هل يجفّف ماكرون "المستنقع الإسلامويّ" في فرنسا؟

هل يجفّف ماكرون "المستنقع الإسلامويّ" في فرنسا؟


21/10/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

قبل أكثر من أسبوعين بقليل، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ إنّه يريد القضاء على "الانعزاليّة الإسلاميّة" في فرنسا؛ لأنّ أقلية من مسلمي البلاد، الذين يُقدّر عددهم بنحو ستّة ملايين نسمة، تُخاطر بتشكيل "مجتمع مضادّ".

الشعب الفرنسي في حاجة إلى أن يرى أنّ الرّئيس ماكرون لديه الشّجاعة ليس فقط لفضح الإسلام الراديكاليّ، ولكن أيضاً لاتّخاذ خطوات حقيقيّة وعملية لهزيمته

ويوم الجمعة؛ رأينا مثالاً آخر على ذلك، عندما قُطع رأس مدرّس تاريخ في الشّارع، وهو في طريقه إلى منزله في إحدى ضواحي باريس، وكان المدرّس، ويُدعى صمويل باتي، ناقش حرّيّة التّعبير في الفصل، عارضاً رسوماً كرتونية للنّبيّ محمّد، وقد احتجّ بعض الآباء، ممّا أدّى إلى ضجّة أوسع، وفي نهاية المطاف، إلى مقتله. وقال ماكرون إنّ باتي "قُتل لأنّه علّم حرّية التّعبير وحرّيّة الإيمان أو عدم الإيمان"، ويقدّم الرّئيس نفسه الآن على أنّه المدافع عن القِيَم الفرنسيّة، مصمّماً على تجفيف المستنقع الإسلاموي.

إنّ حقيقة أنّ ماكرون ألقى خطاباً مناهضاً للإسلامويّة تُعدّ في حدّ ذاتها علامة على مدى سرعة تحرّك النّقاش في فرنسا، فقبل خمسة أعوام، عندما أشارت قناة "فوكس نيوز"، إلى "المناطق المحظورة" في باريس، هدّد عمدة المدينة برفع دعوى قضائيّة.

اقرأ أيضاً: ماكرون يقرر حلّ جماعة الشيخ أحمد ياسين الموالية لحماس لهذا السبب

الآن، لدينا وسطيّ مُعلَنٌ مثل ماكرون يحذّر من أنّ "الهدف النّهائيّ" لـ "أيديولوجيا" الإسلامويّة هو "السّيطرة الكاملة" على المجتمع، لو كان أيّ شخص قدّم مثل هذه الحجج قبل بضعة أعوام فقط لدانه اليسار باعتباره متطرّفاً، ويَعِد ماكرون بقانون بشأن "الانعزاليّة الإسلامويّة"، بما يقيّد التّعليم المنزليّ للمسلمين ويطالب المجموعات الإسلاميّة الّتي تتلقّى تمويلاً من الدّولة الفرنسيّة بضرورة التّوقيع على "ميثاق علمانيّ".

إذا كان ماكرون جادّاً

لكن إذا كان ماكرون جادّاً، فلماذا يتوقّف عند هذا الحدّ؟ قبل أسبوع من خطابه، على سبيل المثال، وقع حادث طعن خارج مكاتب شارلي إيبدو، الذي وصفه وزير الدّاخليّة الفرنسي؛ بأنّه "عمل إرهابي إسلاموي"، و"هجوم دموي جديد على بلدنا"، وستكون من الشّجاعة والقوّة إقامة نصب تذكاريّ لذكرى الأشخاص الذين قتلوا على أيدي الإسلامويّين أثناء القتال من أجل حرّيّة التّعبير، ربّما تمثال لفريق شارلي إيبدو، أو لصديقي الرّاحل، ثيو فان غوخ، وعند إزاحة السّتار عن التّمثال، قد يدحض ماكرون الفكرة الخاطئة، التي تزداد انتشاراً اليوم؛ بأنّ التّدقيق في شؤون الإسلامويّة والإسلامويّين هو فعل من أفعال "الإسلاموفوبيا".

إنّ الدفاع عن حقوق الإنسان العالميّة هو عمل رحيم وليس "فوبيا"، وعدم توضيح هذه النّقطة يترك فقط فرصة للمتعصّبين الحقيقيّين من اليمين المتطرّف.

حُرمت امرأة جزائريّة من الجنسية نتيجة رفضها مصافحة مسؤولين ذكور في حفل تجنّس فرنسي، وبهذه الطريقة يمكن للإسلامويّين أن يلاحظوا أنّ فرنسا ليست وطنهم الطّبيعي

كما قال ماكرون في خطابه: إنّ "التّحدّي هو محاربة أولئك الذين يخرجون عن القضبان باسم الدّين، مع حماية أولئك الذين يؤمنون بالإسلام، وهم مواطنون كاملون للجمهوريّة"، إذا كان يقصد ذلك حقاً، فربما يمكنه تأمين الأمن والدّعم لأولئك المسلمين الفرنسيين الذين يتحدّثون بشجاعة ضدّ الإسلام الرّاديكالي؟ ويمكنه، أيضاً، دعم المسلمين الفرنسيين الذين يسعون إلى تجديد الشريعة، ووضع السنّة النبويّة (الممارسات الإسلامية التّقليدية) في سياقها التاريخي، وإنشاء حدود ذات مغزى بين الدّين والدّولة من خلال تحدّي النّقاء العقائدي، وضمن جهود محاربة المتطرفين، من الضّروري التّمييز بين المسلمين الذين يحثّون على التّغيير الحقيقي، والإسلامويّين الذين يتلاعبون بعقول النّاس.

ويقاتل عدد كبير من المسلمين الفرنسيّين ضدّ الإسلامويين، ويمكن لماكرون أن يفعل المزيد لدعمهم.

معركة الأفكار ضدّ الإسلاموية

ستكون معركة الأفكار ضدّ الإسلاموية، بالضّرورة، طويلة، وإذا كان ماكرون يأمل في النّجاح، فيجب أن يضمن مشاركة المجتمع المدني الفرنسيّ والمؤسّسات الخيريّة بشكل كامل في هذا الجهد، وعليه أن يفكّك المنظّمات الإسلامويّة التّخريبيّة التي ترسي الأساس الأيديولوجي للعنف، بينما يدعو زملاءه من القادة الأوروبيين إلى فعل الشّيء نفسه، وإنّه لأمر مدهش كم يفضّل عدد كبير منهم، حتّى الآن، تجنّب الموضوع.

وقد يعزّز ماكرون، أيضاً، قوانين الهجرة لضمان مراعاة القِيَم المدنيّة الفرنسيّة في قرارات القبول، ويجب إخبار أولئك الذين قُبلوا في الجمهوريّة من الخارج بتبنّي المفهوم الفرنسيّ للتّماسك الاجتماعي، ممّا يعني أنّهم لا يستطيعون اعتناق النزعة الانعزالية أو الإسلاموية، أو الانتماء إلى منظمات تفعل ذلك.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون يحرفون تصريحات مفتي مصر ... ما علاقة ماكرون؟

أيضاً، يجب استخدام القوانين الحالية بشكل أكبر، ومنذ وقت ليس ببعيد، حُرمت امرأة جزائريّة من الجنسية نتيجة رفضها مصافحة مسؤولين ذكور في حفل تجنّس فرنسي، وبهذه الطريقة يمكن للإسلامويّين أن يلاحظوا أنّ فرنسا ليست وطنهم الطّبيعي.

ومن جانبه، يسمح القانون الفرنسيّ للحكومة برفض طلبات التّجنّس على أساس "عدم الاستيعاب، بخلاف الّلغة"، ووفقاً لروح هذا القانون؛ يجب على ماكرون البدء في إعادة طالبي اللجوء الذين يمارسون العنف أو التّحريض على العنف، لا سيّما ضدّ النساء.

معالجة التطرّف الأيديولوجي

في السياسة الخارجية؛ يمكنه معالجة التطرّف الأيديولوجي الذي تنشره حكومتا قطر وتركيا، من بين حكومات أخرى، من خلال دعمهما للإسلامويين والمؤسسات الإسلاموية والانعزالية في أوروبا (بما في ذلك فرنسا)، ويمكنه اتّخاذ موقف أقوى بكثير ضدّ النظام الإيراني، على المستوى الثّنائي وكذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي، بسبب أنشطته العدائية على الأراضي الأوروبية، وقسوته الشريرة تجاه شعبه، وجهوده لتصدير الإسلامويّة الثوريّة في كافّة أنحاء الشرق الأوسط.

ما يزال السلك الدّبلوماسي الفرنسي يمتلك معرفة، تاريخية ولغويّة، استثنائيّة، بأفريقيا وآسيا والشّرق الأوسط، ويمكن استخدام هذا لمواجهة أنشطة جماعات مثل الإخوان المسلمين.

اقرأ أيضاً: ماكرون... قيم الجمهورية والجلبة "الإخوانية"

ويقول ماكرون إنّ مشروع قانونه سوف "يحلّ" الجماعات الإسلامويّة التي تتعارض في مبادئها مع مبادئ الجمهورية الفرنسية. ويمكنه فعل ذلك بقطع التّدفقات المالية من القوى الأجنبية إلى المنظمات الإسلاموية داخل فرنسا.

إنّ ماكرون على حقّ: الانعزالية الإسلاميّة تهدّد بالفعل بتحويل فرنسا إلى دولتين، لكن إذا كانت المشكلة ستتمّ معالجتها، فإنّ الشعب الفرنسي في حاجة إلى أن يرى أنّ الرّئيس لديه الشّجاعة ليس فقط لفضح الإسلام الراديكاليّ، ولكن أيضاً لاتّخاذ خطوات حقيقيّة وعملية لهزيمته.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

السبكتاتور، 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2020



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية