هل يحظى مزارعو الخشخاش في أفغانستان برعاية رسمية؟‎

هل يحظى مزارعو الخشخاش في أفغانستان برعاية رسمية؟‎


13/04/2022

فشلت حركة طالبان المتشددة في مواجهة آفة المخدرات التي تعصف بالمجتمع الأفغاني منذ أعوام طويلة، وجعلت من البلد الذي مزّقته الحروب أكبر منتجي المخدر الخام الذي يُستخدم في صناعة مخدر الهيرويين القاتل.

ورغم أنّها وعدت بأنّها ستقضي على تجارة المخدرات، وأنّه لن يكون هناك أيّ عمليات تهريب، فإنّها لم تفِ بوعودها، بل على العكس ازدهرت زراعة الأفيون وتجارته في أفغانستان كمصدر دخل في البلاد.

وقام المزارعون الأفغان بجمع محصولهم من الخشخاش بعد أيام من إصدار الحركة أمراً بمنع زراعته وإنتاجه نهائيّاً، وفق ما أورده مركز المرجع للدراسات والأبحاث في تقرير له نشر أمس.

حركة طالبان تجني أرباحاً تُقدّر بنحو (3) مليارات دولار سنويّاً من خلال الاتجار بالأفيون والهيرويين

وجمع المزارعون محصولهم الأول في هذا الموسم بإقليم هلمند الجنوبي، حيث يُعدّ مزارعو الخشخاش جزءاً من دائرة انتخابية ريفية مهمة لحركة طالبان، ويعتمد معظمهم على الحصاد من أجل تدبر أمورهم، وفي كل عام يجتمع العمال من جميع أنحاء البلاد في هلمند لموسم الحصاد.

ويُعدّ إقليم "هلمند" المصدر الرئيسي للأفيون؛ إذ يباع الكيلو غرام الواحد مقابل (6) آلاف إلى (10) آلاف أفغاني، (68 إلى 114) دولاراً أمريكيّاً، اعتماداً على الجودة.

 

المزارعون الأفغان قاموا بجمع محصولهم من مادة الخشخاس بعد أيام من إصدار طالبان أمراً بمنع زراعته وإنتاجه نهائياً

 

خلال أعوام التمرّد استفادت حركة طالبان من التجارة من خلال فرض ضرائب على المتاجرين، وهي ممارسة تُطبق على مجموعة متنوعة من الصناعات في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

ومن المعلوم أنّ قرابة 80% من الأفيون في العالم يأتي من أفغانستان، وأنّ حركة طالبان تجني منه أرباحاً ترتفع إلى نحو (3) مليارات دولار سنويّاً، من خلال الاتجار بالأفيون والهيرويين، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

وتشير أبحاث إلى أنّ طالبان جنت الملايين من تجارة المخدرات فقط، إلا أنّها تنكر علناً وجود أيّ صلات لها بتجارة المخدرات.

وزعمت حركة طالبان المُسيطرة على الحكم في أفغانستان منذ منتصف آب (أغسطس) 2021 أنّها تخلت عن أحد أهم مصادر تمويلها، وهو زراعة خشخاش الأفيون في البلاد، لكن على أرض الواقع النشاط مستمر، وبرعاية رسمية، حسبما أوردت وكالة "أريانا نيوز".

وأمر زعيم حركة طالبان هبة الله أخوند زادة، مطلع نيسان (أبريل) الجاري، بفرض حظر على زراعة خشخاش الأفيون في البلاد، محذّراً من أنّ الحكومة ستتخذ إجراءات صارمة بحقّ من يزرعون هذا النبات.

مزارعون وأعضاء من "طالبان" لـ"رويترز": إنتاج أفغانستان من الأفيون زاد في الأشهر الأخيرة

وجاء في مرسوم أصدره زعيم الحركة: "جرى إبلاغ جميع الأفغان أنّه من الآن فصاعداً، ستحظر زراعة الخشخاش بشكل صارم في جميع أنحاء البلاد،  وإذا خالف أيّ شخص المرسوم، فسيُدمّر المحصول على الفور، وسيجري التعامل مع المخالف وفق الشريعة الإسلامية، حسبما نقلت فرانس برس.

وحاولت الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي الحدّ من زراعة الخشخاش في أفغانستان من خلال دفع المزارعين لزراعة محاصيل بديلة، مثل القمح أو الزعفران، لكنّ خبراء يقولون إنّ "طالبان" أحبطت محاولاتهم، وسيطرت على مناطق زراعة الخشخاش الرئيسية، وجنت مئات الملايين من الدولارات من تلك التجارة.

ورفض نائب رئيس الوزراء في الحركة "عبد السلام حنفي" ما تردد بأنّ "طالبان" ساعدت في زراعة الخشخاش قبل سيطرتهم على الحكم في البلاد.

 

إقليم "هلمند" يُعدّ المصدر الرئيسي للأفيون، ويباع الكيلو غرام الواحد مقابل (68 إلى 114) دولاراً أمريكياً اعتماداً على الجودة

 

وتساءل حنفي في تصريحات صحفية مطلع الشهر الجاري قائلاً: "كيف تمّ تصديرها إلى جميع أنحاء العالم، عندما كانت القوات التي تقودها الولايات المتحدة تسيطر بشكل كامل على أفغانستان"؟.

وفي سياق متصل، قال مزارعون وأعضاء من "طالبان" لـ"رويترز": إنّ إنتاج أفغانستان من الأفيون، الذي قدرت الأمم المتحدة قيمته بنحو (1.4) مليار دولار، في ذروته في عام 2017، وزاد في الأشهر الأخيرة، حيث دفع الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد سكان المقاطعات الجنوبية الشرقية إلى زراعة المحصول غير المشروع الذي يمكن أن يجلب لهم عائدات أعلى وبسرعة أكبر من المحاصيل القانونية مثل القمح.

وتشير تقارير إعلامية أفغانية إلى أنّ الإنتاج زاد في ولايتي قندهار وهلمند الجنوبيتين منذ استيلاء "طالبان" على السلطة في آب (أغسطس)2021، رغم عدم توفر بيانات تؤكد ذلك.

وما بين عامي 2015 و2020 تمّت زراعة نحو 83% من إجمالي الأفيون المنتج في العالم في أفغانستان، وهذا يعني أنّ احتكار إنتاج الأفيون في العالم بيد أفغانستان، والآن بيد طالبان.

طالبان أحبطت محاولة الولايات المتحدة وقوات الناتو للحدّ من زراعة الخشخاش وسيطرت على مناطق زراعته

وبعد استيلائها على السلطة، عملت "طالبان" على إظهار أنّها تغيرت مقارنة بالماضي، وفي الأيام التي تلت سيطرة طالبان على العاصمة كابول، قدّم المتحدثون باسم الحركة مجموعة متنوعة من الوعود بما يتعلق بتجارة المخدرات وزراعتها، إلّا أنّها بقيت ضمن الأطر الإعلامية، دون أيّ تحرك على أرض الواقع.

وتشير أرقام صادرة عن منظمة الأمم المتحدة إلى أنّ مساحة الأراضي المزروعة بنباتات إنتاج المخدرات في أفغانستان وصلت إلى (224) ألف هكتار في عام 2020، وأنّها خلال الأعوام التالية زادت بشكل ملحوظ، وأصبحت لا تخلو أيّ منطقة من أراضٍ مزروعة بالخشخاش من رعاية وحماية رسمية، وفقاً لما نقلته "سكاي نيوز" في تقرير لها منتصف الشهر الماضي.

وعن الكارثة التي تسببها المخدرات، أفاد نائب وزير الداخلية الأفغاني لشؤون مكافحة المخدرات بأنّ هناك (3.5) ملايين مدمن في البلاد، منهم (20) ألفاً تمّ احتجازهم في مراكز علاج وتأهيل، بعد عقدين من تزايد إنتاج المخدرات بشكل منظم وواسع، حسب قوله.

 

زعمت حركة طالبان أنّها تخلت عن أحد أهم مصادر تمويلها، وهو زراعة خشخاش الأفيون في البلاد، لكن على أرض الواقع النشاط مستمر، وبرعاية رسمية

 

وزعم أنّ حكومته تعمل على بناء مجمع لعلاج المدمنين يكفي لنحو (3) ألف شخص، مدّعياً أنّ الشهور الـ8 الماضية شهدت إلقاء القبض على عدد من كبار تجار المخدرات في البلاد.

يُذكر أنّ زراعة وتجارة المخدرات تشكل 6% إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان، حسب تقرير أممي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

وقدّر التقرير عوائد التجارة والزراعة بالأفيون أو المخدرات عموماً في أفغانستان بما يتراوح بين (1.8 و2.7) مليار دولار خلال العام الماضي.

وجزء كبير من هذه الأموال يتحرك في سلاسل تجارة المخدرات خارج أفغانستان، ونسبة منها تُدفع إتاوات لكثير من الأطراف داخلياً، لحماية هذه التجارة وتمرير شحناتها.

 ويشير التقرير إلى أنّ مكاسب السوق المحلية لا تتجاوز (43) مليون دولار، في حين كسب مزارعو النباتات المخدرة (425) مليون دولار.

وتُعدّ مكافحة زراعة الأفيون في أفغانستان ملفاً يهمّ الكثير من الدول، فحسب التقرير الأممي يُشكّل الأفيون المصدّر من أفغانستان نحو 85% من الأفيون الموزع عالمياً حسب أرقام عام 2020، وذلك في معظم دول العالم، بما في ذلك شرق وجنوب آسيا، وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، ممّا يعني توفير المادة المخدرة لنحو (25) مليون مدمن ومتعاطٍ للمواد الأفيونية.

مواضيع ذات صلة:

هل يمكن لطالبان الاستغناء فعلاً عن تجارة المخدرات؟ وما هي بدائلها؟

ميليشيات إيران تغرق الجنوب العراقي بتجارة البشر والمخدرات

هل تلقى تجارة المخدرات في تركيا رعاية رسمية؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية