هل تنطوي زيارة أردوغان إلى السعودية على إرساء تسوية إقليميّة أم ما هو أبعد من ذلك؟

هل تنطوي زيارة أردوغان إلى السعودية على إرساء تسوية إقليميّة أم ما هو أبعد من ذلك؟


04/05/2022

هادي جان بو شعيا

بعدما ظلت بعيدة لسنوات عادت منذ مدة واقتربت خطوات. ها هي أنقرة تعبّد طريقًا جديدة إلى المنطقة العربية. إذ طرقت باب القاهرة فعاد السفراء، من ثمّ تصالحت مع "أبو ظبي" فانتعشت العلاقات والاستثمارات. أمّا التطلع الأكبر سبقه تمهيد من أنقرة بتصريحات ولقاءات ومبادرات، لعلّ أبرزها طيّ ملفّ مقتل الصحافيّ السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، ليحين وقت الاجتماع الأكبر بعدما قوبلت الخطوات التركية بدعوة سعودية تأتي بعد مقاطعة بين البلدين دامت ثلاث سنوات ونصف تحديدًا منذ العام 2018.

برزت على المائدة في جدة ملفات لم يكشف عنها الطرفان، لكنّ المؤكد أنّها ستصبّ في تعزيز العلاقات. صحيح أنّ الزيارة تحمل طابعًا سياسيًا، إلّا أنّ أنقرة تعوّل عليها لتكون مفتاح عودة الانفتاح الاقتصادي بين البلدين. ذلك أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قلق من انتخابات رئاسية مفصلية تترصّدها معارضة موحّدة ولا سبيل لمواجهتها؛ إلّا من خلال تأمين سترة إنقاذ اقتصاد بلاده الغارقة بمستويات تضخّم قياسية وعملة نزفت نصف قيمتها.

مما لا شكّ فيه أنّ البعد الاقتصادي لزيارة أردوغان لا يلغي مصلحة أنقرة والرياض في تثبيت الأمن والاستقرار الإقليميَيْن، خصوصًا بعد الانسحاب الأميركي الصارخ من المنطقة التي تشهد فراغًا استراتيجيًا على أبواب العراق وأفغانستان، فضلاً عن حرب مجمّدة في سوريا، بالإضافة إلى عواصف سياسية في كلّ من ليبيا ولبنان.

إذاً، أمام هذه الملفات وغيرها، تضطلع الدول الإقليمية النافذة بدور جوهري في معالجتها، الأمر الذي يحتّم ورشة عمل لصوغ عقد سياسي جديد يُعيد ترتيب البيت الداخلي في المنطقة وتحديد خرائط جديدة للنفوذ.

تعبيد طريق المصالحة

الجدير ذكره أنّ الإعلان عن الزيارة جاء في أعقاب نقل القضاء التركي ملفّ قضية خاشقجي إلى السعودية في 7 نيسان/أبريل الجاري، بعد أن كانت أنقرة قد بدأت محاكمة غيابية في تموز/يوليو من العام 2020 بحقّ 26 سعوديًا يُشتبه في تورّطهم بمقتل خاشقجي. إذ شكّلت هذه المحاكمة الحاجز الأخير أمام زيارة تركية رسمية إلى الرياض، ناهيك عن اتّخاذ تركيا موقف المساند لقطر في الأزمة الخليجية، الأمران اللذان كان لهما ارتدادات سلبية على العلاقات التركية وكيفية التعامل مع الملفّات الإقليمية سواء بالنسبة إلى السعودية أو إلى تركيا.

وتجلّت الارتدادات هذه انعكاسًا واضحًا في الملفين السوري والليبي، فضلاً عن احتقان العلاقات المصرية-التركية، وبالتالي فإنّ تحسّن العلاقات سيلقي بظلاله على هذه الملفات أيضاً.

نزيف اقتصاديّ تركي

في وقت تواجه فيه تركيا أزمة اقتصادية على وقع انهيار قيمة الليرة وتضخّم قويّ تخطّى نسبة الـ60 في المئة في الأشهر الـ12 الأخيرة. لكنّ اليوم، يتوقّع مجلس الغرف التجارية السعودية ارتفاع واردات المملكة من تركيا خلال الفترة القريبة المقبلة، في أحدث إشارة على التحسّن المضطرد للعلاقات بين البلدين.

كما ارتفعت واردات المملكة من تركيا بنسبة 2,8% خلال أول شهرين من العام الحالي، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودي. ويأتي ذلك، بعد أن تراجعت واردات المملكة من تركيا في 2021 بنسبة 62,3%، إلى 3,32 مليارات ريال ما يعادل 886 مليون دولار أميركي مقابل 8,82 مليارات ريال ما يعادل2,35 ملياري دولار أميركي في العام 2020.

وعليه، لا يختلف اثنان أنّ العامل الاقتصادي لعب ولا زال يلعب دوراً رياديّاً في أيّ علاقات سياسية على مرّ التاريخ، إذ يرتبط بعناصر أمنية وجيوسياسية ولوجستية. كما يسود اعتقاد أن تركيا لم تتحرك بفعل الدافع الاقتصادي وحسب، وإنما هناك رغبة تتماهى مع الرغبة السعودية في إرساء مصالحة في المنطقة ككلّ في ظلّ عالم متصارع، ومن هنا تأتي أهمية "الزيارة التاريخية" هذه.

إعادة التموضع التركي

إزاء ما تقدّم، ربما تكون العلاقات مع السعودية هي واحدة من أهمّ الملفّات التي حظيت باهتمام دبلوماسي تركي كبير، وشهدت نشاطاً كبيراً كان قد انطلق قبل فترة واستهدف تحسين العلاقات مع الدول الكبرى في المنطقة على غرار مصر والإمارات وإسرائيل، بالإضافة إلى العلاقات القوية مع قطر.

ولعلّ النقطة الأهم في ملفّ تحسّن العلاقات التركية-السعودية تتمثل في قرار أنقرة بمراجعة سياساتها الإقليمية والعربية والخليجية، ذلك أنّ هذا التحوّل التركي سببه امتداد تأثير هذه السياسات إلى ملفات متعدّدة بشكل سلبي تأثرت بسببه مصالح تركيا في المنطقة وخصوصاً الاقتصادية منها، وهو الأمر الذي كان له أثر سلبي كبير على الاقتصاد التركي.

فيما قد يدفع تحسن العلاقات السعودية-التركية إلى إرساء مصالحة كاملة مع مصر لما لها من ثقل سياسي في المنطقة، خصوصًا وأن محاولات إصلاح العلاقات بينهما لا تزال تراوح مكانها. وبالتالي فإن العلاقات السعودية-التركية الجيدة قد تُعيد المركب إلى مساره الطبيعي بالنسبة للعلاقات العربية التركية عمومًا وليس الخليجية التركية فقط .

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ مصر لعبت دورًا في غاية الأهمية في التقارب بين تركيا والمملكة العربية السعودية، التي تُعدّ أحد أكبر داعمي النظام المصري سياسياً واقتصادياً، ناهيك عن أهمية ما يمكن أن يمثله وجود الدور المصري كلاعب رئيسي مع السعودية وتركيا للحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، خصوصًا أنّ السعودية بدأت، في الآونة الأخيرة، تشعر بأنّها محاصرة إيرانيًا، من كلّ حدب وصوب، في الوقت الذي يسود فيه شعور بتراجع الدعم الأميركي الذي كان مطلوباً بشدّة في هذا التوقيت. وبالتالي فإنّ تعاون السعودية مع تركيا وباقي دول المنطقة قد يشكل لها نوعًا من الدعم المفقود من جانب حليفتها التقليدية "القديمة" الولايات المتحدة الأميركيّة.

ومن هنا يبرز التعاون التركي-السعودي ومحاولات تحسين العلاقات والتي يصعب فصلها عن السياسة السعودية الخارجية مؤخّراً، والتي تميل إلى التهدئة ومدّ جسور التعاون مع دول الجوار على وجه الخصوص، وهو ما يحدث حالياً مع إيران من مفاوضات تسير في طريق إيجابي وكذلك على مستوى ملفّ الحرب في اليمن.

أمّا الحديث عن أنّ هذا التعاون يندرج ضمن إطار حياكة تحالفات جديدة في المنطقة فلا زال بعيدًا بعض الشيء، بيد أنّها مسألة تسويات لخلافات سياسية والمحرّك الرئيسي فيها يبقى المملكة التي تحاول طيّ أصعب ملفاتها والمتمثلة بالملفّ الإيراني، بغية الوصول لتهدئة حقيقية في المنطقة وإنهاء الخصومات ومحاولة إنهاء الصراعات قدر المستطاع بما يضمن رفاهية شعوب المنطقة من جهة، وتأثيراته الهامة على العلاقات التركية في آسيا، فمثلاً باكستان تعتبر دولة في غاية الأهمية لتركيا والسعودية على السواء، وترتبط معهما بعلاقات سياسية واقتصادية وأمنية قوية للغاية، وقد تكون بوابة لتركيا لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية.

في المحصلة، لا بدّ من الإقرار أنّ التقارب السعودي-التركي هو مؤشّر جيّد على بداية صوغ إطار تسووي في المنطقة، لكن لا يرقى لتكتل سنّي إقليميّ، كما يحلو للبعض صبغه، خصوصًا أنّ المنطقة تشهد نسج سياسيات براغماتية كثيرة والتي قلبت الكثير من الموازين في مواقف وسياسيات وأساليب الكثير من الدول والحكومات.

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية