنصّ الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان في توصياتها لكفالة الحق في حرية التعبير على ضرورة صدور قانون لتنظيم الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية

ولفتت إلى أنّ المشروع، الذي ما يزال قيد الإعداد، يسعى أيضاً إلى الاستفادة من توجّه الدولة نحو الرقمنة، ويهدف إلى وضع إجراءات لا تصطدم بالعنصر البشري؛ أي إنّ الحصول على المعلومة في قطاع ما لا يتطلب التعامل مع موظف، والحصول على موافقات وغيرها من الإجراءات البيروقراطية التي ستفرغ أيّ خطوة من مضمونها.

وتابعت: نسعى إلى أن يتمّ كلّ شيء إلكترونياً، بما في ذلك تحصيل الرسوم المطلوبة، إن وجدت، كما نسعى إلى إلزام الوزارات بإتاحة معلوماتها الرئيسية عبر مواقعها الإلكترونية، وتجديدها على نحو دائم، لافتة إلى أنها خلال عملها مع أحد وزراء عهد مبارك، ظلت تعتمد على إحصائية واحدة حول عدد الطلاب على مدار عدة أعوام، دون أن يحصلوا على أيّ أرقام جديدة عن تطور ذلك العدد.

عقبة المعلومات

عادة ما يصطدم الباحثون والصحفيون والعاملون في المجتمع المدني بعقبة إتاحة البيانات والمعلومات، وسط قيود عدة للاطلاع على الوثائق، أو السماح بإجراء استطلاعات رأي، بل يجرّم القانون الحصول على المعلومات بطرق غير رسمية، ونشرها، ولا يرسم القانون سبل الطرق الرسمية، أو يضع عقوبات على من يحولون دون إتاحة المعلومات المطلوبة طالما لا تتعلق بالأمن القومي، علماً أنّ مفهوم الأمن القومي ذاته فضفاض، ويمكن توظيفه في سياقات عدة.

 النائبة المصرية الدكتورة مها عبد الناصر: إنّ مشروع القانون الذي يسعون إلى إعداده وتقديمه يهدف بالأساس إلى إلقاء حجر في المياه الراكدة

لكنّ مشروع القانون الذي ترغب في إعداده هناء، وسبقها من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمشروع يصفه المراقبون بأنه جيد، تمّ طرحه في 2017 ولم يتم صدوره حتى الآن، يأمل في أن يحلّ المعضلة، ولو في جزء منها، بحيث يضمن إتاحة المعلومات التي لا تمثل خطراً، وفي الوقت ذاته تتيح المجال أمام الباحثين والصحفيين لبحثها وقراءتها، والخروج بنتائج وتوصيات منها.

اقرأ أيضاً: من ليبيا الى اليمن... الى الاستثناء المصري

وحتى صدور مثل ذلك القانون، ستظل تلك الفئات وغيرها، كالمستثمرين الذين يرغبون في دراسة أيّ سوق قبل الضخ بأموالهم فيه، عرضة للكثير من العراقيل.

ويُعَدّ محمد صادق خير دليل على ذلك، وصادق هو باحث ماجستير في كلية الآداب قسم التاريخ، جامعة القاهرة، سجّل في العام 2014 رسالته عن النقل النهري للسودان في القرن الـ19، لكنه بعد أكثر من عام من المماطلة والتسويف، اضطُر إلى تغيير موضوع رسالته، بعدما عجز عن الاطلاع على الوثائق التي تفيده في بحثه.

 

عادة ما يصطدم الباحثون والصحافيون والعاملون في المجتمع المدني بعقبة إتاحة البيانات والمعلومات، وسط قيود عدة للاطلاع على الوثائق

 

يقول صادق لـ"حفريات": بعد تسجيل الرسالة توجّهت إلى دار الوثائق بخطاب موجّه من الكليّة بعنوان الموضوع ونسخة من المخطط، وكان المعتاد أن يتمّ الرد على طلبي في فترة تتراوح بين (3) إلى (6) شهور.

ويضيف: بعد تجاوز الـ6 شهور كنت أذهب إلى دار الوثائق بشكل شهري للحصول على الموافقة، وكان الرد أنّ الموافقة لم تأتِ بعد من الجهات الأمنية.

اقرأ أيضاً: مصر: "الإخوان المسلمون" يبحثون عن فتنة طائفيّة

ظلّ الوضع كما هو طيلة عام، بعدها بدأ صادق يلحّ في طلبه أكثر على أمل الاطلاع على الوثائق المطلوبة، فكان يتصل كل أسبوع بالدار أو يتردد عليها، وفي آخر زيارة له صمم على مقابلة أحد المسؤولين، وبالفعل التقى بالموظفة المسؤولة عن طلبه، فنصحته بتغيير موضوع الرسالة، قائلة: بما أنّ الموافقة تأخرت، فيعني ذلك ضمناً أنّ الموضوع مرفوض، من الأفضل ألّا تنتظرها، وأن تغيّر موضوع رسالتك، وبالفعل استجاب الباحث بعد تعطل أكثر من عام.

تباين لافت

وانطلاقاً من مثل تلك الوقائع، ترى النائبة البرلمانية أنّ صدور أيّ قانون، حتى إذا لم يكن أفضل شيء، فهو خطوة مهمّة على طريق تنظيم طرق الحصول على المعلومات، ووضع خطوات وأطر واضحة.

 لا يبدو عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبد الحفيظ متفائلاً

وعلى الجانب الآخر، لا يبدو عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبد الحفيظ متفائلاً. وقد استعرض عبد الحفيظ خلال الندوة قانون تنظيم الصحافة رقم (180) الصادر في العام 2018، الذي يصيبه العوار الدستوري من جهة، ويقيض العمل الصحفي في كثير من بنوده من جهة أخرى، لافتاً إلى أنّ تجربته مع مجلس البرلمان بتركيبته الحالية لا تدعوه إلى التفاؤل، فقد قدّموا بصفتهم مجلس نقابة ملاحظاتهم على قانون الصحافة، ولم يتمّ الأخذ في الاعتبار بأيٍّ منها.

ويشدّد عبد الحفيظ في الوقت ذاته على أهمية وضرورة صدور قانون ينظم تداول المعلومات، خصوصاً أنّ مصر لن تكون أوّل من يصدره، فمثل تلك القوانين راسخة وموجودة في الخارج، وتستطيع بها الحكومات حجب ما يتعارض مع الأمن القومي، لكن ما يحدث في مصر هو حجب أبسط المعلومات التي يحقّ للمواطن معرفتها والوقوف عليها.

اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء المصري يعلق على تعديل اتفاقية كامب ديفيد

 واستمراراً لأجواء عدم التفاؤل بإمكانية صدور مثل ذلك القانون، أو إتاحة ذلك الحق في الوقت الحالي، يقول عبد الحفيظ: إنّ الأجواء الإيجابية عقب إلغاء حالة الطوارئ بقرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، سرعان ما تبدّدت عقب إصدار البرلمان الحالي (3) قوانين تُعدّ تقنيناً لحالة الطوارئ؛ منها: استمرار الجيش في حماية المنشآت العامة، والذي كان يتمّ في الأعوام الماضية بموجب حالة الطوارئ.

من جانبه، لفت الباحث القانوني والمحامي الحقوفي حسن الأزهري إلى وجود تجارب حول قوانين تداول المعلومات في دول عربية، مثل الأردن وتونس، وهي تجارب يمكن أن يستفيد منها المشرّع المصري، خصوصاً أنّ التجربة الأردنية مطبقة منذ نحو (7) أعوام؛ ممّا جعلها تجربة رائدة عربياً. وأثنى الحقوقي أيضاً على مشروع القانون الذي سبق أن أعدّه المجلس الأعلى للإعلام قبل عدة أعوام.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية