هل وصل الانقسام السياسي الحاد في تونس إلى طريق مسدود؟

هل وصل الانقسام السياسي الحاد في تونس إلى طريق مسدود؟


18/03/2021

انسداد سياسيّ غير مسبوق، تعيش على وقعه تونس للأسبوع الثامن على التوالي، فشلت كلّ محاولات الوساطة في إيجاد مخرج له، بعد تمسّك رموز السلطة في تونس كلٌ بموقفه، ما أدخل البلاد في مرحلة استقطاب ثنائيّ شديدة، قسّمت التونسيين إلى فريقين متقابلين، انطلقت معاركهم بمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعيّ.

اقرأ أيضاً: تونس: العنف السياسي إلى ارتفاع في ظل النهضة والكرامة... واقعة المطار مؤشراً

هذا الانسداد يأتي بعد تعطّل قنوات الحوار بين رموز السلطة؛ رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، من جهة، وبين أحزاب البرلمان ممثلة في حركة النهضة وحلفائها مقابل الحزب الدستوري الحرّ وداعميه من جهةٍ أخرى.

صراع بين رموز السلطة

ومنذ أواخر كانون الثاني (يناير)، ينتظر 11 وزيراً في تونس مباشرة مهامهم، في وقتٍ يحتدم فيه الخلاف بين رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، ورئيس الحكومة، هشام مشيشي؛ حيث عبّر سعيّد عن رفضه صراحة لوجود وزراء، دون أن يسميهم، في التشكيلة الحكومية المعدلة، بدعوى وجود شبهات فساد وتضارب المصالح تتعلّق بهم، مؤكداً عدم قبول أدائهم اليمين الدستورية أمامه لتسلّم مهامهم.

مخاوف من تحول صراعات الأحزاب إلى نزاعات في الشارع

وفي تصعيدٍ لافتٍ؛ اشترط سعيّد استقالة الحكومة الحالية برمّتها من أجل الدخول في حوارٍ وطني، يضمّ بعض الأطراف للخروج بالبلاد من حالة الانسداد التي تعيشها، وفق ما أكّده الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي، نور الدين الطبوبي، فيما يستبعد المشيشي استقالته في الوقت الحالي، معتبراً أنّها غير مطروحة، وأنّه بصدد التجهيز لمرحلة إصلاحات اقتصادية واجتماعية.

استثمرت البرلمانية عبير موسي في ضعف الأمل والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وواصلت انتقاداتها للإسلاميين الذين ظلّوا في الحكم لعقد من الزمن

ويحظى المشيشي، الذي تولى منصبه الصيف الماضي، بدعم من رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي وحلفائه؛ قلب تونس الليبيرالي، وائتلاف الكرامة ذي التوجه الإسلامي، فيما يحظى سعيّد بدعم باقي الأحزاب؛ في مقدّمتهم حزب التيار الديمقراطي (وسطي) وحركة الشعب (قومية).

ويرى المحلل السياسي إبراهيم حداد؛ أنّ التجاذبات السياسية المتصاعدة في تونس بين كبار المسؤولين في الدولة لا يبدو أنّها في الطريق إلى الحلّ، ويعتقد أنّ أفضل طريقة لضمان استقرار الأوضاع هي إجراء انتخابات سابقة لأوانها، مع صعود أغلبية برلمانية جديدة، مطالبة بتنقيح الدستور فوراً، من أجل تغيير القانون الانتخابي، الذي أفرز برلماناً هجيناً عاجزاً عن معالجة الأزمات.

اقرأ أيضاً: هكذا جرّت حركة النهضة الإخوانية تونس نحو الخراب

ويؤكّد حداد، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ "تسيير الدول لا يُدار هكذا، خصوصاً أنّ رموز السلطة غير قادرين على التوافق، في وقتٍ تستطيع أكثر الدول عداوةً فيما بينها الاتفاق"، معتبراً أنّ "هذا الصراع سيؤدي بطريقةٍ أو بأخرى إلى شحن الأجواء العامة، وقد تتطوّر الأمور إلى الأسوأ".

استقطاب ثنائيّ بين أحزاب البرلمان

وتشير هذه التطورات في المشهد السياسي التونسي إلى جانب الصراعات التي يعيشها البرلمان بين أحزابه، إلى عودةٍ قويةٍ لحالة الاستقطاب الثنائي، مثلما كان الأمر في السابق بين "النهضة" و"نداء تونس، خلال الفترة النيابية 2014-2019.

أطراف هذا الاستقطاب هم كلّ من حركة النهضة كطرف دائم في هذا التنازع السياسي، فيما ظهرت قوى أخرى، في مقدمتها الحزب الدستوري الحر، الذي واجه الحركة داخل البرلمان الذي يرأسه زعيم النّهضة، راشد الغنوشي، ثم انتقلت المواجهة إلى الشارع.

هذه المواجهة في الشارع انطلقت بتنظيم الدستوري الحرّ مسيرةً حاشدة بمحافظة سوسة  للمطالبة بحقوق الشعب في التنمية، ورفض السياسات المتبعة، سواء من رئيس الحكومة هشام المشيشي، أو من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

اقرأ أيضاً: تظاهرات متبادلة في تونس: هل يهرب أطراف الصراع من حلول التوافق؟

وردّت عليه النّهضة بمظاهرة شارك فيها عشرات الآلاف من أنصارها، رفعت خلالها شعار "الدفاع عن الشرعية والبرلمان"، وهو ما أثار انتقادات واسعة ضدّها، خصوصاً أنّه حزب حاكم، متسائلين بسخرية عن الطرف الذي يحتجّ ضدّه.

وانتهت باعتصام الدستوريّ الحرّ أمام فرع اتحاد العلماء المسلمين، الذي تدافع عنه النهضة، مطالبين الحكومة بإيقاف نشاطه ويتهمون القائمين عليه، وجلّهم من المنتمين لحركة النهضة "بدعم الإرهاب وإقامة دورات تكوينية تشجع على العنف والتطرف وتخدم التيارات الدينية المتشددة".

اقرأ أيضاً: هل يفقد الغنوشي عرش البرلمان التونسي؟

ولم تتوقف مساعي الحر لسحب الثقة من زعيم النهضة، راشد الغنوشي، الذي يتولى رئاسة البرلمان، وقد ظهرت أطراف جديدةٌ، منها رئيس الجمهورية وحلفاؤه من الأحزاب، مثل التيار الديمقراطي وحركة الشعب، الذين يسعون إلى جمع إمضاءات للإطاحة بالغنوشي، وقد وصل عددها إلى الآن 103 إمضاءات، في انتظار بلوغ 109، لتصبح نافذة.

هذا الاستقطاب رأى فيه البرلماني اليساري السابق، أيمن العلوي، إشكالاً قديماً بين قوّتين متصارعتين منذ السبعينات بين الإسلاميين والدستوريين، حول التوجهات السياسية والاقتصادية نفسها، لكنّه اليوم أخذ منعرجاً خطيراً، تداخلت فيه إمدادات خارجية وإقليمية.

البرلماني اليساري السابق، أيمن العلوي

العلوي أضاف أيضاً، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ هذا التجاذب القوي هو في الحقيقة لا يعدو أن يكون صراعاً على السلطة، استعمل فيه الطرفان أجهزة الدولة من قضاء وأمن وإدارات لضرب بعضهما، وهو ما يضع الدولة في حالة انهيار تامّ، مرجّحاً أن يتطوّر وعي أغلبية الشعب، الذي سيتأكّد أنّ لا مصلحة له في هذا الصراع.

اقرأ أيضاً: لماذا تريد حركة النهضة عزل الرئيس التونسي؟

من جهته، أكّد أمين الاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، أنّ "الاتحاد لن يلعب دور المتفرج إزاء الوضع الخطير الذي تتّجه نحوه البلاد"، وأشار إلى أنّ لدى الاتحاد مخططاً بديلاً للضغط إيجابياً من أجل إعادة البوصلة نحو الخيارات الوطنية، لافتاً إلى أنّ البلاد تتجه نحو الخطر بسبب مهاترات النخبة السياسية الفاشلة التي تفتقر إلى مفهوم الدولة والمسؤولية.

التونسيّون منقسمون

على وقع هذه الصراعات أطلق كلّ طرف خطاباً يدين فيه خصمه السياسي؛ حيث جيّشت النهضة خلال الأيام الماضية، قواعدها للتظاهر، عبر منصّات التواصل الاجتماعي، وأطلقت خطاباً تقسيمياً لعبت فيه على وتر الخطاب الديني من أجل تقسيم المجتمع التونسي بين مؤمنين (أتباع النهضة)، وكفّار (الطبقة العلمانية)، في دعوة صريحة للفتنة.

البرلماني اليساري السابق أيمن العلوي لـ "حفريات": التجاذب القوي هو في الحقيقة صراع على السلطة، ما يضع الدولة في حالة انهيار تامّ

من جهتها، استثمرت البرلمانية عبير موسي في ضعف الأمل والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وواصلت انتقاداتها للإسلاميين الذين ظلّوا في الحكم لعقد من الزمن، رغم تواصل تراجع كلّ المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

أما الرئيس قيس سعيّد فلم ينفك منذ انتخابه يلقي خطابات غريبةٍ، استبطنت دائماً عداءً للنخبة السياسية الحالية، استعمل فيها معاجم الحرب والتخوين والمؤامرات في الغرف المظلمة،  ووزّع الاتهامات يميناً ويساراً دون ذكر طرفٍ بعينه.

اقرأ أيضاً: تونس الغاضبة تواجه سيناريو الفوضى مجدداً.. هل من بديل؟

هذه الصّراعات المستمرة بين أطراف اللعبة السياسية بين رموز السلطة انخرط فيها التونسيّون، بدايةً عبر منشورات يدافع فيها كلّ طرفٍ عن حزبه أو الطرف الذي يدعمه، ثم تطوّرت إلى حشود في الشارع، وسط مخاوف من أن يتحوّل العنف المنشور على منصات التواصل الاجتماعي إلى عنف مادّي.

هذا ويؤكّد المحلّل السياسي ورئيس مرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، أنّ الصراع الحزبي والسياسي انتقل من الحرب الباردة إلى حربٍ معلنةٍ، ثم إلى الشارع؛ حيث لم يعد مقتصراً فقط على السياسيين فيما بينهم، بل صار بين التونسيين المختلفين في توجهاتهم؛ حيث بات كلّ يدافع عن حزبه.

مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان

ورأى، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ هذا الصراع بات مفتوحاً على الصدامات والعنف بين المواطنين، بعد أن تجاوز في مرحلة سابقة العنف اللفظي بين السياسيين، ونشطاء التواصل الاجتماعيّ، مشدداً على أنّ هذه التطورات لها تأثير كبير على الوضع الاقتصاديّ المتأزم بطبعه.

وبعيداً عن الصراعات السياسية الداخلية في تونس، استقبل رئيس المجلس الرئاسي الجديد في ليبيا محمد المنفي، صباح أمس الأربعاء، الرئيس التونسي قيس سعيّد في مطار معيتيقة الدولي بطرابلس. وتعد الزيارة الأولى من نوعها لرئيس تونسي إلى هذا البلد المجاور منذ تسع سنوات، وفق فرانس 24.

 وكانت الرئاسة التونسية قد أعلنت في بيان نشر الثلاثاء أنّ زيارة سعيّد إلى ليبيا تهدف إلى "دعم المسار الديمقراطي" في البلاد وربط جسور التواصل وترسيخ التشاور والتنسيق" بين البلدين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية