هل فقد الإيرانيون الرغبة في إحياء الاتفاق النووي؟

هل فقد الإيرانيون الرغبة في إحياء الاتفاق النووي؟


07/05/2022

علي حمادة

هذا هوالسؤال المطروح اليوم في العديد من عواصم القرار، لا سيما الأوروبية المعنية بمفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي. فالاتفاق على "إحياء الاتفاق" الذي عقد في تموز (يوليو) 2015 اكتمل من الناحيتين الفنية والتقنية. وقد غادرت وفود الخبراء العاصمة النمسوية عائدة الى بلدانها.

ولتأكيد أن الاتفاق انتهى من الناحية الفنية، يقول رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية محمد إسلامي في تصريح له قبل أيام  إن "مفاوضات فيينا انتهت"، ويوضح: "لم تعد هناك مفاوضات. المفاوضات انتهت وكانت في إطار الاتفاق النووي، لكن هناك مشكلات أحدثتها أميركا وعليها أن تحلها بنفسها".

هذه إشارة غير مباشرة من الإيرانيين الى الخلاف مع واشنطن الذي يدور حول مسألة رفع العقوبات عن "الحرس الثوري" الإيراني. فطهران تصر على ذلك، وإلا فلا اتفاق. أما إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فعالقة بين مطرقة التصلب الإيراني وسندان المعارضة  الذي تبديه أغلبية من الحزبين في الكونغرس لرفع العقوبات عن "الحرس الثوري" الإيراني، نظراً الى ارتباطه بحسب القراءة الأميركية بقتل مواطنين أميركيين في أكثر من مكان.

الطرفان عالقان، ولكن إذا ما ترك الأمر لقرار الرئيس وفريقه المسؤول عن المفاوضات مع إيران، فهو يميل الى تجاوز موضوع العقوبات على "الحرس الثوري". وهو يطرح في كواليس التفاوض حلاً يقضي بإبقاء العقوبات على "فيلق القدس" لكونه الأداة التنفيذية التي يمكن ربطها بقتل أميركيين، في مقابل تحرير "الحرس الثوري" من العقوبات. هذا حل وسط مطروح يدعمه الشركاء الأوروبيون، لكنه يلقى أيضاً معارضة حقيقية في أروقة الكونغرس الأميركي ما يبقي المسألة عالقة ومعها الاتفاق. 

يصر الإيرانيون على رفع العقوبات عن "الحرس الثوري". إنها بالنسبة اليهم مسألة معنوية كبيرة وتمثل "الانتصار" الذي يريدون تقديمه الى الرأي العام الإيراني. والأهم أن "الحرس الثوري" مؤسسة لا يقتصر عملها على الأمن والعسكر، بل يتجاوزهما الى ما هو أوسع وأبعد.

فمؤسسة "الحرس الثوري" مارد اقتصادي في إيران، تمتلك مئات المصانع والمرافق والمصالح الاقتصادية والتجارية، فضلاً عن أنها تدير مؤسسات "خيرية" واجتماعية كبيرة تلعب دوراً مهماً في دورة الحياة العامة الإيرانية. ويحلو للإيرانيين القول إن "الحرس الثوري" يشبه "السوبر ماركت" تجدون فيه كل شيء. هذا يعكس حجم المؤسسة ودورها الذي يتعدى الإطار الأمني العسكري الى ما هو على صلة بمصالح البلاد الاقتصادية والتجارية والاجتماعية الرئيسية. إنه عصب النظام برمته. من هنا إصرار طهران على أن يشمل الاتفاق على رفع العقوبات عن "الحرس الثوري"، ورفضها تجزئة جسم "الحرس الثوري" من خلال القبول بعقوبات على "فيلق القدس" لأنه يبقي باب الملاحقات بحق قيادته مفتوحاً في الزمان والمكان.

حتى عندما طرحت مقايضة تتخلى بموجبها إيران عن قرار الانتقام لمقتل قائد الفيلق السابق الجنرال قاسم سليماني، لقاء رفع العقوبات عن "الحرس الثوري" وإبقائها على "فيلق القدس"، رفضت القيادة الإيرانية، لأنها تعتبر أن "فيلق القدس" غير خاضع للمقايضة. 

ما حصل يدل الى تصلب إيراني لم يكن في حسبان الإدارة الأميركية التي قدمت الكثير في ملف رفع العقوبات، وعلى صعيد قبولها الاكتفاء بإحياء الاتفاق القديم للعام 2015 الذي يقترب موعد انتهاء قيوده تدريجياً الواحد تلو الآخر، وعدم إدراج مواضيع هامة جداً تتمثل بتقوية الاتفاق الأصلي وتمديد مهله، وربطه باتفاق آخر على قيود تتعلق بالبرنامج الإيراني لتطوير الصواريخ الباليستية، فضلاً عن السلوك الإيراني في الشرق الأوسط الذي يهدد أمن الحلفاء القومي.

إن إدارة الرئيس بايدن تريد منذ اليوم الأول إحياء الاتفاق مهما كلف الأمر. وتشكيلة الوفد المفاوض أشارت الى هذا الخيار. فرئيس الوفد ومستشار الرئيس لشؤون إيران روبرت مالي يدرج العودة الى الاتفاق الأصلي للعام 2015 الذي شارك فيه كتحدٍ شخصي له. لكن المناخ في الكونغرس أكثر تعقيداً. وقدرات الرئيس بايدن الذي تشغله الحرب الروسية على أوكرانيا، واقتراب موعد الانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)  القادم، محدودة وتمنعه من خوض معركة شرسة في الكونغرس لإمرار الاتفاق بسلاسة.

ورغم إعلان الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي بلسان وزير الخارجية انتوني بلينكن في شهادة "دراماتيكية" أمام الكونغرس أن "الفترة التي تحتاجها إيران لإنتاج سلاح نووي قد تقلصت من نحو عام الى بضعة اسابيع أو أقل من ذلك"، يبقى المناخ في الكونغرس سلبياً بشكل عام في ما يتعلق بتسهيل مهمة الإدارة الأميركية لإمرار "تسوية" في ما يتعلق بنقطة الخلاف الأخيرة العالقة. 

لكن في مقابل كل ذلك ثمة شعور في عواصم القرار الغربية بأن طهران ما عادت في عجلة من أمرها للتوصل الى إحياء الاتفاق. فهي تبدو أقل حماسة واستعجالاً للتوقيع النهائي. وكأنها بدأت تفقد شهية التخلص من العقوبات الأميركية التي أضرت كثيراً باقتصاد البلاد وبمصالح النظام نفسه. ورغم الضغط الأوروبي المستمر تبدو إيران "باردة" إزاء الاستحقاق، وكأنها تشتري الوقت. فلا تهتم كثيراً بالضغوط الأوروبية على الإدارة والكونغرس الأميركييّن للتعجيل في التوقيع. ولم تلقَ اهتماماً رسالة مفتوحة الى قادة إيران والولايات المتحدة (عملياً هي موجهة الى الأميركيين) وجهها قادة أوروبيون سابقون أعضاء في "شبكة القيادة الأوروبية" و"مجلس إدارة مجموعة الأزمات الدولية" و"المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" تعرب عن القلق المتزايد من أن المفاوضات بشأن النووي الإيراني "دخلت فترة من الركود الذي يهدد بإلغاء التقدم الحقيقي والمرحب به الذي تم إحرازه في الأشهر الأخيرة نحو الاستفادة من إنجاز في مجال عدم انتشار أسلحة نووية ...". وطلبت الرسالة من الولايات المتحدة (الإدارة) أن "تظهر بسرعة قيادة حاسمة ومرونة مطلوبة لحل القضايا المتبقية من الخلاف السياسي (وليس النووي)...".

هذا مهم، لكن السؤال المطروح يتعلق بتراجع حماسة الإيرانيين لإحياء الاتفاق، وكأنهم مرتاحون الى الوضع الغامض الذي يمنحهم هوامش للتحرك بحرية على صعيد مواصلة تطوير برنامجهم النووي بعيداً من قيود الاتفاق ومفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية". فالعقوبات الأميركية تراجعت كثيراً في عهد الرئيس بايدن والإدارة لا تبدي تشدداً مثل الذي كان أيام إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. من هنا عادت إيران، بشكل أو آخر، الى أسواق النفط العالمية. وعادت معها إمدادات الطاقة الى مستويات قريبة من مستويات ما قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق سنة 2018.

هذا معناه أن إيران تعيد شيئاً فشيئاً تمويل الدولة ومؤسساتها بالنقد الأجنبي الذي تحتاجه بشدة. وهي الآن في ضوء تراخي القبضة الأميركية، المرشحة لمزيد من التراخي بسبب حرب أوكرانيا، قادرة على لعب ورقة الوقت حتى لو لم تتحرر أصولها  المجمدة في المصارف العالمية بفعل العقوبات. وفي هذا الوقت يستمر تطوير البرنامج النووي بشقيه المدني والعسكري السري من دون ضغوط، وتتدفق واردات مالية كبيرة من بيع النفط المتفلت من القبضة الأميركية.

ربما كان هذا الوضع الغامض أفضل سيناريو للإيرانيين في الوقت الحاضر، ما يفسر برودة طهران في المرحلة النهائية من مفاوضات فيينا. فهل فقد الإيرانيون الرغبة في العودة الى الاتفاق النووي، أقله في المدى المنظور؟.  

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية