هل وصلت ظاهرة الإرهاب الجهادي إلى الصين؟

هل وصلت ظاهرة الإرهاب الجهادي إلى الصين؟


20/09/2021

ترجمة: علي نوار

"تحظى قومية الهان بالشعب، بينما تتمتّع القوميات الأخرى من الأقلّيات بالأرض؛ لذا يجب على الهان أن يساعدوا القوميات الأخرى في الارتقاء بمستوى المعيشة والوعي بالأفكار الاشتراكية، فيما توفّر الأقلّيات الموارد الطبيعية اللازمة للتحوّل الصناعي وتنمية الوطن"، حسبما يقول زعيم الثورة الصينية ومؤسس جمهورية الصين الشعبية، ماو تسي تونج.

يحتوي إقليم شينغيانغ، ذاتي الحكم، على عدد كبير من مناجم الفحم وآبار النفط والغاز، وكذلك النحاس والحديد، فضلًا عن مساحات شاسعة من الأراضي القابلة للزراعة والمراعي وضعف الموارد المائية التي توجد في باقي مقاطعات الصين مجتمعة.

اقرأ أيضاً: مسلمو الإيغور.. بين الاضطهاد الصيني والمتاجرة التركية

ويعمل شينغيانغ كجسر يفضي نحو أسواق آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط، ما يعني أنّه يلعب دوراً كبيراً في مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، البرنامج الاقتصادي الطموح العابر للقارّات والذي دشّنه الرئيس الصيني، شي جينبينج، عام 2013، وتمرّ عبر الإقليم ثلاثة من المسارات الستّة التي يُنتظر أن يتضمّنها المشروع، أحدها ذلك الذي يصل كشغر بميناء جوادر في باكستان.

خريطة الصين وإقليم شينغيانغ

وتعيش في شينغيانغ أغلبية من عرق الإيغور على حساب الهان لكن سُلطات بكين تسعى لتغيير هذا الوضع؛ ففي عام 2007، زعمت صحيفة "تشاينا ديلي" الرسمية الناطقة بالإنجليزية؛ أنّ "المجموعة العرقية الأكثر هي الهان ويُقدّر قوامها بسبعة مليون و497 ألف و700 فرداً، ما يُمثّل 40.6% من سُكّان شينغيانغ".

ويبدو أنّ هذا الوضع ينبثق من سياسات شي جينبينج الرامية لإعادة سطوة الحكومة المركزية، وبحسب خبير الشؤون الصينية والمتخصّص في السياسة الدولية، خوليو ريوس باريديس، فإنّ النزاعات على الأراضي التي تخوضها السياسة الصينية، بما فيها حالة شينغيانغ، تدفعها للتمسّك بهوية ثقافية مُجسّدة في عرق الهان بوصفه الأغلبية وأساس الوحدة الوطنية.

اقرأ أيضاً: هل تكون الصين الرابح الأول من عودة "طالبان"؟

ويوضّح ريوس باريديس؛ أنّ "نموذج الحُكم الذاتي الصيني يتشابه جُزئياً مع النظام السوفييتي، ويرتكز إلى مُعادلة أطرافها هي اللغة والحُكم الذاتي والهوية والانفصالية والأمن، بشكل يهدف إلى إحداث نوع من التجانس العرقي وبحيث يكون كإعادة إحياء للحضارة الصينية".

الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية

كان أول ذكر للحركة الإسلامية في تركستان الشرقية عام 2000، من قبل الصحفي الروسي، يوري يجوروف، في مقال نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا"، تحدّث فيه يجوروف عن لقاء نُظّم في أفغانستان، عام 1999، وجمع أسامة بن لادن وممثّلي الحركة الإسلامية في أوزبكستان وكذلك حركة تركستان الشرقية، وشهد الاتّفاق على تلقّي المنظّمتين الجهاديتين لتمويل من تنظيم القاعدة.

بدورها، أشارت سلطات قيرغيستان، في تقرير صادر عام 2001، إلى وجود صلات بين الحركتين المسلّحتين في كل من تركستان الشرقية وأوزبكستان، مضيفة أنّ عناصر التنظيمين حصلوا على تدريبات قتالية في باكستان وأفغانستان، إلّا أنّها لم تذكر اسم القاعدة.

خريطة منطقة الحكم الذاتي / شينغيانغ / الإيغور

وقد أعلن المشاركون في النسخة الأولى من قمّة منظمة شنغهاي للتعاون، التي عُقدت في حزيران (يونيو) من عام 2001؛ أنّ "الإرهاب والنزعات الانفصالية والتشدّد هي الشرور الثلاثة" التي ينبغي مكافحتها، بيد أنّهم لم يتحدّثوا عن الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية، لكن الصين عادت، عام 2002، لتنشر تقريراً أبرزت فيه أنّه "لا يمكن لإرهابيي تركستان الشرقية أن يفلتوا بجرائمهم".

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1993، جرى اعتقال زعيم الحركة حسن محسوم، واسمه الحركي أبو محمد التركستاني، وهو من مواليد 1964 في منطقة كشغر بإقليم شينغيانغ، ووُقّعت السلطات الصينية بحقّه عقوبة "إعادة التأهيل عن طريق العمل" لمُدّة ثلاث سنوات، إلّا أنّ محسوم هرب إلى الخارج، عام 1997، قبل أن يتمّ القضاء عليه، في كانون الأول (ديسمبر) 2003، في عملية للقوّات المسلحة الباكستانية بالتعاون مع الولايات المتحدة، وكانت بكين قد نسبت إليه تدريب جهاديين والتخطيط لهجمات إرهابية داخل الصين.

في حزيران (يونيو) من عام 2015، نُشر تسجيل لزعيم الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية يدعو فيه أتباعه لشنّ هجمات داخل الصين والسفر إلى مناطق النزاعات كمقاتلين أجانب

وقد أشار التقرير المذكور كذلك إلى اجتماع أعضاء الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية في مدينة قندهار الأفغانية، في شباط (فبراير) 2001، بممثلين عن كل من تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وأيضاً سفر عدد من إيغور شينغيانغ إلى الأراضي الأفغانية بغية الحصول على الإعداد القتالي والدورات التدريبية على استخدام الأسلحة والمتفجّرات، وعاد بعضهم إلى الصين بينما انخرط جزء منهم في صفوف طالبان، كما توجّه عدد من هؤلاء إلى الشيشان، أو شاركوا في الهجمات التي تعرّضت لها أوزبكستان أو المناطق الجبلية جنوبي قيرغيزستان.

وأثناء زيارته لبكين، أعلن نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريتشارد أرميتاج، في 26 آب (أغسطس) 2002؛ أنّ الإدارة الأمريكية تعتبر الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية جماعة إرهابية على خلفية شنّها لهجمات ضد المدنيين العُزّل، رُغمّ أنّ واشنطن لم تدرجها ضمن قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية، لكن في سياق موازٍ، طالبت كلّ من الولايات المتحدة والصين وقيرغيزستان وأفغانستان مجلس الأمن الدولي بتصنيف الحركة كمنظّمة إرهابية.

خريطة مشروع (حزام واحد.. طريق واحد)

بينما كشف تقرير أعدّه مركز "إيست-ويست" عام 2004؛ أنّ قرار الإدارة الأمريكية لم يستند فقط إلى تقارير بكين، بل وأيضاً بُني على معلومات من مصادر أخرى، خلافاً للصين، من بينها تحقيقات مع جهاديين أمكن اعتقالهم في أفغانستان وإيداعهم سجن غونتانامو.

وبعد القضاء على حسن محسوم، أعلن مجلس الأمن الدولي أنّ قيادة الحركة انتقلت إلى عبد الحق التركستاني، عضو مجلس شورى القاعدة، في 2005، والذي أمر بتدبير سلسلة من الهجمات وأرسل، في 2008، عناصر من الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية إلى ثماني مدن صينية شاركت في استضافة دورة الألعاب الأوليمبية عام 2008 لتخريب الأوليمبياد، وظهر عبد الحق، في نيسان (أبريل) 2014، وهو يحتفل عبر مقطع فيديو بالهجوم الانتحاري الذي استُخدمت فيه القنابل والسكاكين والذي راح ضحيّته ثلاثة قتلى وما لا يقلّ عن 70 مُصاباً في أورومتشي عاصمة إقليم شينغيانغ.

اقرأ أيضاً: كيف تستغلّ الإستراتيجية الصينية قوة الولايات المتحدة؟

وفي نيسان (أبريل) 2020، أعلنت قناة "سي جي تي إن" التلفزيونية الصينية بثّ سلسلة من أربعة أفلام وثائقية بعنوان "الحرب بين الظلال: تحدّيات الحرب ضد الإرهاب في شينغيانغ"، وأكّدت في تقديمها أنّ "أرض الثروات- شينغيانغ- لم تنعم بالهدوء دوماً؛ فقد وقعت آلاف الأعمال الإرهابية منذ 1990 وحتى 2016 لتتسبّب في مقتل عدد ضخم من الأشخاص الأربعاء ومئات من أفراد الشُرطة".

وعلى ذكر هذا التاريخ، أشارت سُلطات شينغيانغ، في 28 كانون الأول (ديسمبر) 2016، إلى وقوع هجوم في كاراكاكس، جنوب الإقليم، حين هاجم أربعة أشخاص على متن سيارة بالمتفجّرات والسكاكين مقرّ الحزب الشيوعي الصيني، وطبقاً للبيانات الحكومية، راح ضحية الحادث قتيل وأصيب ثلاثة أشخاص، فيما تم إسقاط جميع المهاجمين برصاص قوات الأمن.

امتداد الحركة الإسلامية خارج حدود الصين

ويعود أول تحذير رسمي من السلطات الصينية بشأن وجود عناصر جهادية من الإيغور في النزاع الذي تشهده سوريا منذ 2011، إلى تشرين الأول (أكتوبر) 2012، وصرّح وقتها الجنرال يين جينان من جيش التحرير الشعبي؛ بأنّ المنظّمات الإرهابية من تركستان الشرقية استغلّت الحرب في سوريا كي تكتسب خبرات قتالية والتعريف بالصراع في شينغيانغ بين الجهاديين من الجنسيات الأخرى.

بدوره، ولدى سؤال وزير الخارجية السوري، عماد مصطفى، خلال مقابلة مع صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، في تموز (يوليو) 2013، حول أعداد الإيغور الصينيين في بلاده، قدّر مصطفى أنّ الرقم ربما يناهز 30 فرداً يتواجدون على الأرجح في محافظة حلب، مؤكّداً علمه بسابق حصولهم على "تدريبات عسكرية في باكستان ثم سافروا إلى تركيا".

وفي حزيران (يونيو) من عام 2015، نُشر تسجيل لزعيم الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية يدعو فيه أتباعه لشنّ هجمات داخل الصين والسفر إلى مناطق النزاعات كمقاتلين أجانب.

الإرهاب والنزعات الانفصالية والتشدّد هي الشرور الثلاثة

وبحلول العام التالي، ذكرت قناة "العربية نيوز"؛ أنّ "وجوداً غير مسبوق للمقاتلين الأجانب في إحدى المدن النائية بمحافظة إدلب، شمال سوريا، أثار مخاوف السُكّان السوريين"، ووصل هؤلاء الأفراد من عرق الإيغور، والذين قُدّرت أعدادهم بالآلاف، إلى سوريا برفقة عائلاتهم بعد حملة عسكرية باكستانية بدعم من الصين، على حدود أفغانستان، وانخرط هؤلاء تحت لواء تنظيم عُرف باسم "الحزب الإسلامي التركستاني" المتعاون مع جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، حتى انشقاقه في 2016.

بيد أنّ الجهاديين من الإيغور لم ينشطوا في سوريا وحدها؛ فقد فجّر إرهابي سيارة مفخّخة كان يقودها أمام بوابات السفارة الصينية في بيشكيك عاصمة قيرغيزستان، لقي الانتحاري مصرعه أثناء الهجوم وتسبّب الانفجار في إصابة عدد من الأشخاص، ونسبت السلطات القيرغيزية الحادث إلى الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية.

بعض المراقبين: الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية ليست في الحقيقة سوى تنظيم وهمي أنشأه الحزب الشيوعي الصيني بهدف وأد أية معارضة من الإيغور

ولم يكن ذلك الهجوم الوحيد الذي تشنّه الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية داخل قيرغيزستان، ووفق القيادة المركزية للولايات المتحدة؛ جرى تسليم فردين من الإيغور إلى الصين، في 2002، بعد القبض عليهما في قيرغيزستان إثر شروعهما في التخطيط لهجوم ضد السفارة الأمريكية في بيشكيك.

ونفّذت القيادة المركزية الأمريكية، في شباط (فبراير) 2018، غارات جوية في ولاية بدخشان استهدفت معسكرات تدريب تابعة لطالبان كانت تستعملها الحركة كقاعدة "لعمليات إرهابية داخل أفغانستان، وكذلك العمليات التي تشنّها الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية بالمنطقة الحدودية مع الصين وطاجيكستان".

شكوك وجدل

لكنّ حجم ومدى تغلغل التنظيم كان محلّ تساؤلات دفعت بالبعض للتشكيك في وجوده من الأساس، وهو ما عبّر عنه آليم سيتوف رئيس الجمعية الأمريكية للإيغور في 2013 بتصريحه "لا نعتقد بوجود الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية كمنظمة، لا أحد يملك دليلاً دامغاً على وجودها؛ بل حتى الصين نفسها لم تكشف مكانها أو هويّة زعيمها، لكنّ كلّ ذلك لم يحل دون الزجّ باسم الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية في كل مرّة يحدث خلالها أمر يتضمّن الإيغور كي تنكّل بهم".

وبحسب تقرير صادر عن "مجلس العلاقات الخارجية"، عام 2014، فإنّ "الخبراء يقولون إنّه من الصعب الحصول على معلومات موثوق فيها بشأن الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية، فضلاً عن غموض مدى أنشطتها الإرهابية وصلاتها بالإرهاب العالمي"، لكن الخبراء يتّفقون في أنّ مئات من الإيغور انضمّوا لتنظيم القاعدة وحركة طالبان المضيفة له في أفغانستان، بينما يعتقد البعض أنّ الروابط مع تنظيم بن لادن انقطعت مع الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية.

إلّا أنّ خبراء "المركز الدولي لمكافحة الإرهاب" لا يؤيّدون هذه الأطروحات؛ حيث أكّدوا، في 2017، أنّه "بينما يستمر تعاون الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية مع طالبان، انتشر الجهاديون الإيغور الآن في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، كما أنّ عناصر الحركة يقاتلون تحت راية فرع القاعدة في سوريا".

وتتبنّى "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" هذا الرأي بتسليطها الضوء على العلاقة بين الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية والإرهاب العالمي؛ حيث رأت أنّ "الحركة جزء من شبكة القاعدة، لا شكوك حقيقية في ذلك، لقد دفعت السياسات الكريهة للحزب الشيوعي الصيني في شينغيانغ بعض النشطاء من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان للتقليل من شأن الإرهاب الذي تمارسه الحركة".

وأضافت المؤسسة أنّ "بعض المراقبين كوّنوا وجهة نظر غير مألوفة مفادها أنّ الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية ليست في الحقيقة سوى تنظيم وهمي أنشأه الحزب الشيوعي الصيني بهدف وأد أية معارضة من الإيغور، لكن لا دليل على ذلك أيضاً".

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3hNltep




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية