هل فقدت موسكو الأمل: ما سرّ التحذيرات الروسية للأسد؟

هل فقدت موسكو الأمل: ما سرّ التحذيرات الروسية للأسد؟


16/02/2021

أثارت سجالاً واسعاً تصريحاتُ السفير الروسي لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، بأنّ سوريا تعيش حالياً أصعب وضع اجتماعي واقتصادي منذ بداية الصراع في البلاد. واكتسبت هذه التصريحات أهمية بالغة كونها صادرة عن سفير مؤثر لدولة تمكنت بتدخلها العسكري الضخم وتأثيرها السياسي من إبقاء نظام بشار الأسد على قيد الحياة، فروسيا كانت بالنسبة لنظام الأسد هي الأوكسجين الذي منعه من الموت الذي كان يحدق به.

اقرأ أيضاً: ترقب لدور أمريكي يزاحم الدورين التركي والروسي في سوريا.. ما الجديد؟

السفير يفيموف أبلغ وكالة "سبوتنيك" الخميس الماضي بأنّ "الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية. ربما يكون هو الأصعب على مدار سنوات الصراع. تظهر عواقب الحرب هنا أكثر فأكثر كل عام. الاستنزاف العام للاقتصاد السوري واضح. يمكن ملاحظة مدى إرهاق الناس أنفسهم، الذين أصيبوا، علاوة على ذلك، بوباء فيروس كورونا، مع القيود المعروفة وخسائر مادية إضافية".

السفير الذي دعا إلى تقديم مساعدات مادية متعددة الأوجه إلى سوريا إلمح إلى "إمكانية تعزيز جهودنا العسكرية بشكل إضافي في مكافحة الإرهاب، وإضفاء طابع لا رجعة فيه على عملية إعادة سوريا إلى حياة سلمية، وبالتالي المساهمة في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل، إلى هذا الجزء القريب جغرافياً والمهم من المنطقة العربية وشرق البحر الأبيض المتوسط".

السفير الروسي: بلدنا أيضاً يعاني

وأشار يفيموف إلى أنّ مسألة تخصيص الأموال للدعم ليست سهلة للغاية، قائلاً إنّ "بلدنا نفسه اليوم تحت تأثير العقوبات، ويعاني من ركود اقتصادي بسبب الجائحة. كل هذا بالطبع، لابد وأن يؤخذ في الاعتبار".

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، قام وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بزيارة إلى دمشق هي الأولى منذ ثماني سنوات. وزار نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف العاصمة السورية معه.

الاقتصاد السوري في حالة إنهاك شديدة يُرثى لها؛ فهو ممزق إثر صراع داخلي لا يمكن تحمله، ومهلهل بسبب الفساد العميق المستشري في كل أوصاله

وعلقت الكاتبة ماريانا بيلينكايا، في صحيفة "كوميرسانت" الروسية، حول نتائج تلك الزيارة، بأنها حملت "رسالة خاصة إلى سوريا للرئيس الأسد، تهدف إلى دفع القيادة السورية نحو مزيد من المرونة في مسار الحوار السياسي" وفق موقع "روسيا اليوم".

وقالت بيلينكايا "في ظل هذه الظروف، لا يمكن لدمشق أن يكون لديها أدنى أمل في استعادة الحوار مع الغرب ورفع العقوبات، ما يعني أنه سيكون هناك نقص في الأموال لإعادة إعمار سوريا. وسبق أن أوضحت روسيا أنها ليست لديها الرغبة ولا القدرة على تحمل هذا العبء بمفردها. لكن يبدو أنها لا تزال غير قادرة على تغيير الوضع جذرياً وبالتالي تقبله كما هو.

وتضمن التقرير تصريحاً لمصدر في موسكو مطلع على عملية التسوية السورية، أبلغ صحيفة "كوميرسانت" بأنه "إذا لم يُقدم الأسد على إصلاحات، فسيبقى بلا مال، وفقط مع جزء من سوريا. سيكون هذا قراره. لكن في الوقت نفسه، يعتمد الكثير في سوريا على ما ستكون عليه سياسة أمريكا المستقبلية، وما سيحدث هناك بعد الانتخابات".

وفي الوقت نفسه، أشار المصدر إلى أنّ الوقت قد حان لتتخذ روسيا قرارا بشأن إستراتيجية وجودها في سوريا في جميع الظروف، وبصيغة أدق، وفق أي شروط ستبقى في هذا البلد.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تحالفات انتخابية بالعراق وخلافات بين فرعي التنظيم بسوريا وفلسطين

السفير الروسي في دمشق أكد أنّ التعاون الاقتصادي بين موسكو ودمشق يجري في اتجاهات مختلفة، ولكن مع التركيز على حل مشاكل مساعدة السوريين في التغلب على المشاكل الاقتصادية الأكثر حدة، وضمان استقرار الدولة السورية في مواجهة سياسية وخطيرة.

تحذير روسي للأسد

في تعليقه على تصريحات السفير الروسي، قال الكاتب السوري في موقع "المدن" إياد الجعفري إنها "أشبه بمصارحة مكشوفة لرأس النظام شخصياً. مفادها، أنّ عليك أن تحذر من التداعيات المحتملة لتدهور الوضع المعيشي غير المسبوق لشعبك، بصورة قد تجعل الأمور تخرج عن السيطرة. وأنّ عليك، ألا تتأمل كثيراً في تغيّر نوعي بالسياسة الأمريكية حيالك، في عهد بايدن، فالضغوط الأمريكية- الاقتصادية على نظامك، ستستمر. وأنّ موسكو لن تستطيع تقديم مساعدة اقتصادية نوعية لك".

وفي نظر المعلق السوري، فإنّ حديث يفيموف عن وضع اقتصادي واجتماعي هو الأصعب في سوريا، يكتسي أهمية كبيرة، لثلاثة أسباب؛ الأول يرتبط بشخص المتحدث، فهو دبلوماسي هادئ، اعتاد العمل من وراء الكواليس، ومن دون كثيرٍ من الضجيج، خاصةً الإعلامي منه. والثاني يرتبط بالتوقيت، فالأسد المنشغل بمساعي التمديد له لولاية رئاسية جديدة، لا يريد أي منغصٍ للعملية "الانتخابية" المرتقبة، ومن هذا المنطلق، يبدو أنّ الهم المعيشي للسوريين هو آخر انشغالاته، أو ربما، آخر ما يريد الإطلاع عليه، فيما تتفاقم حالة الفاقة في أوساط شريحة واسعة من السوريين، بإضطراد. أما السبب الثالث، فيرتبط بطبيعة صلاحيات يفيموف، فالرجل ليس سفير روسيا في دمشق، فقط، بل هو مبعوث رئاسي خاص يمثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة السورية، منذ أيار (مايو) 2020. وكانت تسميته بذلك المنصب، حينها، إيذاناً بانتقال مركز ثقل السياسة الروسية في الملف السوري من قاعدة حميميم، إلى السفارة الروسية بدمشق، وتعبيراً عن تحول التركيز الروسي في سوريا، من الشأن العسكري إلى الشأن الاقتصادي تحديداً.

آثار قانون "قيصر"

ويضيف الجعفري بأنّ قرار تعيين يفيموف كان يتعلق بصورة رئيسية بتهيب موسكو من آثار قانون "قيصر" على الاقتصاد السوري المتهشم. كما أنّ تسمية يفيموف حينها، تزامنت مع خروج الصراع بين رأس النظام وابن خاله، رامي مخلوف، إلى العلن، بصورة أنذرت باحتمال تصدع البيت الداخلي للنظام.

مصدر روسي مطلع على عملية التسوية السورية: إذا لم يُقدم الأسد على إصلاحات، فسيبقى بلا مال، وفقط مع جزء من سوريا. سيكون هذا قراره

وفي هذا السياق، بؤكد شارلز ليستر، زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط، أنّ الاقتصاد السوري في حالة إنهاك شديدة يُرثى لها؛ فهو بحسب صحيفة "الشرق الأوسط": "ممزق إثر صراع داخلي لا يمكن تحمله، ومهلهل بسبب الفساد العميق المستشري في كل أوصاله، ومنهار للغاية نظراً للانهيار المالي الذي يعاني منه لبنان المجاور. ولا تعتبر أزمات الخبز والوقود المتفاقمة في البلاد ناجمة عن العقوبات الدولية على سوريا، وإنما بسبب الرفض الروسي الحالي لإنقاذ الدولة السورية الفاشلة والمفلسة تماماً. وبعد الزلزال الشديد الذي عصف به النظام السوري بحليفه السابق رامي مخلوف في مايو (أيار) من عام 2020، واصل النظام الغاشم محاولاته الدورية في ممارسة الضغوط الشديدة على الأصول القيمة من بين أعضاء النخبة الآخرين المحسوبين على النظام، ولكن بصرف النظر تماماً عن المكاسب التي يمكن تحقيقها من وراء ذلك، فلن تكون كافية بحال".

وفي نظر الكاتب السوري إياد الجعفري فإنّ هذا التصدع الذي تخشاه روسيا، لم يحصل حتى الآن، لكن مبرراته لم تختفِ، بل ربما تفاقمت. وزاد عليها اتجاه واضح في سياسة رأس النظام، لتجاهل التدهور المعيشي للسوريين، فكان طرح ورقة الـ 5 آلاف ليرة سورية، قبل أسابيع، لتمويل العجز في الموازنة، والنتائج التضخمية الكبيرة التي تلت ذلك، وصولاً إلى تسجيل سعر صرف الليرة السورية أدنى مستوى في تاريخه على الإطلاق، بالتزامن مع ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية.

وفي الوقت ذاته، يكشف الجعفري تزايد الدعوات "الافتراضية" لحراك في الساحل السوري، ببصمات علنية لرامي مخلوف، تحت اسم "رابطة مؤيدي راماك التنموية الخيرية"، وهي المؤسسة التي تمثّل الذراع الاجتماعي لمخلوف، والتي كانت تقدم مساعدات لفقراء الطائفة العلوية، بصورة خاصة، قبل أن يطالها صراع الأسد- مخلوف.

ويتزامن كل ذلك، مع اتساع النفوذ الاقتصادي لـ "أمراء الحرب"، بضوء أخضر من الأسد نفسه، للاستيلاء على كل مصادر الإثراء الممكنة في البلاد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية