هل عجز العرب عن ركوب سيارة من إنتاجهم؟

الصناعة

هل عجز العرب عن ركوب سيارة من إنتاجهم؟


10/04/2019

تكتظ شوارع المدن والعواصم العربية بالسيارات، كما توجد مواقف كثيرة متنوعة لها، فهي وسيلة التنقل الأساسية، ورمز السرعة في قطع المسافات والوصول إلى أماكن العمل والسكن. ومنذ بدايات القرن العشرين، ساهمت السيارات في تغيير تنظيم المدن، كما أسهمت في تسريع معظم مناحي الحياة.

اقرأ أيضاً: آخر الابتكارات.. صناعة بشرة وجلد للإنسان الآلي

وبالرغم من أنّ دولاً كثيرة، امتداداً من الصين والهند، مروراً بدول أوروبا وليس انتهاءً بأمريكا؛ عملت على تصنيع السيارات التي باتت ضرورة يومية في حياة البشر، غير أنّ آخرين، هم العرب، فضلوا البقاء في خانة المستهلكين؛ حيث يقال إنّه من غير الضروري في عالمٍ يشبه قرية واحدة، أن يصنع الجميع كل شيء. لكن صناعة السيارات كانت ممكنة عربياً، وربما مهمة، فلماذا لم يصنع العرب السيارات فعلياً؟

انطلاقة مبكرة

منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، انتشر استعمال السيارات في العواصم العربية بصورة أكبر، وشهدت مصر نوعاً من الدعوة الصريحة لثورة صناعية شاملة، أطلقها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في ذلك الحين. وكانت فكرة تصنيع سيارة عربية مصرية إحدى الأفكار الرائدة لهذه الثورة، خصوصاً أنّ صناعة السيارات حول العالم كانت قد بدأت بالازدهار.

كانت فكرة تصنيع سيارةٍ عربية مصرية إحدى الأفكار الرائدة للثورة الصناعية تزامناً مع ازدهار صناعة السيارات حول العالم

وبحلول العام 1959، ظهرت فكرة السيارة "رمسيس" إلى العلن كمشروعٍ طموح، يعبر عن الحاجة المتزايدة إلى السيارات، وإلى ضرورة توفير سيارة اقتصادية يمكن لطبقات المجتمع المختلفة أن تقتنيها وتستعملها.
حيث انتهز المستثمران المصريان؛ جورج حاوي وعصام الدين أبو العلا، الفرصة، وقاما بـ "تقديم سيارة اقتصادية بسعرٍ منخفض وتكاليف تشغيلٍ زهيدة، وذلك من خلال تأسيسهما لشركة السيارات المصرية بالتعاون مع شركة NSU الألمانية في 1959، بحيث كان للشركة الألمانية حوالي 50% من أسهم الكيان الجديد". وفقاً لموقع "عالم السيارات" في تقريرٍ له بتاريخ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2018.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن صناعة الفخار في الخليل؟ وما مصير هذه المهنة؟

وقد بني المصنع بالقرب من أهرامات الجيزة لتجميع سيارات الشركة الجديدة، وكان الموديل الأول معروفاً باسم "طراز الخدمة العامة" أو "رمسيس يوتيليكا". وبحسب الموقع ذاته، فقد كانت السيارة رمسيس أشبه بسيارة "فولكس فاجن" من حيث الشكل، وقد قوبل إنتاجها بضجة وترويجٍ كبيرين، على أنّها أول سيارةٍ يتم إنتاجها في إفريقيا، وقد تمتعت بالعديد من المميزات؛ إذ كانت قطع غيارها متوفرة ورخيصة، كما أنّها كانت تصرف كميةً أقل بتكلفة أقل من الوقود، غير أنّ شكلها كان، وفق مقالٍ لموقع مصري في 2016 "بشعاً للعديدين"؛ لأن آلات تشكيل المعادن وطيها بعدة أشكالٍ لم تكن متوفرةً في مصر آنذاك، كما أنّ هيكلها كان عرضةً للصدأ السريع، إضافة إلى الصوت المزعج لمحركها.

السيارة رمسيس: بداية مصرية عربية لم تستمر طويلاً

وبصورةٍ عامة، حاولت الشركة المصنّعة زيادة عدد السيارات المنتجة إلى عشرة آلاف سيارةٍ في العام، بحسب المقال، غير أنّها اصطدمت في 1961 "بالقرارات الاشتراكية للتأميم" التي أعلنها عبدالناصر. فتم تأميم الشركة، التي صارت جزءاً من شركة صناعة وسائل النقل الخفيف، ومن ثم استمرت محاولتها بتطوير السيارة رمسيس حتى العام 1967، لكن المحاولات لم تنجح، والمصاعب التقنية والصناعية لم يتم التغلب عليها، إضافة إلى الظروف السياسية والاقتصادية بعد حرب 1967، فتوقف إنتاج السيارة كلياً، وربما أسهمت حركة الانفتاح الاقتصادي بداية السبعينيات، وزيادة الاستثمار في استيراد السيارات، إلى القضاء نهائياً على حلم رمسيس، التي لم تكن مصرية بالكامل، لكن، كان ممكناً لو استمرت أن تصبح كذلك.

ظهرت عام  1959 السيارة رمسيس للعلن لكنها لم تستمر لأكثر من عقد بسبب الـتأميم الاشتراكي وضعف التقنيات

وغير بعيدٍ عن مصر، ومنذ بداية الستينيات، بدأت مملكة المغرب كذلك، بالعمل على محاولات إنتاج سيارة عربية وإفريقية خالصة قدر الإمكان؛ حيث بدأت من خلال تأسيس شركة "صوماكا" الوطنية للسيارات في 1960، وهي وفقاً لموقع "العالم العربي" في دراسته عن صناعة السيارات العربية، والمنشور في كانون الثاني (يناير) 2019، فإنّ "صوماكا" بدأت بدعمٍ من شركة "فيات" الإيطالية، وكذلك "سيمكا"، إذ امتلكت الشركتان جزءاً من أسهم الشركة المغربية، التي بدأت ببطء تنتج عدداً قليلاً من السيارات، تحت طراز "فيات".

لكن المغرب، استمر من خلال إطارٍ زمنيٍ طويل، في المحافظة على مشاريع تجميع وإنتاج السيارات، إلى أن شهد خلال العقدين الماضيين تطوراً كبيراً في هذا المجال، خصوصاً بعد أن حظيت شركة "رينو" بالشراكة مع "صوماكا"، ومنذ عام 2016، أعلن المغرب أنّه "يطمح إلى إنتاج مليون سيارة سنوياً بحلول عام 2025" بحسب المصدر ذاته، وهو ما يتجه المغرب إليه فعلاً.

اقرأ أيضاً: صناعة النبيذ حرفة تقليدية تتوارثها أجيال قرية عابود برام الله
فهو اليوم، ينتج أكثر من 500 ألف سيارة سنوياً، كما أنّه يتخصص في قطعها وهياكلها، وفي إنتاج أنظمتها الكهربائية وأسلاكها، وكان شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، شهد تصنيع أول سيارةٍ كهربائية مغربية، وهي من طراز "بيكوب".

السيارة المغربية "بيكوب" مثال على تطور صناعة السيارات في المغرب

كوابح أم دواسات؟

قياساً بتجربة مصر والمغرب؛ إذ تمثل إحداهما تراجعاً في تطوير تجميع السيارات ومن ثم إنتاجها كلياً، فيما تتقدم المغرب بهذا الخصوص، فإنّ دولاً عربية أخرى حاولت إنتاج السيارات بدورها، ومن الجدير التوقف عندها قليلاً، ومن ثم استعراض الأسباب العامة للفشل والنجاح، ففي المملكة العربية السعودية مثلاً،  وضمن إطار البرنامج الوطني للتجمعات الصناعية، وضعت رؤية "لتصنيع سيارات محلية وتشجيع الاستثمار بشأن صناعة السيارات، وعمل تعاقدات مع شركاتٍ عالمية مثل جاغوار، وشهدت المملكة بالفعل إنتاج سيارةٍ أولية، حملت اسم "أصيلة" لكن المشروع توقف بعد ذلك دون إبداء أسبابٍ واضحة، وفقاً لتقريرٍ نشرته مجلة "الرجل" على موقعها في آذار (مارس) الماضي.

كان مشروع المغرب لتصنيع السيارات بطيئاً حين بدأ في 1960 ثم تطورت هذه الصناعة وازدهرت حتى اليوم

وأشارت المجلة أيضاً، إلى استعداد الجزائر مؤخراً، "للتعاقد مع شركاتٍ عالمية مثل؛ "رينو" و"بيجو"، من أجل تصنيع هياكل السيارات، فيما تحذو تونس حذوها بعد أن تم إنتاج أول سيارة تونسية في 2008 تحت اسم "واليس". أما سوريا فكانت في العام ذاته خاضت تجربة السيارة "شام" التي لم تستمر بعد 2010 وبدء أحداث الربيع العربي".

وبشكلٍ عام، تقوم دولٌ أخرى بتجارب لصناعة السيارات مستقبلياً، كما في دبي التي أنتجت سيارة "ديفيل سيكستين" في 2013 وتعد من أسرع وأمتن سيارات العالم، واستغرق صنعها كنموذجٍ أولي مدة عامين؛ حيث تم تصنيع "المحرك" فقط، في الولايات المتحدة، ويضاف إلى ذلك محاولات دولتي ليبيا وقطر لصناعة سيارةٍ عربية خالصة الصنع في المستقبل كذلك.

اقرأ أيضاً: صناعة الحلال جعلت الدين سوقاً ضخمة لرؤوس الأموال

لكن أسباب البطء، والفشل أحياناً، أو عدم تجربة صناعة السيارات عربياً من الأصل، حمل أسباباً عديدة، انعكست على هذه الصناعة، فوفقاً للخبير الاقتصادي المغربي إدريس العيساوي، فإن "عوامل الاستثمار في تصنيع السيارات، تعتمد على الثقة ومن ثم الاستقرار السياسي، إضافة إلى الاستقرار الاقتصادي، ومنح التسهيلات اللازمة لعمليات الاستثمار، وأنظمة الجمارك والضرائب".

تحاول دول عديدة كالسعودية والإمارات ومصر وقطر اقتحام قطاع صناعة السيارات في المستقبل مستفيدة من تجارب عالمية متطورة

ويضيف الإدريسي، في حوارٍ له على "قناة" Med1" المغربية في 2018، أنّ وجود "تصوراتٍ استرايجية مستقبلية لتطوير الصناعات، وتوفير بنى تحتية للمصنعين الدوليين للتعاون معهم كبداية لتصنيع السيارات، هي عوامل أساسية لخلق مناصب وفرص العمل المحلية، والثروة والإبداع التقني والصناعي".

وربما أنّ ما ذكره الإدريسي، إضافةً إلى مسألة توفر الأمن والاستقرار، الذي تفتقده دولٌ عربية عديدة اليوم، وتوفر إرادة ورؤية اقتصادية من أجل التطوير والتصنيع، وعدم الاكتفاء بالاستيراد، هي أسبابٌ ضرورية من أجل تطوير صناعة السيارات عربياً، وربما صناعاتٍ أخرى.

وفيما يتحدث البعض عن عدم وجود قرارٍ سياسيٍ حول عمليات التصنيع، خصوصاً الصناعات الثقيلة، فإنّ المملكة المغربية العربية، تشكل مثالاً واعداً في عالم صناعة السيارات عربياً، ويمكن الاهتداء بتاريخ تجربتها مع صناعة السيارات، كما أنّها تتجه لتصبح من الدول المتصدرة عالمياً في صناعة السيارات؛ إذ يستحق العرب أن يركبوا مركبة حداثية كالسيارة، تكون خالصة من صنعهم، ذات يوم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية