هل يفسد صراع مؤسسات الغرب الليبي الإصلاحات الاقتصادية المنشودة؟

هل يفسد صراع مؤسسات الغرب الليبي الإصلاحات الاقتصادية المنشودة؟


04/01/2021

بدأ مصرف ليبيا المركزي أمس بتطبيق سعر صرف موحد جديد في أنحاء البلاد جرى الاتفاق عليه الشهر الماضي، بعد أعوام من الانقسام بين الفرعين: مصرفي (طرابلس والبيضاء) المتنافسين على جانبي الصراع.

وفي إطار التغيير، علقت حكومة الوفاق الوطني غير الدستورية رسوماً فرضتها على معاملات النقد الأجنبي قبل عامين لتقترب بسعر الصرف الرسمي من سعر السوق السوداء، وفق ما أوردت وكالة "رويترز".

وكان مجلس إدارة البنك المركزي قد اتفق على سعر جديد يبلغ 4.48 دنانير للدولار الأمريكي الشهر الماضي، في أول اجتماع له بكامل هيئته منذ 5 أعوام، بعد انقسام البلاد بين فصائل متحاربة في الغرب والشرق.

وتُعدّ هذه القرارات جزءاً من جهود أوسع لإقرار السلام والتشجيع على تطبيق إصلاحات متفق عليها وقطع الطريق أمام الفساد.

وفي تحرك سريع لتنفيذ مخرجات الاجتماعات الأممية حول دعم الاقتصاد الليبي، لضبط مسار الاقتصاد إلى جانب تجفيف منابع تمويل الإرهاب، اعتمد مصرف ليبيا المركزي 10 ضوابط جديدة تنظم الإجراءات المتعلقة بحركة الأموال والنقد الأجنبي، دون الإشارة إلى الميليشيات المسلحة التي توفر الحماية لمحافظ المصرف المركزي أو لمرتزقة أردوغان التي تتقاضى رواتبها من المصرف المركزي في طرابلس.

 

مصرف ليبيا المركزي يبدأ بتطبيق سعر صرف موحد جديد في أنحاء البلاد جرى الاتفاق عليه الشهر الماضي

 

وبحسب منشور إدارة الرقابة على المصارف والنقد بالمصرف الليبي، فإنّ هذه الضوابط تأتي تأسيساً على أحكام القانون الذي ينظم دوره الإشرافي والرقابي على المصارف الصادر بتاريخ 16 كانون الأول (ديسمبر) 2020، بشأن تعديل سعر صرف الدينار.

ومنحت إدارة الرقابة على المصارف والنقد بالمصرف المركزي الليبي، المصارف العاملة في البلاد صلاحيات البت في طلبات فتح الاعتمادات المستندية لكافة السلع والخدمات المسموح باستيرادها قانوناً، شريطة توفر رمز مصرفي (CBL) ساري المفعول، وعليها التأكد من صحة البيانات المتعلقة بالجهة طالبة فتح الاعتماد وعدم وجود أي أسباب تحول دون الاستمرار في التعامل معها قبل المباشرة في إجراءات فتح الاعتماد المستندي، وفق ما نقلت قناة 218.

وتضمن الضوابط أيضاً تحديد الحد الأعلى لقيمة الاعتماد المستندي الواحد لتوريد السلع التجارية، بقيمة 5 ملايين دولار أو ما يعادلها من العملات الأخرى، أمّا فيما يتعلق بالسلع الصناعية، فيبلغ 10 ملايين دولار أو ما يعادلها من العملات الأخرى، وبالنسبة إلى السلع الخدمية تصل إلى 3 ملايين دولار أو ما يعادلها من العملات الأخرى.

اقرأ أيضاً: هل تستخدم قضية لوكربي لابتزاز ليبيا للتطبيع مع إسرائيل

وأشار القرار أيضاً إلى ضرورة تفتيش ومعاينة من إحدى شركات التفتيش المحلية أو الدولية للسلع، ويشترط أن تكون شركة التفتيش المحلية متحصلة على الرمز المصرفي (CBL-key)  ساري المفعول، كما يشترط في شركة التفتيش الدولية تقديم إفادة تفيد بحصولها على المتطلبات القياسية الدولية (ISO9001:2015)، كما أنّ على الجهة طالبة فتح الاعتماد المستندي تقديم شهادتي السداد الضريبي والمستحقات الضمانية المقرّرة قانوناً، ويشترط أن تكون أصلية وحديثة.

 

مصرف ليبيا المركزي يعتمد ضوابط تنظم الإجراءات المتعلقة بحركة النقد الأجنبي وتجفيف منابع تمويل الإرهاب

 

ومن أجل ضبط حركة النقد الأجنبي، حدّد المصرف المركزي الليبي 4 ضوابط لبيعه بغرض الدراسة والعلاج بالخارج للمواطنين الليبيين.

وأعطى المصارف صلاحيات بيع النقد الأجنبي للأشخاص الطبيعيين لغرض الدراسة بالخارج بحد أقصى قدره 10 آلاف دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات الأخرى خلال العام المالي للطالب الواحد، عن طريق الرقم الوطني، بشرط أن تكون الجامعة معتمدة، مع ضرورة تقديم فاتورة بتكاليف الدراسة صادرة عن المؤسسة التعليمية تتضمن حساب المؤسسة المراد تحويل تكاليف الدراسة إليها.

اقرأ أيضاً: هل تسلك أمريكا بايدن طريق ترامب في ليبيا؟

وحدّد المصرف المركزي الليبي أيضاً بيع النقد الأجنبي للأشخاص الطبيعيين لغرض العلاج بالخارج بحد أقصى وقدره 20 ألف دولار أمريكي فقط، أو ما يعادله من العملات الأخرى خلال العام، عن طريق الرقم الوطني وعبر فاتورة تكاليف العلاج الصادرة عن أحد المستشفيات أو المراكز العلاجية بالخارج تتضمن تفاصيل الحساب.

وتصاعدت الصراعات بين أقطاب السلطة السياسية والاقتصادية في البلاد على خلفية محاولة الصديق الكبير التفرّد بالرأي والهيمنة على كافة القطاعات المالية معتمدة في حمايته على شخصيات ميليشياوية معروفة على مستوى ليبيا بأنها جنت مليارات الدولارات من وراء الاعتمادات المتسندية.

وظهر الصراع المكتوم بين فايز السراج والصديق الكبير إلى العلن خلال الشهر الماضي، حين  قرّر مجلس وزراء حكومة الوفاق "ممارسة صلاحياته واختصاصاته كاملة حيال المصرف الليبي الخارجي"، وفقاً لقانون تأسيسه الصادر في 1972، الذي دفع بأنه ما يزال سارياً رغم صدور القانون رقم 1 لعام 2005 وتعديله بشأن المصارف.

 

المصرف المركزي الليبي يحدد ضوابط لبيع العملة الأجنبية بغرض الدراسة والعلاج بالخارج للمواطنين الليبيين

 

وقرّر مجلس الوزراء في اجتماع استثنائي برئاسة السراج في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تشكيل جمعية عمومية تتولى تسمية مجلس إدارة المصرف الخارجي، وفقاً للنظام الأساسي الخاص بالمصرف ولقانون تأسيسه.

بالمقابل، رأى محافظ المصرف المركزي، وفق ما أوردت وكالة نوفا الإيطالية، أنّ هذا الأمر "تجاوز للسلطات،" وقال في بيان: إنّ جميع القوانين النافذة ألغت أحكام القانون الذي يستند إليه مجلس الوزراء المتعلق باختصاصه بتعيين مجلس إدارة للمصرف الخارجي.

اقرأ أيضاً: نُذر الخطر في ليبيا

وشدّد على أنّ "النصوص تؤكد قطعاً أنّ مصرف ليبيا المركزي، باعتباره المالك الوحيد للمصرف الليبي الخارجي وحامل أسهمه بالكامل، هو الجمعية العمومية‏ ‏للمصرف الليبي الخارجي".

وحمّل الصديق الكبير رئيس المجلس الرئاسي "المسؤولية القانونية والتاريخية عن الأضرار التي ستلحق بالمصرف الليبي الخارجي، ومساهماته في حال الإقدام على تشكيل مجلس إدارته من قبل الوفاق".

 كما حذّر في السياق ذاته من أنّ ذلك "قد يؤثر على سير التحقيقات الجنائية الدولية بشأن الأعمال الممنهجة التي تعرّض لها المصرف الليبي الخارجي من قبل الإدارة السابقة، التي ألحقت أضراراً جسيمة بالمال العام".

أمّا الخلافات التي طرأت بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، فقد بدأت مع اتهام صنع الله البنك المركزي بطرابلس بإهدار مليارات الدولارات لصالح من وصفهم بالوحوش والقطط السمان.

 

ظهر الصراع المكتوم بين السراج والكبير إلى العلن بعد تشكيل الأول جمعية عمومية تتولى تسمية مجلس إدارة المصرف الخارجي

 

وأضاف صنع الله، يوم 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي: إنّ البنك المركزي الليبي في طرابلس تلقى إيرادات مبيعات نفط بلغت 186 مليار دولار خلال الأعوام الـ9 السابقة، مطالباً المركزي بتوضيح بنود إنفاق تلك الأموال.    

وأكد على أنه قد تمّ الاحتفاظ بأموال مبيعات النفط في حسابات سيادية للمؤسسة الوطنية للنفط بالمصرف الليبي الخارجي، وذلك وفق القانون، لحين اعتماد شفافية وآلية واضحة للإنفاق.

ودارت عندها حرب بيانات بين رئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير .

اقرأ أيضاً: ليبيا والعبث التركي

وكشفت تلك البيانات المتلاحقة بين الطرفين اختفاء مليارات الدولارات، ما يستوجب المساءلة القانونية، وفق ما نقلت صحيفة المرصد الليبي.

وبدأت الخلافات حينما اتهم المصرف المركزي الذي يقوده الصديق الكبير، الأسبوع الماضي، المؤسسة الوطنية للنفط بالتلاعب في البيانات منذ عدة أعوام، في إشارة إلى وجود عمليات فساد وتلاعب بالأرقام وعدم تطابق بين الإيرادات النفطية والإنفاق.

وقال مركزي طرابلس: إنّ الإيرادات النفطية وحدها حققت عجزاً مقداره 2.599 مليار دينار، فقد كانت الإيرادات المقدّرة حسب الترتيبات المالية 5 مليارات، في حين كانت الإيرادات الفعلية 2.4 مليار.

المؤسسة الوطنية للنفط التي يديرها مصطفى صنع الله ردّت على هذه الاتهامات قائلة: إنّ ما ورد في بيان المصرف المركزي "مغالطات وتضليل"، مشيرة إلى أنها بصدد التعاقد مع إحدى الشركات العالمية الكبرى للمراجعة والتدقيق المالي لأنظمتها المالية والإدارية.

 

حرب بيانات بين مصطفى صنع الله والصديق الكبير تكشف فساداً بالمليارات في قطاع النفط

 

وكان الجيش الليبي قد طالب بوضع آلية واضحة وشفّافة تضمن التوزيع العادل لعوائد النفط على كل الشعب والأقاليم، وعدم ذهابها لدعم الميليشيات المسلحة والمرتزقة السوريين.

كما طالب بفتح حساب خاص بإحدى الدول تودع به عوائد النفط، مع آلية واضحة للتوزيع العادل لهذه العوائد على كافة الشعب الليبي بكل مدن وأقاليم البلاد وبضمانات دولية، مع ضرورة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي بطرابلس.

ومنذ مطلع العام الجاري اشتعلت أزمة بين المؤسسات المالية في حكومة فايز السراج بسبب امتناع البنك المركزي عن صرف رواتب العاملين، أطرافها البنك المركزي ووزارة المالية وفايز السراج.

وتكبّد القطاع المصرفي في ليبيا خسائر بلغت 292.2 مليار دينار في الفترة من عام 2011 حتى 2015، طبقاً للتقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا).

التقرير حذّر أيضاً من ارتفاع تكلفة الصراع الليبي بشكل حاد إذا لم يوقع اتفاق سلام في الأعوام المقبلة، مقدّراً تلك التكلفة بنحو 628.2 مليار دينار (ما يعادل 465 مليار دولار) وذلك في الفترة من 2021 إلى 2025.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية