هل توقع إيران الاتفاق النووي بمعزل عن روسيا والصين؟‎

هل توقع إيران الاتفاق النووي بمعزل عن روسيا والصين؟‎


08/03/2022

بالتزامن مع تواتر تسريبات أمريكية وإيرانية قريبة من المفاوضات في فيينا تؤكد قرب التوقيع على اتفاق نووي جديد بين طهران والقوى الكبرى، أعلنت موسكو موقفاً جديداً يُخشى معه الإطاحة بالمفاوضات وإمكانية التوقيع على الاتفاق الجديد؛ إذ طالبت بضمانات أمريكية مكتوبة تؤكد أنّ العقوبات المفروضة على روسيا، على خلفية الغزو الروسي الأوكراني، لن تشمل التعاون الاقتصادي والعسكري بين موسكو وطهران؛ حيث تضمنت تصريحات لوزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" أنّ العقوبات الغربية المفروضة على الحرب في أوكرانيا أصبحت حجر عثرة أمام الاتفاق النووي الإيراني، مؤكّداً ضرورة أخذ المصالح الوطنية الروسية في الاعتبار.

أرسلت طهران رسائل مشفرة لواشنطن، خلال الأزمة الأوكرانية، تؤكد استعدادها لتقديم تنازلات حول تحالفها الاستراتيجي مع الصين وروسيا

من جانبها، قدّمت إيران موقفاً رافضاً لما أعلنته موسكو، فأعلنت رفضها للمطالب الروسية، مؤكدة أنّها "غير بنّاءة"، لا سيّما أنّ الصين ألمحت إلى مطلب مماثل بضمانات أمريكية مكتوبة بأنّ شركاتها التي تمارس أنشطة تجارية في إيران لن تتأثر بالعقوبات الأمريكية، وهو ما يعني أنّ إيران تبني سياساتها وفقاً لمرجعيات براغماتية "شأنها شأن كثير من الدول الإقليمية" هدفها الأوّل والأخير أن يتمّ  التوصل إلى اتفاق نووي جديد، بمعزل عن تطورات الحرب في أوكرانيا، ولو كان على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا والصين، ولكن دون أن تصل تلك البراغماتية إلى مستويات قطيعة مع موسكو وبكين.

كيف بنت طهران موقفها من الأزمة الأوكرانية؟

تضمّنت مواقف طهران من الحرب الأوكرانية العديد من المحطات، قاسمها المشترك "مسك العصا من منتصفها"، في إطار حسابات دقيقة هدفها الجمع بين عدم استفزاز روسيا والصين، ودون اتخاذ مواقف مؤيدة لموسكو في حرب لم تضع أوزارها بعد، وستؤثر على الاتفاق النووي بصيغة أو بأخرى، وإدراك إيراني لدورها في أزمة النفط والغاز العالمية، ومساهمتها المحتملة في حال رفع العقوبات الأمريكية عنها، بالإضافة إلى بحث طهران عن موقعها الدولي والإقليمي في النظام العالمي الجديد، وهو ما يعني الحفاظ على "شعرة معاوية" مع كافة الأطراف بما فيها الولايات المتحدة، وفي إطار حسابات "دقيقة" تخشى معها من احتمالات ألّا تكسب موسكو الحرب الحالية في أوكرانيا، وبالتالي شمولها بأيّ تداعيات لها إلى جانب موسكو، في وقت تقترب فيه أبواب "الفرج" من الانفتاح أمام طهران في مفاوضات فيينا.

ولعلّ أبرز محطات الموقف الإيراني أنّ طهران لم تكن تتمنّى أن يتزامن الغزو الروسي لأوكرانيا وتستحوذ أخبار الحرب على الإعلام العالمي على حساب أخبار الاتفاق النووي الذي تحوّل إلى مرتبة ثانية في هذا الإعلام، بعد أن كانت أخبار الاتفاق وتطوّرات فيروس كورونا تحتلّ مساحات واسعة من الإعلام الدولي، كما كانت تتمنى ألّا يكون هناك أيّ تداعيات للحرب الأوكرانية من قبل روسيا والصين وأمريكا على مفاوضات فيينا، التي تؤكد غالبية التسريبات أنّ الاتفاق وصل إلى مراحل متقدّمة، وأنّ توقيعه مسألة أيام للاتفاق على جزئيات لا تؤثر في جوهر الاتفاق.

اقرأ أيضاً: هل يستغل النظام الإيراني الحرب الروسية الأوكرانية لفصل الإنترنت العالمي؟

وفي ظلّ علاقات وثيقة مع روسيا والصين لم يكن بإمكان طهران "إعلامياً على الأقل" إلّا اتخاذ مواقف ربما لا تصل إلى تأييد روسيا في غزو أوكرانيا، إلّا أنّها تُحمّل القيادة الأوكرانية "الملحقة بالغرب" ومن خلفها الولايات المتحدة وأوروبا مسؤولية الحرب في أوكرانيا، لأسباب مرتبطة باستهداف الأمن القومي لروسيا، وهي المواقف التي عبّر عنها المرشد الأعلى للثورة "خامنئي" ومن بعده رئيس الجمهورية "إبراهيم رئيسي".

رسائل إيرانية مشفرة لواشنطن

ورغم ما يمكن وصفه بـ "الوسطية" في موقف طهران، وبعيداً عن التصريحات الإعلامية، لا سيّما أنّ للقيادة الإيرانية مدرستها الإعلامية الخاصة التي تستلهم التقية الدينية، وتسقطها على الإعلام والسياسة، إلّا أنّ رسائل مشفرة أرسلتها طهران لواشنطن، خلال الأزمة الأوكرانية، تؤكد استعدادها لتقديم تنازلات حول تحالفها الاستراتيجي مع الصين وروسيا.

ومن بين أبرز تلك الرسائل الإيرانية لواشنطن رفضها الطلب الصيني والروسي بضمانات أمريكية مكتوبة حول استثماراتها الاقتصادية والعسكرية في إيران، وهو ما يعني أنّ القيادة الإيرانية تدرك أنّ مشاريع إعادة الإعمار في إيران، والتي تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات، ستكون إحدى أوراقها، وأنّها لن تذهب فقط إلى الصين وروسيا، بل إنّ الشركات الأوروبية والأمريكية العابرة للقارات سيكون لها نصيبها، وربما تضمّنت ملاحق سرّية في المفاوضات الحالية تعهدات إيرانية بهذا الخصوص، خاصة أنّ شركات أوروبية كانت تعمل في إيران بعد اتفاق 2015 إلّا أنّها غادرت بعد إلغاء الرئيس "ترامب" الاتفاق النووي مع إيران.

 أعلنت إيران المرّة تلو الأخرى أنّ بإمكانها تغطية 20% من حاجات أوروبا من الغاز المسال، وتزويد السوق العالمية بـ(2,5) مليون برميل من النفط يومياً

وتملك إيران ورقة أخرى لوّحت بها أمام واشنطن، وهي إمدادات النفط والغاز، وفق مقاربة إيرانية عنوانها أنّ أمريكا تواجه تحدياً في زيادة أسعار النفط، فيما لم تحقق واشنطن نجاحات تُذكر في تعويض أوروبا بإمدادات الغاز المسال، بديلاً للغاز الروسي، فقد أعلنت إيران المرّة تلو الأخرى أنّ بإمكانها تغطية 20% من حاجات أوروبا من الغاز المسال، وتزويد السوق العالمية بـ(2,5) مليون برميل من النفط يومياً، يمكن زيادتها لتصل إلى (4) ملايين برميل، في الوقت الذي ما زالت فيه السعودية ترفض زيادة الإنتاج إلّا من خلال "أوبك"، إنّ هذه المقاربة تعني أنّ النفط والغاز الإيراني الذي تلوّح به طهران يفتح شهية واشنطن وأوروبا، لكنّه أرسل رسالة إلى روسيا بأنّ الحليف الإيراني لا يمكن الاعتماد عليه، وهو ما يفسّر الشروط التي لوّحت بها موسكو لإنجاز الاتفاق النووي.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية