هل يتجه الحرس الثوري إلى عسكرة الرئاسة الإيرانية؟

هل يتجه الحرس الثوري إلى عسكرة الرئاسة الإيرانية؟


29/12/2020

تمثّل الانتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة، المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل، أهمية قصوى، على أكثر من مستوى، محلياً وإقليمياً، لا سيما في ظلّ التحولات الجيوسياسية التي جرت في المنطقة خلال العقد الأخير، وتداعياتها الأمنية والإستراتيجية.

وتضاف إلى ذلك؛ الأوضاع الاحتجاجية القائمة في طهران، منذ نهايات عام 2017، وحالة التنافس المحمومة التي تجري بين أطراف النظام، بينما تظهر انعكاساتها في مواقفهما المتباينة بخصوص حوادث سياسية، وملفات إقليمية عديدة، من بينها الاتفاق النووي، والتعاطي مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، والخلاف على الإدارة السياسية والصحية لأزمة كورونا.

النظام في طهران الذي يعتمد رؤية براغماتية ومصالحية، يضع مجموعة من الخطط لإعداد كوادر من الحرس الثوري، بهدف توزيعهم على كافة مناحي السلطة

ومن بين الأزمات المحتدمة التي وقع تحت وطأتها النظام الإيراني، في ظلّ التعقيدات السياسية الداخلية بين أجنحته؛ صدور دعوة من الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تستهدف المطالبة بإجراء مجموعة من الخطوات الإصلاحية، المتصلة بـ "حقوق القوميات والأديان والمذاهب، للمشاركة في الحكومة، والإدارة السياسية للبلاد".

وقد أصدر روحاني بياناً بعنوان "حقوق القوميات والأديان والمذاهب"، طالب من خلاله بتعديل النصوص القانونية والدستورية؛ حيث تقضي بتوسيع دائرة الحكم، وتشمل الأقليات الدينية والقومية والعرقية، كما ألمح في بيانه، إلى ضرورة تخفيف القبضة الأمنية، وآليات الحظر والمنع المفروضة حول إدارة الأقليات لشؤونهم الروحية، ومن ثم، توفير دور عبادة خاصة بهم، مثل باقي الطوائف الدينية، ومن بينهم الشيعة.

يصنّف دستور الجمهورية الإسلامية الدولة باعتبارها تخضع لسلطة رجال الدين، على أساس الوصاية والولاية الدائمة؛ إذ نصّ الدستور على أنّ الحكم لا يحقّ إلا للفقهاء العدول الأتقياء، كما ورد في أدبياته السياسية، ويعرفون بحيازتهم هذه الصفات حصراً، وينبغي أن يكونوا ممن يحوزون رتبة مرجع.

المعارض الإيراني سيد فاضلي لـ "حفريات": الإجراءات الأخيرة التي أقرّها البرلمان، بهدف تقليص دائرة المرشحين المحتملين للرئاسة، ليست الأولى

وبحسب الدستور الإيرانيّ؛ "ينتخب رئيس الجمهورية من بين الرجال المتدينين السياسيين، والذين يستوفون جملة من الشروط، أهمها؛ أن يكون مؤمناً ومعتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية، والمذهب الرسمي للبلاد".

ووفق المادة الثانية عشرة من الدستور الإيرانيّ؛ فإنّ "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثنى عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد، غير قابلة للتغيير".

صراع الأجنحة والتيارات

وفي ظلّ انخراط إيران المتواصل، سياسياً وميدانياً، في مناطق الصراع بالإقليم، وموقعها الإستراتيجي المؤثر في حسابات وقوانين الجغرافيا والسياسة والأمن والطاقة؛ فإنّ محاولات فهم الملابسات والسياق الذي يحدث فيه الاستحقاق الانتخابي، يبدو أمراً ضرورياً وملحّاً، إضافة إلى تحليل الخطوات الإجرائية، التي تتمّ بصورة لافتة، بينما تستهدف ضمان تهيئة الأجواء لأطراف سياسية محددة، وتنحية أو نبذ أطراف أخرى.

في النصف الثاني من الشهر الماضي؛ أعلن العميد حسين دهقان، وزير الدفاع الإيراني السابق، والمستشار العسكري الحالي للمرشد الأعلى، علي خامنئي، ترشّحه، رسمياً، للانتخابات الرئاسية، وهو ما رجّح تقديرات عديدة لمراقبين، بأنّ ثمة مؤشرات قوية تبرز ميلاً حاداً نحو عسكرة الرئاسة الإيرانية، والدفع بأحد الصقور لمنصب الرئيس، وبالتبعية، تنحية الجناح المصنّف بـ "المعتدل".

اقرأ أيضاً: الحشد الشعبي نسخة من الحرس الثوري الإيراني

وبحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، صدر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فإنّ ثمة "قائمة من خمسة مرشحين لمنصب الرئاسة، وخلافة روحاني، من بينهم رئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، وهو جنرال سابق وقائد الوحدة الجوية بالحرس الثوري، قبل توليه منصب عمدة طهران".

ولفت تقرير الوكالة الأمريكية إلى أنّ "تصاعد نفوذ العسكريين والتيار المحافظ، يعود، منذ عام 2018، عندما تخلى الرئيس دونالد ترامب عن الاتفاق النووي، مما عرقل وعود حسن روحاني، بأنّ الاتفاق سيكون تأشيرة للقبول الدولي، والازدهار الاقتصادي".

الصقور والحمائم في قصر الرئيس

كما ألمحت الوكالة إلى الشخصيات الأوفر حظاً في سباق الرئاسة، وهم؛ سعيد محمد، قائد مجموعة "خاتم الأنبياء"، الذراع الاقتصادية لـ "الحرس الثوري"، وحسين دهقان، المستشار العسكري للمرشد، والرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السابق، عزت الله ضرغامي، والأخير من الوجوه الإعلامية البارزة في التيار المتشدّد، كما أنّه قياديّ سابق بالحرس الثوري.

وبحسب معهد واشنطن؛ فإنّ هيمنة التيار المحافظ على البرلمان، خلال العام الحالي، والذي حاز أغلبية من الجناح القريب من المرشد والحرس الثوري؛ ومنهم رئيس البرلمان، رغم شبهات الفساد التي تطاوله، تعد بمثابة "المرحلة الثانية من الثورة"، التي سبق أن أعلنها خامنئي، لجهة السيطرة على مصادر الحكم الرئيسة في الجمهورية الإسلامية.

اقرأ أيضاً: ماذا لو فاز مرشحو الحرس الثوري بالانتخابات الرئاسية الإيرانية؟

وقال خامنئي: "المرحلة الثانية من الثورة الإسلامية، تسعى لإعداد الجيل القادم من الثوريين الإسلاميين"، بالتالي؛ فإنّ الوصول لمنصب رئيس الجمهورية هي مسألة وقت، بحسب المعهد الأمريكي.

وفي إطار الخطوات الإجرائية التي تفرض شروطها على المرشحين المحتملين لمنصب الرئيس، وافق البرلمان الإيراني، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون، يقضي بـ "منع حاملي جنسية أخرى، أو بطاقات إقامة في دولة أجنبية، من الترشح في انتخابات الرئاسة"، وهو ما تزامن مع تصريحات ودعاية متزايدة مؤخراً، من الجناح الراديكالي، بوجود مسؤولين إيرانيين، من بينهم وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، يحملون جنسية مزدوجة، أو بطاقة إقامة أمريكية، لا سيما أنّ "ظريف" قد حصل على تعليمه بالولايات المتحدة، وتستهدفه دعاية الفريق المضادّ بأنّه يحمل "البطاقة الخضراء".

ومن جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيرانية عدم صحة الادّعاءات التي تشير إلى حصوله على البطاقة الخضراء، للإقامة في الولايات المتحدة.

دولة "المرشد"

ليس ثمة فارق بين أصولي وإصلاحي، بحسب المعارض الإيراني، سيد فاضلي، بيد أنّ النظام في طهران، والذي يعتمد رؤية براغماتية ومصالحية، يضع مجموعة من الخطط لإعداد كوادر من الحرس الثوري، بهدف توزيعهم على كافة مناحي السلطة، وهو ما ظهر في وصول جنرال سابق في الحرس الثوري لرئاسة البرلمان، وسط شبهات عنيفة بالتزوير، والتجاوزات القانونية، وكذا إخفاقه السياسي أثناء توليه منصب عمدة طهران، كما تتمدّد قبضة الجناح الراديكالي على قطاعات عديدة، مثل الصحة، وقد برز ذلك في إدارته لأزمة فيروس كورونا المستجد، وتغول اقتصاديات الحرس، التي هي خارج الرقابة القانونية الحكومية، ومعفاة من الضرائب، في كافة شؤون الدولة، التجارية والسياسية والعسكرية والصحية.

المعارض الإيراني سيد فاضلي

ويضيف فاضلي لـ "حفريات": "الإجراءات الأخيرة التي أقرّها البرلمان، بهدف تقليص دائرة المرشحين المحتملين للرئاسة، ليست الأولى، إذ إنّ هندسة الانتخابات الإيرانية، من بين الأمور التي يستبق النظام القيام بها، بشكل مبكر، وتتفاوت آلياته في ذلك، سواء بواسطة القانون والتشريعات، أو قمع الأطراف التي تهدد نفوذه، عبر الاعتقال المباشر؛ فمنذ عام 2009، يقبع رموز الحركة الخضراء رهن الإقامة الجبرية، مثل مير حسين موسوي، رئيس وزراء إيران السابق". 

اقرأ أيضاً: إيران: إفلاس الإصلاحيين وتوحش الحرس الثوري

ويلفت المعارض الإيراني إلى أنّ مجلس صيانة الدستور في إيران، الجهة المسؤولة عن مراجعة وإقرار التشريعات التي يناقشها ويوافق عليها البرلمان، أقرّ، قبل نحو عامين، منع من لهم "سوابق أمنية"، أو انخرطوا في "فتنة 2009"، بحسب تعبيره، والمقصود بها الحركة الاحتجاجية، من الترشح للرئاسة، بالتالي، يكون نجح في تقييد فرص الإصلاحيين والمصنفين بالمعتدلين، وكذا رموز التيارات المعارضة من الترشح، بواسطة القانون إلى جانب الأنماط السلطوية الأخرى، التي تفرض السجن والإقامة الجبرية على عديدين، من بينهم مهدي كروبي، زعيم حزب الثقة الإصلاحي.

ورجّحت مجلة "فورين أفريز"، الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية،استيلاء الحرس الثوري الإيراني على الحكومة الإيرانية، وانتخاب مرشح منتسب إلى الحرس الثوري، عام 2021؛ إذ إنّ المرشد الأعلى، والمنظمات الأمنية التابعة له، هما الطرف الفاعل والحيوي في إدارة مؤسسات الدولة، لا سيما أنّ التيار الإصلاحي قد تراجع تأثيره، منذ أكثر من عقدين، في ظلّ دولة المرشد الموازية التي عززت من سلطاتها الفعلية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية