هل وقّعت الحكومة الجزائرية شهادة وفاة الحراك الشعبي؟

هل وقّعت الحكومة الجزائرية شهادة وفاة الحراك الشعبي؟


17/05/2021

فرضت الحكومة الجزائرية شروطاً ثقيلة بشأن المسيرات الشعبية؛ من حيث فرض التصاريح والكشف عن أسماء المسؤولين عن المظاهرات ومساراتها، فهل وقّعت السلطة شهادة وفاة "الحراك"، المستمر منذ 22 شباط (فبراير) 2019؟

بمنظور وزير الداخلية الجزائري، كمال بلجود، فإنّ الإجراء أتى بعد أن شهدت المسيرات المنظّمة أسبوعياً "انزلاقات وانحرافات خطيرة"، تزامنًا مع تأكيد فريق من الحراكيين وجود "اختراق للمظاهرات من أطراف مشبوهة على نحو حرّف مسار الحراك في جمعته الـ 116". 

وأبرز بلجود أنّ المتظاهرين "لا يبالون بما يعانيه مواطنوهم من إزعاج وتهويل ومساس بحرياتهم، من خلال تصرفات أناس يغيرّون اتجاهات المسيرات في كلّ وقت، بدعوى أنّهم أحرار في السير في أيّ اتجاه وعبر أيّ شارع، وهو ما يتنافى مع النظام العام وقوانين الجمهورية".

وزير الداخلية الجزائري، كمال بلجود

وردّاً على المنتقدين، ركّز وزير الداخلية الجزائري على أنّ دستور بلاده يكفل حرية التعبير والتظاهر، لكنّ ذلك يتطلب "ضرورة التصريح من طرف المنظمين بأسماء المسؤولين عن تنظيم المسيرة، ساعة بداية المسيرة وانتهائها، المسار، والشعارات المرفوعة، وفق ما يتطلبه القانون".

لفت قائد أقدم حزب معارض في الجزائر إلى أنّ الجميع اليوم مطالب بالاحتكام إلى العقل والحلول الواقعية، ونبذ كلّ أشكال العنف والتفرقة والتطرف

وبلغة وعيد، شدّدت الداخلية الجزائرية على أنّ "عدم الالتزام بالقانون والدستور، سيسقط صفة الشرعية عن المسيرات، ويوجب التعامل معها على هذا الأساس"، هذا المعنى يؤكّده الكاتب حميد سعدو، الذي يكشف أنّ "تحقيقات أمنية أفضت إلى ضلوع الحركتين المعارضتين "الماك" و"رشاد" في ممارسات مشبوهة تمسّ على نحو خطير بالوحدة الوطنية وتلاحم الجزائريين، ما دفع المجلس الأعلى للأمن لإطلاق تحذير ممّا سمّاها "أعمال تحريضية وانحرافات خطيرة من قبل أوساط انفصالية، وحركات غير شرعية ذات مرجعية قريبة من الإرهاب، تستغلّ المسيرات الأسبوعية".

اقرأ أيضاً: جزائريون يسخرون من "التكاثر الإخواني" في البرلمان... ما القصة؟

وصرّح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مؤخراً؛ بأنّ "الدولة لن تتسامح مع انحرافات لا تمتّ بصلة للديمقراطية وحقوق الإنسان"، لذا وجّه لــ "التطبيق الفوري والصارم للقانون ووضع حدّ لهذه النشاطات غير البريئة والتجاوزات غير المسبوقة، لا سيما نحو مؤسسات الدولة ورموزها، والتي تحاول عرقلة المسار الديمقراطي والتنموي في الجزائر".

انقسام

يرى السيناتور عبد الوهاب بن زعيم؛ أنّ بيان الداخلية "أنهى مرحلة المسيرات غير الشرعية وغير المرخّصة وفوضى الشارع"، ونبّه المناضل في حزب جبهة التحرير إلى "محاولات بعض المندسين والمشبوهين والمغامرين والمنتفعين فرض الفوضى وإضعاف المؤسسات الأمنية، والظهور في ثوب الضحية"، وتابع: "حق التظاهر مكفول دستورياً، لكن وجب أن يكون منظّماً وقانونياً، فالأمر لم يعد لعبة والجميع يتحمّل المسؤولية، هناك طريق واحدة للعمل السياسي والتغيير؛ هي تطبيق واحترام اللعبة السياسية وقواعد القانون الانتخابي، وليس هناك طريق أخرى".

 السيناتور عبد الوهاب بن زعيم

وخاطب بن زعيم من سماهم "الحالمين بالمراحل الانتقالية والركوب السريع": "حتى وإن بقيتم ألف سنة وأنتم في الشوارع، لن تخضع الدولة للأشخاص والكيانات والفئات"، داعياً للاتحاد والتجنّد لكسب التحديات وإبقاء الدولة واقفة وشامخة"، وانتهى بالتأكيد: "تحيا الجزائر.. نحن الشعب، ونحن هنا فمن أنتم؟".

على النقيض، يقول الحقوقي عبد الغني بادي: "المسيرات مشروعة ومطالبها مشروعها، ولا يمكن لنظام غير شرعي أن يتحدث عن الشرعية وهو يفتقدها"، وأردف: "نظام غير شرعي يبحث عن مسيرات شرعية والتي بدورها تخرج من أجل البحث عن نظام شرعي".

منسّق حزب الشعب الجزائري الحرّ طارق سبتيوي لـ"حفريات":  الحراك ليس حزباً حتى يتم التعامل معه بتراخيص وتصريحات، بل هو هبة شعبية اعترف بها النظام

بدوره، يلحّ المحامي منير غربي على أنّ "الحراك الجزائري هو ثورة شعبية حضارية سلمية تهدف إلى إنقاذ الدولة، والحراك ليس لديه مسؤولين حتى يصرحوا بالمسيرة ولا بمسارها وتوقيتها، أما شعاراته فهي متجدّدة بحسب المستجدات، ومساره عفوي، أما قانونيته وشرعيته فهي مستمدة من ديباجة الدستور".

وبجانب تصريح الناشط نبيل بلهوان: "غير الشرعي يشرعن للشرعي بأنّه غير شرعي ويهدّده بعد ذلك باستعمال ما يعتقد أنه شرعي"، يجزم القانوني عبد الله هبّول: "الجزائريون الأحرار لما قرّروا الخروج، في 22 شباط (فبراير) 2019، لإنقاذ البلاد، وما يزالون يخرجون، لم يطلبوا ترخيصاً من السلطة، ولم يقدّموا لها تصريحاً، لأنّ الشعب هو صاحب السيادة والحراك الشعبي السلمي سيستمر حتى تحقيق التغيير الشامل والمنشود وإقامة دولة السيادة الشعبية والقانون".

مخاوف

يعبّر حزب العمال اليساري المعارض عن "قلقه الشديد إزاء تقييد الحكومة العمل السياسي عبر منع مسيرات يومي الجمعة والثلاثاء"، واعتبرت التشكيلة التي تتزعمها لويزة حنون "بهذه الكيفية توجّه الحكومة إنذارات وتهديدات لملايين الجزائريين الذين يخرجون في مظاهرات سلمية منذ أزيد من سنتين مطالبين برحيل النظام".

اقرأ أيضاً: "الفوضى المرعبة".. تشاد "قنبلة موقوتة" تهدد الجزائر والساحل

ويشير الحزب إلى أنّ ما يحدث "خطير من حيث مساسه بسيادة الشعب الذي استرجع حقاً دستورياً صادرته منظومة الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، لمدة طويلة مستخدمةً ذرائع واهية"، وتربط التشكيلة التي قاطعت الانتخابات التشريعية، المقررة في 12 يونيو (حزيران) القادم، الراهن بــ "مهاجمة حكومة رئيس الوزراء عبد العزيز جراد للحقّ في الإضراب"، بعد طرد 230 مستخدماً في جهاز الدفاع المدني إثر إضرابهم الأخير عن العمل، وتهديد آخرين بالمصير ذاته.

وتساءل حزب العمال عمّا إذا كانت "الحكومة تدرك مدى خطورة قراراتها؟"، محذّراً من تداعيات منع كلّ تعبير حرّ للجزائريين وسط ظرف اجتماعي صعب يشعله غلاء الأسعار واستمرار معضلة القوى العاملة، وعلّق: "كلّ إضراب يشنّه العمال الذين يكافحون من أجل بقائهم بينما تتهمهم الحكومة بالعمالة للخارج".

اقرأ أيضاً: الجزائر تحبط مؤامرة خطيرة... من يقف وراءها؟

ويتصوّر أتباع حنون، التي حلت ثانية في رئاسيات 2009؛ أنّ "ثورة 22 فبراير هي مسار طبيعي، ناتج عن عقود من التراكمات والكبت والحرمان والمعاناة، فلا يمكن لأحد التنبؤ بشكل ووتيرة وآجال هكذا مسار، فهل تجهل الحكومة أنّ عرقلة المجرى الطبيعي للنهر الهائج المتكررة قد يترتب عنها فيضان لا يمكن التحكمّ فيه، مخلّفاً خراباً لا يمكن توقعه؛ لذا من الضروري التوقف عن حشر مختلف الفئات الشعبية في الزاوية، عبر رفع كلّ العراقيل والقيود لأنّ المسألة تتعلق بحماية الوطن".

تحذيرات

يبدي طارق سبتيوي، منسّق حزب الشعب الجزائري الحرّ، تخوّفه من أن تؤدي تعليمة السلطات إلى "الاستيلاء على ثورة الشعب بالقوة وفرض قيود على المسيرات، بدل الاستماع إلى المعارضة وصوت الشعب وإصلاح الأوضاع التي تزداد سوءاً كلّ يوم".

ونوّه سبتيوي إلى أنّ "الحراك ليس حزباً حتى يتم التعامل معه بتراخيص وتصريحات، بل هو هبة شعبية اعترف بها النظام، واعتبر 22 شباط (فبراير) 2019 حراكاً تاريخياً ويوماً وطنياً بموجب الدستور"، وعليه جدّد سبتيوي "الوقوف الدائم إلى جانب الحراك الشعبي في نضاله البطولي والسلمي حتى تتحقق مطالبه".

اقرأ أيضاً: هل تُضحّي تركيا بإسلاميي الجزائر، كما تفعل مع إخوان مصر؟

من جهته، يسجّل يوسف أوشيش، الأمين الأول لحزب جبهة القوى الإشتراكية؛ أنّ جوهر النقاش يكمن في "عدم استجابة صنّاع القرار لتطلعات الثورة الشعبية، ما حال دون إنتاج مشروع سياسي يحفّز الشعب للالتفاف حوله"، وأوضح: "الإخفاق المتوقع للمسار، الذي أطلق بعد 22 شباط (فبراير)، ليس لأحد أن يتحمّله إلّا صنّاع القرار، ولا يمكن، بأية حال، إلصاقه بالنخب المعارضة أو نخب المجتمع، التي لها كل الحق في التفكير والمبادرة، وللمتحكمين في دواليب الحكم وفي وسائله توفير الظروف المثلى أمام فتح الطريق لإعداد مشروع وطني توافقي يكون بديلاً لحالة التيهان التي نعيشها اليوم".

ولفت قائد أقدم حزب معارض في الجزائر إلى أنّ "الجميع اليوم مطالب بالاحتكام إلى العقل والحلول الواقعية، ونبذ كلّ أشكال العنف والتفرقة والتطرف، ومن المسؤولية اليوم مراجعة المسارات وتصحيحها بعد استخلاص ذكي للدروس، والوقت لم يفت لجمع الجزائريين حول طاولة واحدة في أجواء من التهدئة والمسؤولية كي يشاركوا في بناء الدولة الوطنية والديمقراطية التي ستضمن لهم الكرامة والعدالة والحرية، وتتوجه بهم نحو التطور والازدهار".

اقرأ أيضاً: الجزائر تواصل محاصرة الإخوان... وتحبط مخططاً إرهابياً

ويعتقد كريم وأمين وشوقي، الذين يواظبون على التظاهر كلّ أسبوع: "القرار غير دستوري، والخطوة مناورة بداعي رغبة دوائر القرار في تمرير التشريعيات"، وتضيف الطالبة الجامعية سليمة: "ما يحصل هو ردّ فعل من السلطات على ما حصل في الجمعة الأخيرة، إثر تغيير الحراكيين لمسار المظاهرات بغرض تفادي القمع، والحكومة منزعجة أيضاً من الاحتجاجات الاجتماعية المتفاقمة".

وفي ثقة وإصرار، يؤكّد النقابي فرحات: "حراكنا متواصل، ولن نتوقف حتى نحقّق دولة العدل والقانون"، لكنّ الناشط مبارك رحال ينتقد الحراكيين: "عن أيّة مسيرات تتحدثون؟ هي مظاهرات للرقص والتصفيق والتصفير، لذا أقول انتهى وقت التهريج".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية