هل تنجح أوروبا بالتصدي لأئمة الإخوان وتركيا؟

هل تنجح أوروبا بالتصدي لأئمة الإخوان وتركيا؟

هل تنجح أوروبا بالتصدي لأئمة الإخوان وتركيا؟


02/01/2024

أثارت المظاهرات التي خرجت في الكثير من الدول الأوربية المنددة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وارتكابها مجازر بحق الأطفال والنساء والمدنيين العزل مخاوف الحكومات، التي اتخذت قرارات لمحاصرة قوى الإسلام السياسي داخل المجتمعات، والسيطرة على الجمعيات الإسلامية والمساجد، والتي يمكن أن يديرها أئمة وخطباء متطرفون، يمكن أن يضاعفوا حالة الاحتقان ضد الأنظمة التي دعمت إسرائيل كالنظام الفرنسي والألماني.

هذا، وقررت فرنسا وقف استقدام أئمة من دول أخرى، خاصة المنتمين إلى تنظيم الإخوان المسلمين، اعتباراً من مطلع العام 2024، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان في رسالة إلى الدول المعنية بالملف، طالباً من الأئمة الحاليين تغيير وضعهم ليستطيعوا البقاء في فرنسا. 

وفي رسالة بعث بها إلى العديد من الدول، أعلن دارمانان أنّه بعد الأول من نيسان (أبريل) 2024 لن يتمكن الأئمة الأجانب الذين أوفدتهم دول أخرى من مواصلة الإقامة في فرنسا بصفتهم تلك، فيما اعتبره البعض استهدافاً مباشراً للإخوان المسلمين، الذين يقودون عبر مراكزهم وجمعياتهم عمليات استقطاب وتدريب الأئمة في فرنسا، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ECCI، تناول الخبر في دراسة تحليلية تحت عنوان "محاربة التطرف في فرنسا ـ وقف استقدام الأئمة، الأسباب والمعالجات"، وتطرّق فيها إلى دور المؤسسات الإسلامية في فرنسا في محاربة التطرف، مشيراً إلى تصريحات الرئيس الفرنسي السابقة التي أشار فيها إلى عزمه التصدي لما سمّاها "النزعة الانفصالية الإسلامية"، عبر سلسلة من الإجراءات ضد "التأثيرات الأجنبية" على الإسلام في فرنسا.  

قررت فرنسا وقف استقدام أئمة من دول أخرى، خاصة المنتمين إلى تنظيم الإخوان المسلمين

أمّا برلين، فبسبب حالة الخصوصية التي تتميز بها حيال الحرب المستمرة في غزة، ودعمها لإسرائيل، كان عليها أن تعمل على الحدّ من قوى الإسلام السياسي داخل المجتمع الألماني وتجنّب الانقسامات بين المجتمع، فأعلنت الحكومة الألمانية أخيراً أنّها ستتوقف عن استقبال الأئمّة القادمين من تركيا إلى مساجدها، وتنظيم تدريب وإعداد الأئمّة في ألمانيا وعلى أراضيها وضمن بنية الثقافة والمجتمع الألماني، وفق دراسة نشرها مركز (الحل) الأسبوع الماضي للكاتب صبحي نايل.

وقبل هذا القرار، كان (الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية)، والمعروف بالاختصار "ديتيب"، يستقبل معظم الأئمّة من تركيا، وكانت رواتبهم جميعها مقدمة من الهيئة الحكومية للشؤون الدينية في أنقرة، ممّا يعطي للأمر انقساماً في ولائهم؛ الأمر الذي يمكن أن يأخذ بُعداً سياسياً إلى جانب البُعد الديني والاجتماعي. 

 

المظاهرات التي خرجت في الكثير من الدول الأوروبية أثارت مخاوف الحكومات، التي اتخذت قرارات للسيطرة على الجمعيات الإسلامية والمساجد.

 

وفي السياق، قالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر: "نحتاج وعّاظاً يتحدثون لغتنا، ويعرفون بلدنا، ويدافعون عن قيمنا، وتُعدّ هذه ركيزة أساسية لاندماج ومشاركة الجاليات المسلمة في ألمانيا".

وحسب ما تعلنه فيزر، فإنّ هذا القرار يهدف إلى خروج الأئمة من داخل المجتمع الألماني، ليكونوا على وعي بتكوينه، فمن بين (1100) إمام يعملون في ألمانيا هناك فقط (110) يتحدثون الألمانية، ومن الضروري أن يكون لهذا دورٌ في الانقسام داخل المجتمع الألماني، حيث تنغلق مجموعة ما داخل نفسها وتصبح غير مؤهّلة للاندماج الاجتماعي، وهو أمر يهدد أيّ مجتمع يهدف إلى الاستقرار والاتزان.

وكان هناك نقاش سابق حول انتماء الإسلام لألمانيا أو لا في عام 2010، ورأت الحكومة أنّ الإسلام لا ينتمي لألمانيا؛ ومن ثم ظهرت محاولة لتقديم نسخة ألمانية من الإسلام، أو ما يمكن أن نسميه ألمنة الإسلام بمعنى ما، وجاءت هذه المحاولة بمعنى ما ردّاً على أسلمة ألمانيا؛ وتهدف هذه المحاولات لألمنة الإسلام ليكون متّسقاً مع التوجهات القانونية والدستورية والأخلاقية العامة في ألمانيا، المفترض أنّها قيمٌ عالمية.

 

وزيرة الداخلية الألمانية: نحتاج وعّاظاً يتحدثون لغتنا، ويعرفون بلدنا، ويدافعون عن قيمنا، وتُعدّ هذه ركيزة أساسية لاندماج ومشاركة الجاليات المسلمة في ألمانيا

 

ووفق تقرير لمركز (الحل)، فإنّ وجود أئمّة مموّلين من قِبل الحكومة التركية لهم دور في تحديد إطار المجتمع وتوجهاته، يهدد ألمانيا ووحدة المجتمع الألماني، خاصة أنّه من المعروف عنه أنّه من المجتمعات التي يحظى فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنسبة كبيرة من المؤيدين، وهذا لا يمكن عزله عن وضع الأئمّة بوصفهم معيّنين من قبل الحكومة التركية نفسها ويأخذون رواتبهم منها، والتوجهات السياسية لهؤلاء الأئمة ليست متناسبة مع التوجهات السياسية للحكومة الألمانية.

مشروع مسجد كولونيا في كولونيا

وفكرة وجود أئمة أو خطباء ينتمون إلى دولة ما داخل دولة أخرى في حدّ ذاتها تعني وجود تهديد للدولة الحاضنة، ولعل هذا ما انتبهت إليه ألمانيا، خاصة في الأحداث الجارية التي تضعها في حالة تأهب واستعداد.

وفي دراسة جديدة لموقع (تريندز) بعنوان محاربة التطرف في أوروبا... إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي"،  شهدت دول أوروبا خلال الأعوام الأخيرة جدلاً كبيراً بين الأوساط الأمنية والسياسية، كيف يكون الإسلام ملائماً للبيئة الأوروبية؟ خصوصاً عقِب موجات الهجرة خلال عام 2015، بعد تهديدات الإسلام السياسي والجماعات الإسلاموية المتطرفة. 

وكان هناك شبه إجماع لدى الحكومات الأوروبية على ضرورة أن تكون هناك معاهد وجامعات أوروبية تتولّى تدريب الأئمة وفق المعايير الأوروبية، نظراً لأنّ ذلك يُعدّ أفضل من استقدامهم من الخارج.

 

فرنسا أشارت إلى عزمها التصدي لما سمّتها "النزعة الانفصالية الإسلامية"، عبر سلسلة من الإجراءات ضد "التأثيرات الأجنبية" على الإسلام على أراضيها

 

ووفق الدراسة، رأت دول أوروبا أنّ الأئمة لهم دور كبير في تعليم النشء الإسلام الصحيح، الذي لا يقوم فقط على الشريعة الإسلامية، بل يقوم أيضاً على سلوكيات المسلم وحق المواطنة في أوروبا والتعايش السلمي داخل المجتمعات الأوروبية. وبدون شك، رغم أنّ هذه الخطوة جاءت متأخرة لكنّها ضرورية، كونها ضمنت للطلاب في برامج التدريب بألّا يكونوا تحت تأثير الدول التي تتعهد بإرسالهم إلى أوروبا وتتكفل بمعاشاتهم. وترى الأوساط الأوروبية أنّ هذه الخطوة تساهم في الحد من التطرف بين أوساط الشباب المسلم الذي يعيش في أوروبا، والذي يتأثر كثيراً بخطاب الأئمة على المنبر، لكن يبقى التحدي أمام الجامعات والمعاهد الأوروبية، وكيفية الموازنة بين الفقه والشريعة من جانب، وبين سلوكيات ومتطلبات المواطنة في المجتمعات الأوروبية من جانب آخر.

وغالباً ما تعتبر وظيفة الإمام أو "الإمامة" المدخل الأكثر فعالية لتنظيم المجتمعات المسلمة، كما يشير البروفيسور ويلموت بويندر، من جامعة فريجي أمستردام، في مقال نُشر مؤخراً في مجلة الأديان: "يُنظر إلى الأئمة في أوروبا على أنّهم بناة جسور محتملة بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات ذات الأغلبية العلمانية...، إذا كانوا يمتلكون المهارات المناسبة للقيام بذلك"

ُيُنظر إلى الأئمة في أوروبا على أنّهم بناة جسور محتملة بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات ذات الأغلبية العلمانية

ووفقاً للبروفيسور بويندر، فإنّ ذلك لا يعني فقط السيطرة على المصادر الدينية الإسلامية والتقاليد الأخلاقية القانونية وتوجيهات الطقوس - التي توفر لهم "السلطة المعرفية" - ولكن أيضاً الإلمام بالهياكل الاجتماعية والأطر القانونية والعادات واللغات المحلية من المجتمعات الأوروبية.

يُذكر أنّ أغلب الأئمة الوافدين إلى أوروبا هم من دول ذات أغلبية مسلمة، مثل تركيا والمغرب والجزائر ومصر وغيرها من الدول، التي تنتشر بها بعض الأفكار والتوجهات المتشددة لبعض الأئمة، فضلاً عن وجود بعض التوجهات السياسية.

وكانت الدول الأوروبية خاصة ألمانيا وفرنسا قد أعلنت منذ عام 2018 أنّها ستموّل برامج تدريب الأئمة في عدد من الجامعات الحكومية بهدف دمج المسلمين والحد من توسُّع التطرف والإرهاب من الداخل. وتسعى برامج تدريب الأئمة التي ترعاها الحكومات الأوروبية لمعالجة مشكلة التطرف من جذورها، من خلال تدريب الأئمة على تعليم "الإسلام الأوروبي"، والمقصود بالإسلام الأوروبي هنا التعايش السلمي، وعدم رفض الآخر، إلى جانب أركان الدين الإسلامي الثابتة.

مواضيع ذات صلة:

فرنسا توقف استقدام أئمة أجانب اعتباراً من مطلع 2024... ما التفاصيل؟

ألمانيا تتخذ قراراً يتعلق بالأئمة المرسلين من تركيا.. ما تفاصيله؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية