هل ستكون أفريقيا ساحة الجهاد العالمية؟... مؤشرات جديدة تجيب

هل ستكون أفريقيا ساحة الجهاد العالمية؟... مؤشرات جديدة تجيب


10/02/2021

تواجه القارة الأفريقية حالياً تصاعداً غير مسبوق في العمليات الإرهابية بسبب الكثير من العوامل؛ منها المنافسة بين الجماعات الجهادية، وانفلات الأمن، والمساحات الشاسعة، وإمكانيات الجماعات المتطرفة المالية وقدراتها العسكرية.

واعتبر الكثير من المراقبين أنّ تصاعد العمليات الإرهابية في أفريقيا مؤشر على أنها ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال الأعوام الـ20 المقبلة بدلاً من الشرق الأوسط".

 

مراقبون: تصاعد العمليات الإرهابية في أفريقيا مؤشر على أنها ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال الأعوام الـ20 المقبلة

 

وفي سياق متصل، رصدت مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان" في القاهرة، إجمالي عدد الهجمات المسلحة التي شهدتها دول القارة الأفريقية خلال كانون الثاني (يناير) الماضي، ما يعكس تصاعد خطورة التنظيمات المتطرفة في القارة السمراء، في الوقت الذي حذّر فيه خبراء من تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، في ظلّ استمرار الظروف التي تجعل من القارة بيئة خصبة لنمو الجماعات والتنظيمات المتطرفة.

 وقالت "ماعت" في تقرير صدر أمس تحت عنوان: "عدسة العمليات الإرهابية في أفريقيا": إنّ القارة السمراء استقبلت العام الجديد 2021 بـ 66 هجوماً دموياً، أسفر عن سقوط 642 قتيلاً و96 جريحاً، إضافة إلى تشريد ونزوح المئات وخطف واعتقال العشرات، وذلك في 15 دولة أفريقية مختلفة.

وأكد التقرير أنّ إقليم شرق أفريقيا كان الأكثر دموية خلال هذا الشهر، بعد أن سقط خلاله 368 ضحية (57.2% من إجمالي ضحايا الهجمات المسلحة خلال الشهر).

 

مؤسسة ماعت: القارة السمراء استقبلت العام 2021 بـ 66 هجوماً دموياً، أسفر عن سقوط 642 قتيلاً و96 جريحاً

 

وقد جاء السودان في مقدّمة الدول، من حيث أعداد الضحايا، بعد أن شهد سقوط 207، ووضع التقرير الصومال على رأس الدول، من حيث أعداد الهجمات الإرهابية، بعد أن شهد البلد خلال هذا الشهر 12 هجوماً إرهابياً.

وأوضحت مؤسسة "ماعت" الحقوقية أنّ "الوضع ما يزال يزداد سوءاً، رغم الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب"، معتبرة أنّ تلك الجهود "لا تتماشى مع تنامي ظاهرة الإرهاب في كلّ أقاليم القارة".

 

الزعفراني: بعد التضييق على التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، لم يجدوا ملاذاً سوى القارة الأفريقية

 

وتعقيباً على التقرير، قال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة خالد الزعفراني، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز": إنه "بعد التضييق على التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، لم يجدوا ملاذاً سوى القارة الأفريقية ساحة جديدة لهم، فأعلنوا الاتجاه إليها، وإعادة بناء قواعدهم بشكل واسع فيها، مستغلين التنظيمات المتواجدة هناك بالفعل".

وأضاف: "بالتالي تمّ نقل قطاع كبير من تلك الجماعات إلى أفريقيا، لا سيّما منطقة الساحل والصحراء، التي تشهد تصاعداً مستمراً في وتيرة العمليات الإرهابية"، موضحاً أنّ إقليمي شرق وغرب القارة يشهدان نشاطاً للعمليات الإرهابية التي تقوم بها التنظيمات المتطرفة.

وأوضح الزعفراني أنّ "عدداً كبيراً من قيادات وعناصر تنظيم داعش في سوريا والعراق هم من أصول أفريقية، وبعد خسارة التنظيم هناك، سعى هؤلاء إلى العودة إلى بلادهم الأصلية، وظلت أعينهم موجّهة إلى القارة التي ينظر إليها التنظيم باعتبارها الملاذ البديل، من أجل إعادة بناء التنظيم من جديد، واكتساب قاعدة كبيرة جديدة".

 

مؤشر الإرهاب العالمي: نمو الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش في منطقة الساحل أدّى إلى تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية

 

وأشار إلى أنّ تواصل العمليات الإرهابية على ذلك النحو الذي تكشفه تقارير المراصد المختلفة، "يؤكد خطورة الوضع في أفريقيا، لجهة تنامي خطورة التنظيمات، على غرار بوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب الصومالية، وتنظيم القاعدة".

وحسب نشرة "مؤشر الإرهاب العالمي" التي نُشرت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، نقل تنظيم داعش الإرهابي "مركز ثقله" من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية، فقد شهدت منطقة الساحل زيادة في أعمال القتل بنسبة 67% مقارنة بالعام الماضي.

وجاء في النشرة: "إنّ نمو الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش في منطقة الساحل أدى إلى تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية في العديد من بلدان المنطقة"، وتقع 7 دول من الدول الـ10 التي شهدت تصاعداً في الأعمال الإرهابية في جنوب الصحراء الكبرى، وهي: بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون وإثيوبيا، وفق ما أوردت "بي بي سي".

اقرأ أيضاً: أفريقيا الوسطى: هل الإمبريالية الروسية خير من الأمريكية والأوروبية؟

ولفتت النشرة إلى أنه في عام 2019 شهدت دول جنوب الصحراء الكبرى أكبر زيادة في عمليات القتل التي تُنسب إلى الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش، والتي بلغ مجموعها 982 حالة قتل، وهو ما يمثل 41% من إجمالي أعمال القتل.

وحسب "مؤشر الإرهاب العالمي"، فإنّ بوكو حرام مسؤولة عن سقوط 37500 قتيل، وأكثر من 19 ألف حالة قتل بسبب أعمال إرهابية منذ عام 2011، في نيجيريا بشكل أساسي، وفي الدول المجاورة.

في عام 2015 بايع فرع من بوكو حرام تنظيم داعش الإرهابي، وأطلق الفرع على نفسه بعد ذلك اسم "ولاية غرب أفريقيا للدولة الإسلامية"، ونجح مسلّحوه في عبور الحدود والسيطرة على قاعدة لقوات متعددة الجنسيات على ضفاف بحيرة تشاد عام 2018، ومنذ ذلك الحين يقوم تنظيم داعش بالدعاية لهذا الفرع بشدّة.

 

ناتان سلز: القاعدة وتنظيم داعش نقلا مركز ثقلهما من سوريا والعراق إلى الجماعات المرتبطة بهما في أفريقيا وأفغانستان

 

وفي الإطار ذاته، قال منسق محاربة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية السفير ناتان سلز، في تصريح صحفي سابق نقلته شبكة "سي إن إن": إنّ القاعدة وتنظيم داعش نقلا مركز ثقلهما من منطقة عملهما التقليدية في سوريا والعراق إلى الجماعات المرتبطة بهما في غرب وشرق القارة الأفريقية وإلى أفغانستان.

ويرجّح سلز أن تكون ساحة المعركة الأساسية القادمة ضد الجماعات الإرهابية هي القارة الأفريقية. لكنّ المعركة لن تكون فقط بين حكومات المنطقة من طرف والجماعات الجهادية من طرف آخر، بل سنشهد طراعاً دامياً بين القاعدة وداعش بسبب المنافسة بينهما.

وهذه المنافسة ستحتدم أكثر فأكثر، حسب رأي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية أوليفيه غييتا من مؤسسة غلوبال سترات للمخاطر الأمنية الاستشارية، و"أفريقيا ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال الأعوام الـ20 المقبلة، بدلاً من الشرق الأوسط"، حسب رأي غييتا.

اقرأ أيضاً: أفريقيا أمام مخاطر التحول إلى مركز قيادة الجماعات الإرهابية

ورغم أنّ الجماعتين تشتركان في كراهية حكّام المنطقة المدعومين من الغرب وتتهمانهم بالكفر، لكن هناك فروقات جوهرية في مقاربة وأفكار كلتا الجماعتين؛ فالدولة الإسلامية معروف عنها أنها لا تتورّع عن استخدام أشدّ أساليب العنف والفظاعة في عملياتها، مثل عمليات قطع الرؤوس ونشرها عبر تسجيلات مصورة.

ورغم أنها تنجح في استقطاب المنحرفين والمجرمين إلى صفوفها عبر هذه الأساليب، لكنّ ذلك يثير حفيظة وكراهية الغالبية العظمى من المسلمين.

بينما القاعدة تلجأ إلى أساليب أكثر براغماتية، مثل كسب ولاء أبناء المنطقة الذين لا يثقون بحكوماتهم وبقوات الأمن الحكومية، واستغلال المظالم الإقليمية والعرقية.

وأهمّ مصدر تمويل لتلك الجماعات الإرهابية هو الفدية مقابل الرهائن، فعلى الرغم من أنّ زعماء مجموعة الـ7 وقّعوا في قمّة عُقدت عام 2013 تعهداً بالتزامهم بعدم دفع الفدية للجماعات المصنفة في خانة المنظمات الإرهابية، إلّا أنه بعد 7 أعوام من التوقيع على ذلك التعهد، تمّ إطلاق سراح الرهائن الأوروبيين المختطفين لدى الجماعات الإرهابية مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة لا أحد يعلم مقدارها، وجرى إعدام المواطنين الأمريكيين والبريطانيين بسبب رفض الحكومتين التفاوض مع الخاطفين.

 

خبراء: إجمالي المبلغ الذي تمّ دفعه للجهاديين خلال الأعوام الماضية مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين نحو 120 مليون دولار

 

فقد جرى مؤخراً إطلاق سراح عدد من الرهائن الفرنسيين المحتجزين من قبل الجماعات الإرهابية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، مقابل إطلاق سراح عدد كبير من الجهاديين الخطرين الذين كانوا يقبعون في سجون مالي.

ويُقدّر الخبراء إجمالي المبلغ الذي تمّ دفعه للجهاديين خلال الأعوام الماضية، مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين، بنحو 120 مليون دولار، وفق ما أوردت وكالة "رويترز" قبل كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: هل تتفاوض فرنسا مع داعش والقاعدة بأفريقيا؟

ويستخدم المتطرفون هذه الأموال في شراء المزيد من الأسلحة والمتفجرات والسيارات وأجهزة الرؤية الليلية وأجهزة الاتصال، وتجنيد المزيد من الأفراد، ورشوة المسؤولين.

يُذكر أنّ جائحة كورونا التي أصابت أكثر من مليونين من سكان القارة السمراء لم تكبح أنشطة الجماعات الإرهابية، بل واصلت تنفيذ هجمات أسفرت عن سقوط مدنيين وعسكريين، خصوصاً في منطقتي الساحل والصحراء، مع عودة انتشار الجماعات المتطرفة المنتمية لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" في القارة.

وفي مساهمة منها لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، أرسلت بريطانيا نهاية العام الماضي نحو 300 جندي إلى جمهورية مالي المضطربة الواقعة في غرب القارة الأفريقية.  

ويتمّ نشر هؤلاء الجنود في إطار عملية عسكرية تُسمّى "نيوكومب"، وتستمرّ لمدة 3 أعوام، وينضمّون إلى قوة متعددة الجنسيات تابعة للأمم المتحدة مكوّنة من 15 ألف جندي بقيادة فرنسية، لضمان الاستقرار في منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي تُعرف أيضاً بمنطقة الساحل.

وقد أعلن الاتحاد الأفريقي في شهر شباط (فبراير) 2020 أنه نشر 3 آلاف جندي بشكل مؤقت في منطقة الساحل، إلّا أنّ تواجد هذه القوّات لم يحدّ من العمليات الإرهابية التي تنفذ يومياً في دول غرب أفريقيا.

اقرأ أيضاً: هل تتعاون مصر وموريتانيا لمواجهة التمدّد التركي غرب أفريقيا؟

وتملك الجماعات المسلحة في بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، ألوية مقاتلة وقوافل عسكرية ومباني حكومية. وقد أغلقت 3 آلاف مدرسة أبوابها بسبب التهديدات الإرهابية، وعمد الإرهابيون إلى اغتيال المسؤولين الحكوميين، ورؤساء البلديات، والزعماء المحليين المشتبه في تعاونهم مع السلطات الحكومية.

وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص في منطقة غرب أفريقيا والساحل الأفريقي محمد بن شمباس، في تقرير لـ"نيويورك تايمز" في وقت سابق: إنّ معدل الهجمات الإرهابية في البلدان الـ3 المذكورة قد ارتفع بمعدل 5 أضعاف منذ عام 2016.

وأمام هذه المؤشرات، هل سيدفع العالم ثمن تنامي وتصاعد التنظيمات الإرهابية في أفريقيا؟ وهل نشهد موجات إرهابية جديدة في دول غربية قادمة من أفريقيا، بعد محاصرة تلك التنظيمات بنسبة كبيرة في دول الشرق الأوسط؟ 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية