هل هي حرب حماس أم حرب فلسطين؟

هل هي حرب حماس أم حرب فلسطين؟


27/05/2021

الحرب الأخيرة التي حدثت على غزة، حرب من الصعب وصفها هكذا، بأنها حرب على غزة، إنّها أولاً حرب على كل فلسطين، وعلى كل الفلسطينيين، حتى على أولئك الذين يعتقدون أنهم يحاربون سلمياً بالسياسة والحوار والمفاوضات، وهي ليست الحرب الأخيرة، إنها حرب بدأت منذ أن وطأت أقدام الاحتلال أرض فلسطين، وبقيت مستمرة إلى اليوم، وهي مستمرة بالفعل، ولا أحد يمكنه أن يجرؤ على أن يقول إنّ غزة استطاعت أن تقرِّب موعد النصر.

فكرة التوسع في الاستخدام اللغوي والإعلامي لمصطلح "حرب غزة" يخدم حماس لكنه لا يخدم كل فلسطين

حين بدأت الاشتباكات في حي الشيخ جراح، قبل دخول غزة وحماس والفصائل الموجودة في غزة، على الخط، بدت هذه الحرب كمؤشر على أنّ كل مكان في فلسطين هو هدف استراتيجي وعسكري للاحتلال، وأنّ المقدسات هي أول هذه الأهداف، ليس لأنّها تشكل لليهود قيمة دينية، بل لأنّها تشكل للمسلمين والمسيحيين قيمة دينية كبرى، ولا يمكن لإسرائيل أن تحقق تقدماً على الأرض بتمكين دولتها المزعومة إلا من خلال كسر صلابة الحالة الخاصة التي تجمع المسلمين والمسيحيين بمقدساتهم، وهي - أي إسرائيل - لا تفتأ تحاول أن تختبر ذلك بتنفيذ بعض الممارسات التي من شأنها مع التكرار، هكذا تعتقد، أن ترسخ أو يستقر في وجدان الناس أن الاعتداء على المقدسات ليس أمراً مستحيلاً، على قاعدة ألبير كامو التي تقول إنّ "ممارسة الإرهاب تخدر الإحساس بالجريمة"، وعليه فإنّ إسرائيل تعتقد أن ممارسة الاعتداءات المتكررة على المقدسات قد تصل إلى حالة من تخدير الإحساس بهذه الجريمة التي تعتقد إسرائيل بأنها لو صعّدت من حالة الاعتداءات بشكل أكبر فإنّ الأرض ستشتعل من تحتها جهنماً.

اقرأ أيضاً: كيف ستتصرف حماس بعدما صمتَ هدير المدافع؟

من هنا ربما تكمن خطورة نقل معركة كل فلسطين إلى غزة، ولو على المستوى الإعلامي، الذي يستطيع مع الوقت صياغة الوعي والوجدان العمومي بطريقة مختلفة لا أحد يرغب بها. فحماس تتمترس داخل غزة، وتعمل فيها كما لو أنّها دولة مستقلة تعاني من الأعداء على كل جبهاتها ومحيطها، وداخلها أيضاً، لذلك فإنّ فكرة التوسع في الاستخدام اللغوي والإعلامي لمصطلح "حرب غزة" يخدم حماس، لكنه لا يخدم كل فلسطين، صحيح أنّ حماس تدخل دائماً على مختلف جبهات الحرب في كل مكان تقريباً في فلسطين، لكن سرعان ما يتحول ذلك إلى أن ما يحدث هو حرب غزة، وحرب حماس.

اليوم المجتمع الفلسطيني متوحد على فكرة المقاومة عموماً بغض النظر عن الفاعل الرئيسي فيها

ثمة إشكالية تداولية أخرى لدى حماس، فهي تصدر خطابها بانتصاراتها "الآنية" بلغة حصرية، بمعنى أنّ هذه الحرب حربها وحرب غزة، دون محاولة ترضية بقية الفصائل المقاومة الأخرى التي بدت متواضعة الأثر والتأثير في مجريات الحرب وسياقات المقاومة، وحماس لم تشأ ربما أن تشرك أحداً معها في قطف ثمرة الانتصار، كما لو أنّ الفصائل الأخرى هي كتائب لديها أو سرايا في جيشها. سيشكل ذلك على المدى المتوسط حالة من الرفض لاستئثار حماس بكل متعلقات الحرب، إن قيل مقاومة، سيؤشر الجميع إلى حماس، وإن قيل نصر، سيقال نصر حماس، وإن قيل الصمود الفلسطيني سيلتفت الكثير إلى حماس، صحيح أنه من حقها ما دامت هي الأكثر أثراً وتأثيراً، لكن ذلك لا يجب أن يدعها تبدو وكأنها هي القضية وهي السلطة وهي فلسطين وهي المقاومة وهي الدولة.

اقرأ أيضاً: ما موقف حماس من إشراف السلطة الفلسطينية على إعادة إعمار غزة؟

على حماس أن تدرك أنّ استثمار ما تحققه من انتصارات للمقاومة يجب أن يتم توظيفه باتجاه توحيد كل قوى الصمود الفلسطيني، لا باتجاه الاستئثار والفردية واختصار كل ما يحدث بمصطلح "حماس". عليها أن تدخل حرباً موازية، حرباً ودية أو ودودة إن جاز لنا أن نسميها حرباً، فقط لأنها صعبة وقاسية تتطلب تنازلات ومفاوضات وتسويات بين كل أطراف فلسطين وأطراف الفلسطينيين وكياناتهم السياسية والعسكرية والأيديولوجية، ومع أن ذلك قد يبدو مستحيلاً، أو صعباً للغاية، إلا أنّه بحكم الضرورية والحتمية يجب فعله وإدراكه وصولاً إلى خطاب فلسطيني واحد، وليس فصائلياً متعدداً.

إنّ ما تحقق، وما وصلت إليه حماس من قوة مؤثرة على مستوى الاحتلال وعلى المستوى الإقليمي والدولي، يفترض أن يصنع فارقاً في حالة النزاع الداخلي الفلسطيني، هل تبدو حالة نزاع أم تنافس أم استقطاب أم عداء تاريخي بحكم الأيديولوجيات المتشظية..؟ ربما هي كل ذلك معاً، لكن الأكيد أنه لا يوجد أقوى من "الاحتلال" سبباً للتوحيد، ومحفزاً للتقارب، وتكريساً لحالة وطنية صلبة لا تخترقها سهام الانقسام.

على حماس إدراك أنّ استثمار ما تحققه من انتصارات للمقاومة يجب أن يوظَّف باتجاه توحيد كل قوى الصمود الفلسطيني

اليوم المجتمع الفلسطيني متوحد على فكرة المقاومة عموماً، بغض النظر عن الفاعل الرئيسي فيها، ومتوحد على فكرة الصمود دون الالتفات إلى الأيديولوجيات، والذي يعمل من أجل النصر والمقاومة بفكر أيديولوجي متباين سيضر بمشهد المقاومة وحالة الصمود ولو على المدى الطويل، وأقول على المدى الطويل؛ لأن الاحتلال الذي انوجد منذ ما يقارب القرن من الزمان، لن يقبل بحرب واحدة خسرها أو تراجع عنها سبباً للهروب، سيبقى احتلالاً، وسيبقى يقدم أسباب الحرب حتى لو جلس صامتاً في ثكناته وخلف مكاتبه، فهي حرب مستمرة، لم تبدأ بالأمس ولن تنتهي في الغد، لذلك تبدو خطورة محاولة اختصار الحرب بغزة واختصار المقاومة بحماس، سيسهل ذلك على الاحتلال الاستمرار في حصار هذين المكونين حتى يصلا إلى حالة إنهاك وتعب وتراجع، وهو ما لا يريده الفلسطينيون جميعاً، فالحرب حربهم جميعاً والمقاومة مقاومتهم والانتصار والصمود لهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية