هل وصلت رسائل تحذير قمة النقب إلى القيادة الإيرانية؟

هل وصلت رسائل تحذير قمة النقب إلى القيادة الإيرانية؟


06/04/2022

في قمّة لم يكن تمّ الترتيب لها بشكل مسبق، ومن الواضح أنّ قرار عقدها تمّ اتخاذه على عجل، التقى في صحراء النقب وزراء خارجية: أمريكا وإسرائيل، بالإضافة إلى عدد من الدول العربية التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل "الإمارات والبحرين والمغرب"، فيما حضر القمة وزير الخارجية المصري، وامتنع الأردن عن حضورها ارتباطاً بترتيبات مسبقة لزيارة مقررة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وبرفقته وزير الخارجية إلى رام الله للقاء مع القيادة الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: إيران في موسم الأزمات

(3) ملفات حضرت على طاولة مباحثات وزراء الخارجية في قمّة "النقب"، تفاوتت أوزانها النسبية في الأهمية بالنسبة إلى الأطراف المشاركة في الاجتماع؛ وهي أوّلاً: تداعيات الاتفاق النووي الجديد بين إيران وأمريكا، وثانياً: الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها، أمّا الملف الثالث، فهو القضية الفلسطينية ومستقبل المفاوضات بين الجانبين؛ الفلسطيني والإسرائيلي، بما فيها حلّ الدولتين، ويبدو وفقاً لتسريبات من داخل القمة ونتائجها كان الملف الفلسطيني الأقلّ حضوراً، في ظلّ أولوية الملفين؛ الأوّل والثاني، بالنسبة إلى أمريكا وإسرائيل.

وبالرغم من محاولة إسرائيل إضفاء أهمية للقمّة، باعتبارها الأولى من نوعها مع دول عربية، وأنّها تمهّد لإنشاء تحالف في الإقليم ضد التهديدات التي تمثلها إيران بعد الاتفاق المتوقع إنجازه، إلّا أنّ عدم صدور بيان ختامي بعد القمة يوضح ما تمّ الاتفاق عليه، والاكتفاء بالإعلان عن تحول القمّة إلى "منتدى دائم"، وصدور تصريحات فردية من قبل وزراء الخارجية أكدت استمرار الفجوات بين المشاركين في القمّة، وتفاوت مستويات اهتماماتهم تجاه الملفات المطروحة.

تداعيات الاتفاق النووي مع طهران

على صعيد تداعيات الاتفاق النووي، حاولت إسرائيل، في ظلّ تقديرات استراتيجية أمنية وعسكرية متفق عليها مسبقاً أنّ ما سيتم الاتفاق عليه لن يوقف أطماع إيران بصناعة أسلحة نووية، ولا يوقف برامجها الصاروخية والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى استمرار تهديد الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والميليشيات التابعة له في الإقليم، حاولت أن تجعل هذا الملف يتصدّر أعمال القمة، بوصفه قضية متفقاً عليها تؤسّس لتحالف أمني وعسكري بين دول المنطقة ضد إيران، وبالتزامن يُرجح وعلى نطاق واسع أنّ وزير الخارجية الأمريكي قدّم تطمينات لإسرائيل، وبصورة أقلّ للدول العربية، أنّه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران، ولم تتخذ واشنطن قراراً بعدُ برفع العقوبات عن الحرس الثوري وفيلق القدس، هذا بالإضافة إلى أنّ الاتفاق سيكون مؤقتاً، وسيخضع تنفيذه لرقابة صارمة من واشنطن، وبما يتجاوز الثغرات التي ظهرت بعد الاتفاق السابق عام 2015، وفي محاولته تقديم ضمانات لإسرائيل أكد الوزير الأمريكي التزام أمريكا بأمن إسرائيل، وتقديم دعم مالي وعسكري لها، بما في ذلك تعزيز وتجديد "القبة الحديدية" لمواجهة أيّ تهديدات إيرانية مستقبلاً.

(3) ملفات حضرت على طاولة مباحثات وزراء الخارجية في قمّة "النقب"، وهي: تداعيات الاتفاق النووي الجديد بين إيران وأمريكا، والحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها، والقضية الفلسطينية ومستقبل المفاوضات بين الجانبين

 

رفضُ إسرائيل للاتفاق، الذي تمّ التعبير عنه خلال زيارات عديدة قام بها المستويان الأمني والعسكري، ولقاءاتهما مع الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع، لم تسفر عن تراجع أمريكا عن المضي في إنجاز الاتفاق، واستناداً لمخرجات اللهجة الإسرائيلية التي أصبحت أقلّ حدة تجاه إيران، واتخذت مسارات "التحذير" بدلاً من "التهديد والوعيد"، فإنّ التسريبات التي تزعم أنّ إسرائيل تلقت عبر واشنطن تعهدات من إيران بعدم استهداف إسرائيل تبدو واقعية، وهو ما يعني أنّ استمرار التنسيق الأمني والعسكري ما بين إسرائيل ودول الخليج العربي إنّما يأتي من باب عدم الثقة بإيران من جهة، ولإرسال رسالة ضغط وتحذير لطهران، وهو الهدف نفسه الذي أراد وزير الخارجية الأمريكي إرساله لإيران من خلال هذه القمة بأنّ بدائل خرق إيران للاتفاق بشقيه "السرّي والعلني" سيبقى قائماً.

فشل أمريكي بانتزاع مواقف تدين روسيا

أمّا فيما يتعلق بالملف الثاني، وهو الحرب الروسية ـ الأوكرانية، فمن الواضح أنّه موضع اهتمام الوزير الأمريكي، الذي يدرك المواقف المسبقة للدول المشاركة، بما فيها "إسرائيل والإمارات ومصر" من هذه الحرب، وتمسّكها بمواقف رافضة للانحياز للموقف الأمريكي بسبب مصالحها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا، فمن جانبها حافظت إسرائيل على موقف لا يستعدي روسيا في حسابات عديدة من بينها بتسهيلات روسية لإسرائيل في مواجهة الميليشيات الإيرانية في سوريا، فيما لدى مصر حساباتها الخاصة بعلاقاتها العسكرية والاقتصادية مع روسيا، بالتزامن مع علاقات غير "دافئة" مع الإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما يفسّر التحاق وزير الخارجية المصري بالقمّة، وتصريحاته اللاحقة حول نتائجها ومقرراتها، أمّا بالنسبة إلى الإمارات، فإنّ موقفها برفض المطالب الأمريكية بزيادة إنتاجها من النفط، بديلاً للنفط الروسي، في ظل علاقات "غير دافئة" مع الإدارة الأمريكية تشترك فيها مع المملكة العربية السعودية، وصلت إلى شكوك عميقة في دور أمريكي بهجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ الحوثية التي تصاعدت باستهداف الإمارات والسعودية.

وإذا كان من نتائج القمّة أنّها نجحت في التوافق نسبياً على موقف تجاه مستقبل الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، ومضمونه إرسال رسالة لإيران بأنّ هناك بدائل في حال خرقها لتعهداتها، فإنّ القمّة لم تنجح في الإجماع على موقف يؤيد الموقف الأمريكي تجاه الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو ما أكدته التصريحات الفردية لوزراء الخارجية بعد القمّة، لا سيّما مع ازدياد المؤشرات على إمكانية التوصل إلى اتفاق على وقف العمليات الحربية بين الجانبين، فيما أبدى المشاركون بالقمّة مواقف معلنة حول استعدادهم لوساطة بين روسيا وأوكرانيا.

السعودية وتركيا ما بين الغياب والحضور

أمّا بالنسبة إلى الموقفين؛ السعودي والتركي، فمن المؤكد أنّ أنقرة والرياض غير بعيدتين عن أجواء القمّة، وتحديداً في ملفها المرتبط بتداعيات الاتفاق النووي الجديد، في ظل مرجعيتين وهما: توجهات أنقرة بتصفير مشاكلها وخلافاتها مع العواصم الفاعلة في المنطقة، بما فيها إسرائيل، استناداً لمرجعيات مرتبطة بالمصالح التركية في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة، بالإضافة إلى المواجهات بين وكلاء تركيا وإيران في سوريا، وتناقضات أنقرة مع طهران في ساحات تشهد صراعات، كما هو الصراع بين أرمينيا وأذربيجان وغيرها، فيما أجابت تصريحات ولي العهد السعودي لـ"بلومبيرغ" قبل أسابيع على الموقف السعودي من القمة دون الإعلان عنه، حينما وصف إسرائيل بأنّها "دولة لم تعد عدوّاً، وأنّ السعودية تنظر لإسرائيل بوصفها حليفاً محتملاً"، لا سيّما أنّه رغم المفاوضات بين الرياض وطهران، فإنّ السعودية على يقين من استمرار الاستهداف الإيراني لها، من خلال ما يقوم به الحوثيون من استهداف مواقع ومنشآت اقتصادية ومدنية بالسعودية.

من أبرز نتائج القمة

1ـ ياتي انعقاد القمّة في النقب محطة لتحولات في المنطقة، عنوانها التمهيد لتشكّل نظام إقليمي شرق أوسطي جديد، بدخول إسرائيل بوصفها دولة إقليمية في المنطقة في هذا النظام بعد إبرامها اتفاقات سلام وتطبيع علنية مع (6) دول عربية، إضافة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، فيما يتردد عن علاقات أخرى مع كثير من الدول العربية دون إبرام اتفاقات سلام معلنة.

2ـ حاولت إسرائيل إحاطة انعقاد القمّة بهالة إعلامية، هدفها إرسال رسالة لطهران بتشكيل تحالف عسكري وأمني جديد في المنطقة ضد تهديداتها، وأنّ إسرائيل أصبحت جزءاً من هذا التحالف، وهو ما يعني أنّ أهدافاً أخرى أرادت إسرائيل تحقيقها، من بينها تأكيد دورها في المنطقة بوصفها دولة إقليمية، بما يتضمنه هذا الإعلان من إشارات ضمنية حول تعاون بين أقطاب هذا التحالف في المجالين العسكري والأمني.

 

ياتي انعقاد قمّة النقب محطة لتحولات في المنطقة، عنوانها التمهيد لتشكّل نظام إقليمي شرق أوسطي جديد، بدخول إسرائيل بوصفها دولة إقليمية ضمن هذا النظام بعد إبرامها اتفاقات سلام مع (6) دول عربية

 

 3ـ تُشكّل مواجهة تهديدات إيران والحرس الثوري الإيراني قاسماً مشتركاً لغالبية دول المنطقة، لا سيّما مع التسريبات التي تشير إلى أنّ الصفقة النووية القادمة تتضمن رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب الأمريكية، لكنّ التعاطي والاستعداد للتعامل مع هذا التهديد يتفاوت بين دول وأخرى، فعلى سبيل المثال فإنّ مصر والأردن، وإن كانت تتفق مع مقاربة أنّ التوجهات الإيرانية تُشكّل تهديداً للمنطقة، إلّا أنّ لدى القاهرة وعمّان مقاربة ترى أنّ استمرار تعثر عملية السلام على المسار الفلسطيني يُشكّل تهديداً يحتلّ أولوية أهم من التهديد الإيراني، وهي مقاربة تختلف عن مقاربات دول خليجية ترى أنّ مواجهة التهديد الإيراني تُشكّل أولوية لمتطلبات أمنها القومي، فيما لدى القيادة التركية حساباتها تجاه التهديد الإيراني، في ظلّ اشتباكات مع القيادة الإيرانية في العديد من الساحات، وفي مقدّمتها سوريا.

اقرأ أيضاً: إيران تشهد موجهة احتجاجات... ما المطالب؟

4ـ استمرار هذا التحالف الجديد وآفاق التعاون بين أعضائه، وتحديداً في الجانبين؛ الأمني والعسكري، سيكون رهناً بالسياسات الإيرانية، التي ستظهر بعد تنفيذ الاتفاق، وتحديداً تهديدات الحرس الثوري وفيلق القدس وأدواره المتوقعة في الإقليم، بالإضافة إلى كيفية "صرف" القيادة الإيرانية للمليارات التي سيتمّ الإفراج عنها بعد رفع العقوبات، فهل ستذهب للتنمية ومشاريع البنية التحتية، أم ستواصل إيران توجيه تلك الأموال بما يخدم استراتيجية تصدير الثورة؟.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية