هل قتل انهيار النظام الصحي في العراق الكابتن أحمد راضي؟

هل قتل انهيار النظام الصحي في العراق الكابتن أحمد راضي؟


23/06/2020

قبل ثلاث ساعات من موعد إقلاع طائرته الخاصة إلى العاصمة الأردنية، عمّان، لتلقّي العلاج فيها، خطف الموت نجم الكرة العراقية، أحمد راضي، بعد تفاقم وضعه الصحي جراء إصابته بفيروس كورونا المستجد في إحدى مستشفيات العاصمة بغداد.

وتدهورت حالة أسطورة الكرة العراقية، بعد تمكّن الوباء من جهازه التنفسي، في وقتٍ تزايدت حدة الانتقادات الشعبية لأداء الواقع الصحي العراقي في مجابهة الجائحة الكبرى؛ حيث سجلت وزارة الصحة لغاية، أول من أمس، (1854) حالة إصابة بالفيروس.

اقرأ أيضاً: فيديو الجنازة.. حزن بالعراق والمواطنون يشيعون "النورس الساحر"
وخيّم الحزن على مختلف الشرائح العراقية، بفقدان النجم راضي، البالغ 56 عاماً، حيث نعته الرئاسات الثلاث، والاتحاد الدولي (الفيفا)، والشخصيات الرياضية العراقية والعربية، فضلاً عن الشارع المحلي الذي عبّر عن مشاعر جياشة، اكتنفتها اللوعة بفقدان هداف المنتخب العراقي الأسبق.

وأحمد راضي هو اللاعب العراقي الوحيد الذي سجل هدفاً لمنتخب بلاده في كأس العالم، عام 1986، ضدّ بلجيكا، وهو المونديال الوحيد الذي شارك فيه العراق، كما عمل مدرباً لعدد من الأندية العراقية، أبرزها أندية الشرطة والزوراء، وكان نجماً لبطولات الخليج والدورات العربية، ليدخل بعد سقوط نظام صدام حسين، عام 2003، المعترك السياسي ويصبح نائباً في مجلس النواب عام 2008.
 

كورونا تحاصر راضي

يقيم النجم العراقي، أحمد راضي، في العاصمة الأردنية، عمّان، لكنّه زار العراق مؤخراً، ولم يتمكن من العودة إلى محلّ إقامته نتيجة الحظر التام في بلاده لمواجهة الجائحة المستجدة.

ساهم راضي، وعدد من المشاهير العراقيين، في بثّ عدة رسائل مصورة تحثّ الناس على البقاء في المنازل لتجاوز المرحلة الصحية الصعبة، لكنّ الوسط الرياضي فوجئ، الأسبوع الماضي، بدخول راضي أحد المستشفيات المحلية الحكومية بعد إصابته بكورونا.

اقرأ أيضاً: "مخلب النمر" في العراق تكبد تركيا خسائر فادحة... ورطة جديدة لأردوغان

عزام رافد، إعلامي رياضي، تحدث لـ "حفريات" عن معاناة النجم العراقي الراحل: "رقد في مستشفى النعمان، جانب الكرخ من بغداد، لكنّه لم يتحمل سوء الأوضاع ورداءة الواقع هناك، فغادر المستشفى دون علم الكادر الطبي إلى منزله، لعلّه يعالج نفسه عن طريق الحجر الصحي وتعاون بعض الأطباء"، مبيناً أنّ "بقاءه في المنزل جعل وضعه ينتكس؛ حيث بات جهازه التنفسي في حاجة إلى الأوكسجين".

وتابع قوله "بعد نقد الإعلام عموماً لإهمال الكابتن أحمد راضي، خصّص المستشفى غرفة صحية له مع قنينة أوكسجين، حتى قال الكابتن إنّه بدأ يتنفس جيداً ويستطيع النوم، بعد معاناة طويلة".

 

الموت يسبق موعد الطائرة

نشرُ صور الرياضي العراقي الكبير على مواقع السوشيال ميديا، ونقد وسائل الإعلام ضعف الرعاية الصحية له، دفعت جهات حكومية إلى التدخل واتخاذ قرار نقله إلى الأردن بغية العلاج والإقامة مع أسرته، بحسب عزام، الذي أكد أنّ "الجهات العراقية استحصلت على موافقة من السلطات الأردنية لاستقبال راضي بوضعهِ الصحي الأخير".

وأشار إلى أنّ "موعد إقلاع الطائرة إلى عمّان كان في الساعة الحادية عشرة من صباح الأحد"، لافتاً إلى أنّ "راضي مات قبل ثلاث ساعات من ذلك الموعد".

اقرأ أيضاً: تركيا والتدريب على غزو الدول من سوريا إلى العراق

وعن كيفية وفاة راضي، أوضح لطيف الشمري، طبيب عامل في مستشفى النعمان، أنّ "راضي استيقظ في الساعة السابعة والربع من صباح الأحد، وخلع جهاز الأوكسجين من أجل الذهاب إلى دورة المياه".

وأضاف لـ "حفريات": "الكادر الطبي تفقده بعد نصف ساعة، ووجده ميتاً داخل الحمام في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة؛ حيث كان في حاجة إلى الأوكسجين، نتيجة تدمير الفيروس لجهازه التنفسي".

وكان الراحل يرقد في داخل الغرفة بمفرده، وذلك مردّه إلى "قوانين الحجر الصحي؛ حيث يبتعد الأطباء والممرضون عن المصاب ولا يزورنه إلا بتوقيتات معينة للعلاج"، كما بيـن الشمري.

 

خدمات صحية بدائية

تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الانتقادات لوزارة الصحة التي أبدت فشلها في محاولة السيطرة على الجائحة من جهة استعداداتها البدائية في مختلف المستشفيات الحكومية.

الدكتور عامر الجبوري، طبيب عراقي، تساءل متهكماً: "
في ألمانيا كان كبار الأعمار فقط من يتوفون بفيروس الكورونا،  فلماذا يحصد الفيروس في العراق أرواح الشباب؟".

وأكّد لـ "حفريات"؛ أنّه "في اللحظات الأخيرة لعمر أحمد راضي حتماً حصل انهيار لجهازه التنفسي، وصار في حاجة إلى جهاز تنفس صناعي من النوع الذي يستخدم في ردهات الانعاش الرئوي (intensive Ventilator)"، لافتاً إلى أنّ "المصاب لم يحصل على هذا الجهاز لعدم توافره، وتمّ تعويضه بجهاز تنفس لا يؤدي عمل الإنعاش الرئوي".

اقرأ أيضاً: القصف التركي الإيراني على كردستان: "مخلب النمر" ينتهك سيادة العراق

وعزا الجبوري سبب وفاة الأعمار الشابة بالفيروس إلى "النظام الصحي المنهار منذ زمن بعيد في العراق"، مضيفاً: "الأبطال من كوادرنا الصحية يبذلون جهوداً عظيمة فيما يسمى حائط الصدّ الأول، لكنّهم يعملون ضمن منظومة منهارة، وتفتقر لأبسط المقومات، بدليل العدد الهائل من الأطباء والكوادر الصحية التي نال منها الفيروس في الفترة السابقة، بسبب عدم وجود نظام حماية حقيقي للكوادر الطبية".

وتعلن وزارة الصحة العراقية، بين يوم وآخر، وفاة أو إصابة عدد من العاملين ضمن الكوادر الطبية، جراء ملامستهم واحتكاكهم مع المصابين داخل المرافق الصحية العامة.   
 

واقعية انهيار النظام الصحي

أغلب المراقبين العراقيين يستغربون عدم إعلان الحكومة العراقية انهيار النظام الصحي، كي يرتعد الناس ويجلسوا في بيوتهم، ليكونوا في أمان من المخاطر الراهنة، متهمين قوى سياسية متنفذة بتدمير هذا النظام، نتيجة فسادها وجهلها في التعامل مع متطلبات المنظومة الصحية.

جبار حازم، محلل سياسي، قال: إنّ "وزارة الصحة في كلّ الدورات الحكومية هي من حصة التيار الصدري، وإذا كان الوزير يوماً من حزبٍ إسلامي آخر، يبقى الصدريون مهيمنون على الوزارة عبر كوادرها الإدارية والفنية وملفات التعيين"، مبيناً أنّ "التيار هو المسؤول عن رداءة النظام الصحي، لأنّه، كباقي قوى السلطة، يرى في الوزارة عقوداً وأموالاً".

اقرأ أيضاً: "كورونا" يتسبب بوفاة أسطورة كرة القدم العراقية.. ماذا تعرف عن أحمد راضي؟

ويضيف لـ "حفريات": "الجميع يخشى مواجهة الصدريين بهذه الحقيقة، لأنّ التيار وجمهوره يتمتعون بصفة العنف الاجتماعي والسياسي"، مؤكداً أنّ "عدم قدرة الوزارة على مواجهة كورونا أمر طبيعي؛ لأنّ كلّ الوزارات فشلت في مواجهة كوارث البلاد، كوزارة الداخلية، ووزارة الدفاع التي فشلت في حصر السلاح بيد الدولة، لأنّ القرار السياسي يتحكّم به متهمون بالفساد".
 

برقيات تعزية محلية وعربية ودولية

وأبرقت الرئاسات الثلاث العراقية (الجمهورية والحكومة والبرلمان)، برسائل تعزية بفقيد الكرة العراقية، عادين فقدانه خسارة للرياضة العراقية، وجهوده الماضية خالدة في قلوب العراقيين.

وقال رئيس الجمهورية، برهم صالح، في برقيته: "
رغم فقداننا له إلا أنّه حيّ في قلب كلّ عراقي، بما يمثله من هوية وطنية وذاكرة مفعمة بالإبداع والإنجازات الكروية".

وجاء في تعزية رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي: "رحل عنا أحمد راضي، وهو يرتدي القميص الأخضر، الذي طالما أحبه، وطالما أحببناه فيه"، مؤكداً أنّ "حياة كلّ عراقي غالية. لنلتزم بالإرشادات الصحية والتباعد الاجتماعي، كي نحمي أنفسنا والمجتمع، ونتجاوز هذه المحنة سوية".

أما رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، فقد أعرب عن حزنه برحيل راضي، وقال: "العراق والأسرة الرياضية المحلية والدولية فقدوا، اليوم، أحد أهم القامات الرياضية، الكابتن أحمد راضي، الشخصية البارزة والمثال المتميز خلقاً وأداء".

بدوره،
تقدّم رئيس اتحاد غرب آسيا، رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم، الأمير علي بن الحسين، بالتعزية بوفاة أسطورة الكرة العراقية، مؤكداً: "بوفاته فقدنا هامة رياضية نفخر ونعتز بها ومثالاً بأخلاقه وعزيمته".
وانضمّ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" إلى قائمة المعزين، وقال عبر حسابه بتويتر: "رحم الله اللاعب الكبير، وسنتذكره دائماً كواحد من أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية