هل تنضم الرياض إلى محور تطبيع العلاقات مع النظام السوري؟

هل تنضم الرياض إلى محور تطبيع العلاقات مع النظام السوري؟


09/05/2021

في ظلّ الأنباء المتواترة بخصوص انعقاد لقاء في دمشق بين مسؤولين سعوديين وآخرين سوريين، والذي من المتوقّع أن يسفر عن انفراجة في العلاقات بين البلدين، بعد القطيعة الدبلوماسية التي حدثت، في آب (أغسطس) عام 2011، يبدو أنّ هناك اتجاهات متزايدة نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإيجاد مقاربة جديدة للتعاطي معه، بهدف محاصرة النفوذ الإيراني، لا سيما بعد تغوّل نفوذ الأخيرة، خلال العقد الفائت، إثر قطيعة الدول العربية لسوريا، وتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية، في 12 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2011، ومطالبتها تأمين الدعم والحماية للمدنيين.

التقارب السعودي السوري

وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، فقد زار رئيس المخابرات السعودية، خالد حميدان، دمشق، والتقى نظيره السوري، الإثنين الماضي؛ وهو اللقاء الأول الذي من المحتمل أن يؤدي إلى تدشين فصل جديد في العلاقات بين الرياض ودمشق، وإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، بعد عيد الفطر.

 ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤول سعودي، لم يكشف عن هويته؛ أنّ "هذه الزيارة تم التخطيط لها، منذ فترة طويلة، لكنّ تفاصيل دقيقة حالت دون القيام بزيارات مماثلة، غير أنّه تبعاً للتغيرات الإقليمية، فسوف تكون الزيارة بمثابة افتتاح لعودة العلاقات بين البلدين".

وثمّن السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم، الموقف السعودي، وخطوة الرياض الأخيرة باتجاه سوريا، معتبراً أنّها "خطوة في صالح العلاقات العربية العربية". وتابع: "سوريا ترحّب بأيّ مبادرة فيها مراجعة مسؤولة لأنّها حريصة على أشقائها، والسعودية دولة شقيقة وعزيزة، وأيّة خطوة في صالح العلاقات العربية العربية سوريا ترحّب بها".

ثمّن السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم، الموقف السعودي، وخطوة الرياض الأخيرة باتجاه سوريا، معتبراً أنّها "خطوة في صالح العلاقات العربية العربية"

وتعدّ تصريحات السفير السوري في لبنان التعليق الأول الذي يخرج من مسؤول رسمي سوري، حول هذه الأنباء المتداولة؛ حيث أوضح أنّ "كثيرين يعيدون النظر بموقفهم من سوريا، وهذا يؤكد صوابية موقفها، سوريا ترحّب بكلّ المبادرات التي تريد الوصول إلى أمان أكثر لبلدانهم، وطبعاً هي صاحبة مصلحة في تصويب أيّ شقيق، أو بلد كانت له مواقف في الاتجاه الخاطئ عندما يعيد النظر فيها".

استعادة دمشق للحاضنة العربية

وبينما لم يصدر عن السعودية أيّ تعليق رسمي، حتى الآن، لكن يبدو أنّ المملكة، بحسب مراقبين، بصدد الالتزام بسياسة جديدة باتجاه سوريا، تعمد إلى خفض التصعيد، ومحاولة دعم استعادتها للحاضنة العربية، مثلما فعلت الإمارات، قبل نحو شهرين، وهو ما يتطابق وتصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، مطلع الشهر الماضي نيسان (أبريل)، حيث قال إنّ الرياض تطالب "حكومة بشار الأسد أن تتخذ الخطوات المناسبة لإيجاد حلّ سياسيّ؛ لأنّ هذا هو السبيل الوحيد للتقدم في سوريا".

وأكّد وزير الخارجية السعودي؛ أنّ التهدئة في سوريا إنّما "تتطلب حلاً وسطاً من قبل الحكومة السورية، وتضافر جهود الحكومة والمعارضة حتى نتمكن من المضي قدماً في عملية سياسية".

الكاتب والباحث السعودي محمد الحربي لـ"حفريات": المملكة تسعى إلى إيجاد تسوية سياسية في سوريا، ثم النظر إلى التفاصيل الأخرى المرتبطة بإشكاليات الدستور وغيرها

واللافت أنّ تلك المعلومات المتداولة، تتزامن وتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مؤخراً، والتي كانت مخالفة للنبرة الحادة والتقليدية باتجاه إيران، الخصم الإقليمي الأبرز، حيث قال إنّ "إيران دولة جارة ونطمح أن يكون لدينا علاقة مميزة معها، لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بل على العكس نريدها أن تكون مزدهرة وتنمو"، وهو الأمر الذي عقّب عليه الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، بأنّ الرياض وطهران "بإمكانهما وضع خلافاتهما السابقة جانباً ودخول فصل جديد من التفاعل والتعاون من خلال الحوار البنّاء".

اقرأ أيضاً: إخوان سوريا... رفض الانتخابات الرئاسيّة ذريعة للسّير بمشروع تقسيم سوريا؟

وتابع بن سلمان: "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران، سواء من برنامجها النووي، أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج صواريخها الباليستية".

ضرورة التسوية السياسية في المنطقة

كما ألمح ولي العهد السعودي إلى خطواته لإيجاد حلول للأزمات القائمة، وقال: "نعمل اليوم، مع شركائنا في المنطقة وفي العالم، لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات، ونتمنى أن نتجاوزها، وأن تكون علاقة طيبة وإيجابية فيها منفعة للجميع".

الكاتب والباحث السعودي المتخصص في الدراسات الإستراتيجية والعلوم السياسية محمد الحربي

ومن جانبه، يرى الكاتب والباحث السعودي، المتخصص في الدراسات الإستراتيجية والعلوم السياسية، محمد الحربي، أنّ الوضع في سوريا يبدو معقداً للغاية، خاصة أنّ الخريطة في سوريا باتت مقسمة بين عدة قوى وأطراف إقليمية ودولية، بالتالي، فإنّ "المملكة تسعى إلى إيجاد تسوية سياسية، ثم النظر إلى التفاصيل الأخرى المرتبطة بإشكاليات الدستور وغيرها".

اقرأ أيضاً: مَن ينقذ الأطفال في سوريا؟

وفي حديثه لـ "حفريات"، يلفت الكاتب والباحث السعودي المتخصص في الشؤون الإستراتيجية والعلوم السياسية، إلى أنّ حلحلة الموقف باتجاه سوريا بدأت مع زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى الإمارات ثم السعودية وبعدهما قطر؛ وهي الزيارة التي أعقبها إعلان أبو ظبي لمبادرتها بخصوص عودة دمشق إلى المحيط العربي، وإيجاد حلول سياسية، عملية وجادة، للأزمة السورية، ومن ثم، فإنّ الموقف السعودي لا يخرج عن هذه الرؤية، كما جاء المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، في زيارة مماثلة للمنطقة، بهدف دعم هذا الاتجاه المهم في الملفّ السوري المركب، حيث إنّ هناك ثوابت ومتغيرات في الأزمة السورية، تتحكم في المواقف، ويتعيّن على الجميع الانتباه إلى مخاطر الهيمنة الخارجية على سوريا، وهو أمر يحتاج لمراجعة وإعادة نظر.

المساعي الدبلوماسية لتحييد نشاط إيران

ويؤكد الدكتور أحمد الباز، الباحث المصري في شؤون الشرق الأوسط، أنّ غالبية الدول العربية لم يعد لديها مانع بشأن عودة العلاقات مع سوريا، أو السماح لسوريا بالعودة لجامعة الدول العربية، وذلك في ظلّ التحولات التي شكّلت المنطقة بفعل الثورات، وتمكن الإرهاب، لاحقاً، من الخاصرة العربية، موضحاً لـ "حفريات"؛ أنّ "الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع سوريا قد اكتشفت، لاحقاً، أنّها بذلك مهدت الأرض كي تتمكّن إيران تماماً من سوريا على مستوى الاجتماع والسياسة؛ وهي الخطيئة التي تتشابه مع خطيئة الولايات المتحدة في قرارها بغزو العراق، ما مهّد الأرض لاستقرار النفوذ الإيراني هناك".

اقرأ أيضاً: أنصار تركيا شمال سوريا غاضبون لهذه الأسباب

وبالعودة إلى زيارة الوفد السعودي إلى سوريا، فإنّ هذه الزيارة لا تبتعد كثيراً عن إيران، أولاً، وعن إعادة ضبط سياسات الإقليم، ثانياً، بحسب الباز؛ إذ إنّ الرياض ترى في بشار الأسد "أمراً واقعاً وأنّ الحلّ ربما يكون في عملية اقتراب من دمشق، بحيث تضمن تخفيف النفوذ الإيراني هناك، وبالتبعية، التوصل لحلّ الأزمة السورية التي طالت كثيراً".

الباحث المصري في شؤون الشرق الأوسط أحمد الباز

ويرجّح الباحث المصري؛ أن يكون هناك "ثبات لحسن النوايا وتحفيز لبشار الأسد نحو الاهتمام بحلّ سياسيّ؛ وذلك عبر عمل السعودية على إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية"، ويتابع: "وفي ظلّ الخطوات التي تخطوها إيران والسعودية نحو بعضهما، مؤخراً، فإنّ الرياض ستكون مهتمة بألا تترك ميداناً قد تمارس فيه طهران نفوذاً بشكل يعطل هذه المساعي، خصوصاً أنّ الرياض معنية في الوقت نفسه بإنهاء الحرب في اليمن، بشكل يضمن تحييد اعتداءات الحوثيين، وضمان وجود حكومة لا يكون للحوثيين النفوذ الأكبر فيها".

اقرأ أيضاً: سوريا.. سيناريوهات الانتخابات الرئاسية بعد عقد من الحرب

بالتالي؛ فإنّ المقاربة السعودية تسير "بشكل أفقي"، بحسب المصدر ذاته، وتتمثل في "التحوّل نحو تفعيل أو تجريب المساعي السياسية والدبلوماسية لتحييد إيران من الميدان، وتقليل نفوذها عبر الدفع نحو تمكين حكومات شرعية في اليمن وسوريا، لا يكون النفوذ الإيراني فيها ميليشياوياً بقدر ما يكون سياسياً كمقاربة واقعية فرضتها الظروف والتحولات، خلال العقد الفائت".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية